< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:تحليل الخمس في عصر الغيبة/ قسمة الخمس/ كتاب الخمس

الطائفة الثالثة: وهي المعتمدة تعدّ وجهاً للجمع بين الطائفتين المتقدمتين وهي تفصيل ما انتقل الى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس او لا يخمس وان اعتقد به، فهذا القدر من الخمس المنتقل الينا من هولاء مباح للشيعة، والوزر على المنتقل منه، فنصوص التحليل ناظرة الى هذا. وبين ما وجب على المكلّف نفسه،

فلا يسقط الخمس ولا يُحلّل له.

ومن هذه الطائفة: ما رواه الشيخ الصدوق والشيخ بسندهما عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند الامام الصادق عليه السلام فدخل رجل من القمّاطين[1] فقال: جعلت فداك: تقع في ايدينا الاموال والارباح وتجارات نعلم ان حقّك فيها ثابت وإنّا عن ذلك مقصّرون، فقال الامام عليه السلام: ما انصفناكم ان كلّفناكم ذلك اليوم.[2] والرواية معتبرة بطريق الصدوق وان اشتمل على الحكم بن مسكين فانه ثقة على الأظهر، والرواية دلّت على التحليلّ مما يُشترى أو ينتقل الينا بالمعاملة ممن لا يعتقد الخمس او لا يخمّس عصياناً، فلا يجب على الآخذ ومن انتقل اليه ما فيه الخمس. الخمس.

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن ابي سلمة (سالم بن مكّرم) وهو ابو خديجة عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قال رجل وانا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع الامام الصادق عليه السلام فقال له رجل: ليس يسألك ان يعترض الطريق، انما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثاً يصيبه او تجارة أو شيئاً أُعطيه. فقال عليه السلام: هذا لشيعتنا حلال. الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحي، وما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال، امّا والله لا يحلّ الاّ من احللنا له[3] .

وهذه الرواية صحيحة السند لأن سالماً بن مكرّم مكّنى بأبي خديجة و(أبو سلمة) هي كنيته كنّاه بها الامام الصادق عليه السلام على ما رواه الكشّي[4] ، وهذا سالم بن مكرّم ثقة على ما نصّ عليه النجاشي بقوله (ثقّة ثقة)[5] .

نعم هناك سالم بن ابي سلمة الكندي السجستاني، قال عنه النجاشي: حديثه ليس بالنقي وان كنّا لا نعرف منه الاّ خيراً[6] . فهذا هو المحكوم بالضعف لا سالم بن مكرّم المكنّى بأبي سلمة وان اشتبه الشيخ الطوسي حيث عدّهما

شخصاً واحداً، فصرّح فقال: سالم بن أبي سلمة وهو ابو خديجة[7] .

اقول: ان كلام النجاشي لا يدل على ضعف الرجل حيث قال: (ان حديثه ليس بالنقي) اي أنه يروي عن الضعفاء أو ان المراد بغير النقي اي انه يروي احاديث غير معهودة وشاذة، الاّ انه قال بعد ذلك (اننا لا نعرف منه الاّ خيراً) وهي تدل على وثاقته.

وعلى كل حال: من هذه الرواية قد يفهم ان تحليل الخمس للشيعة مرتبط بخمس الغنائم والجواري المسبيّة التي لم يدفع المخالفون خمسها للإمام عليه السلام بل كانوا يقسمونها الى اربعة اقسام أو ثلاثة، وهذه بنفسها تقع في ايدي الشيعة وفيها خمس الامام عليه السلام الذي له، وفيها حق السادات على مبنى المشهور فاقتضت المصلحة ان يُحلّل للشيعة، حتى تطيب الولادات الناشئة من مقاربة هذه الجواري.

أضف الى ذلك ان روايات التحليل كلها عن الامام الباقر والصادق عليهما السلام ما عدا صحيحة علي بن مهزيار التي هي عن ابي جعفر الثاني عليه السلام (الامام الجواد) ولكنها تقول بعد ان سألهُ السائل ان يجعله في حلّ مأكله ومشربه من الخمس فكتب بخطّه (مَن اعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ) فهي في صورة الاعواز ولا تحل الخمس مطلقاً وهي تدل على ان البناء في ذلك العصر هو أداء الخمس والمطالبة به ولذا طلب الرجل لنفسه الاستحلال، وكذا توجد رواية عن صاحب الزمان عليه السلام تفيد حليّة الخمس للشيعة لتطيب الولادة ولا تخبث ولكن هذه الرواية نحملها على عدم اعطاء خمس الغنائم والجواري وان التحليل الوارد في هذا المجال وذلك: لأن في زمن الغيبة كانت المطالبة من قبل امام الزمان بواسطة وكلائه الاربعة واضحة وجلية، ولذا لم يقل أحد بتحليل الخمس للشيعة في زمن الغيبة الاّ الديلمي وتبعه صاحب الذخيرة ولا ثالث لهما فيما ذكره صاحب الجواهر قدس سره[8] .

نعم حكاه في المقنعة[9] والنهاية[10] وغيرهما قولاً من دون تعيين القائل، وفي الحدائق عن جملة من معاصريه بل قال انه مشهور[11] .

والخلاصة: في زمان الامام علي عليه السلام والامامين الحسن والحسين والامام الباقر والامام الصادق عليهم السلام كثرت الغنائم الحربية والجواري المسبيّة، وقد اسقط اهل السنة، حصّة الله وحصّة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحصّة الامام عليه السلام ووضعوها في المصالح العامّة والسلاح وحرموا ذوي القربى (الامام) والسادة (على رأي المشهور بين المتأخرين) من نصيبهم، اذ جعلوه لكل فقير من دون تخصيص بني هاشم، ثم لم يكن في ذلك الزمان أي

ترحيب بالمنتسبين الى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي عليه السلام فقد كانوا يمنعونهم من اي حقّ ولو كان حقّاً عاماً فقد كانوا في ضيق شديد يخافون على نفوسهم من القتل[12] نتيجة معادات الفريق الآخر لهم كما هو مسطور في التاريخ، وحينئذٍ كثر ابتلاء الشيعة بالغنائم الحربية وبالجواري، فسُئِل الائمة عليهم السلام عن خمسها، فحلل لهم لمصلحة التسهيل على الشيعة، اذ انّ غير الشيعة من المسلمين لا يخمسّونها لأنهم تبع للسلطة، وحينئذٍ اذا خمّسها الشيعة بعد وقوعها في ايديهم

يحصل الضرر عليهم ويكون حال غيرهم احسن حالاً منهم، فاقتضت المصلحة ان تحلّل لهم وهذا (كما ترى) لا يشمل ارباح المكاسب أو غير ذلك مما هو خاضع للخمس ويقع في يد الشيعة ولا يكون تخميسه خلاف الانصاف.

ولهذا ترى ان روايات التحليل دائرة مدار هذه العناوين مثل (حلّل لي الفروج)[13] اي ما يقع في ايدي السائل من التجارة أو الارث هو نساء مملوكات امّا كلّها للإمام عليه السلام لأن الغنيمة التي حصلت من الحرب لم تكن بإذن الامام عليه السلام أو ان الخمس فيها للإمام عليه السلام وقبيله، فجاء السؤال عن تحليل هذه الحالة الخاصّة. وكذا ورد عنوان: فِلمَ احللنا اذاً لشيعتنا الاّ لتطيب ولادتهم وان علمتُ ان لك حقّاً فيها.

كما ان هناك مشكلة اخرى وهي في كل زمان ولم تختصّ بزمان بعض الائمة كالصادقين عليهما السلام ومَن قبلهما وهي ان اهل السنة لم يخمّسوا ارباح المكاسب، وهي تقع بأيدي الشيعة، فهل يجب عليهم اخراج خمس غيرهم ممن يربحها؟ فجاء الجواب بالعدم المعلّل (ما انصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم)[14] فندور مدار التعليل فقط، وحينئذٍ لا تشمل ما تعلّق به الحق والخمس وهو في يدي، أو كان الذي وقع بيدي هو هدية مجّانيّة ولم يكن بمعاملة، لأنّ التكليف في هذين الموردين ليس خلاف الانصاف.

كما ان العنوان الوارد عن امير المؤمنين عليه السلام القائل: «هلك الناس في بطونهم وفي فروجهم لأنهم لم يؤدّوا الينا حقّنا، ألا وان شيعتنا من ذلك واباءهم وابناءهم في حلًّ[15] .

فهي تشير الى كلا المشكلتين.

نعم ان بعض الروايات[16] قد حلّلت المساكن، وهي تعني ان الانفال التي للإمام عليه السلام وقد اخذتها السلطة ووقعت بأيدي الشيعة بالمعاملة فصارت مسكناً لهم أو مزرعة أو نهراً يجري فيه الماء، فأيضاً ذكر الامام عليه السلام ان الشيعة غير مسؤولة عن خمسه لأنه لم يكن من الانصاف اخذ خمسه أو اخذه ممن لم يغصبه بل اشتراه منهم.

اضف الى ذلك: ان اخبار التحليل لا تقاوم الاخبار المستفيضة بل المتواترة الصادرة عن الائمة المتأخرين (سلام الله عليهم) الدالة على المطالبة بالخمس وتعيين الوكلاء لأخذ خمس الارباح.


[1] قمّاط: كشدّاد مَن يصنع القُمط للصبيان وهو جمع القماط وهو:أ ـ حبل يشدهَّ به قوائم الشاة عند الذبح.ب ـ وكذلك ما يشدّ به الصبي في المهدجـ وقيل القمّاط من يعمل بيوت القصب. من الاستاذ حفظه الله.
[4] اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي لشيخ الطائفة الطوسي قدس سره: 418 برقم (661) طبع وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي.
[7] فهرست كتب الشيعة واصولهم، للشيخ الطوسي قدس سره، ج1، ص226، برقم (337) طبع مكتبة المحقق الطباطبائي.
[8] جواهر الكلام، للشيخ محمد حسن النجفي، ج16، ص522، طبع مؤسسة النشر الاسلامي.
[12] وعلى المبنى الذي انتهينا اليه وهو ان الخمس كله للإمام المفروض المعين فان الأمر اوضح لأن الخمس لم يصل الى يد صاحبه وهو الامام عليه السلام فقد كان الحقّ وهو الخمس موجود في الاعيان ولم يصل الى صاحبه فهل يجب على الشيعة الامامية اداء هذا الخمس الى صاحبه اذا وصل اليهم بالمعاملة؟ فجاء الجواب بالنفي وبالتحليل لهم. من الاستاذ حفظه الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo