< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة الترتب.

القاعدة الجديدة هي قاعدة الترتب، ولها الفاظ اخرى فيقولون لا مانع عقلاً من تعلق الأمر بالضدين على نحو الترتب، ولا مانع عقلاً من أن يكون الأمر بالمهم فعلياً عند عصيان الأمر بالأهم، وقد يعبر بتصحيح الأمر بالضد بنحو الترتب على العصيان، أو يقولون الأمر بالضدين على وجه الترتب معقول.

هذه القاعدة يتوقف توضيحها على بيان ثلاثة امور تقدم الكلام عليها، الأمر الأول لا مناص منه وهو صحيح، الأمر الثاني الذي هو صحيح، وكذا الأمر الثالث الذي هو صحيح جائا لنا بمشكلة، وهذه المشكلة هي بطلان عبادات اكثر الناس، جائت مسألة الترتب لتصحيح عبادات الناس.

توضيح القاعدة يتوقف على بيان امور

الآن نتعرض لبيان هذه الامور الثلاثة وتوضيحها:

اولاً: ان قاعدة الضد بناء على الاقتضاء، فمن قال أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده وانّ النهي يقتضي الفساد وان كان نهيا غيرياً، اذاً هذا الأمر يوجب عدم صحة العبادات التي يأتي بها المكلفون اذا كانت ضداً للمأمور به، من يقول بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده فلابد ان يلتزم بفساد العبادة التي تكون ضداً للمأمور به لأن النهي وان كان غيرياً الاّ انه يوجب فساد العبادة، نعم ليس له ثواب وعقاب مستقل الاّ انه يوجب فساد العبادة، وهذا الأمر لايمكن زحزحته، من يقول ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص يحكم بأن الضد بالمأمور به اذا جئنا به فهو عبادة باطل .

ثانياً: قلنا في مسألة التزاحم بوجوب تقديم الأهم على المهم، فاذا تزاحم امران أمر بالانقاذ وأمر بالصلاة في آخر وقتها ولا يمكن الجمع بينهما، فاذا انقذت يزول وقت الصلاة واذا صليت فيغرق المسلم فتزاحما وقلنا بوجوب تقديم الأهم وهو الانقاذ، لكن هنا في هذه المسألة اذا قلنا بوجوب تقديم الأهم وترك المهم لتعيّن الأهم وتعيّن رفع اليد عن دليل المهم، فيبقى الأهم وهو الانقاذ على فعليتة فهو فعلي ومنجز، فاذا ترك الأهم وصلى كانت العبادة باطلة، لأنه في ظرف الصلاة الأمر الفعلي المنجز هو الانقاذ، اذاً الصلاة لا أمر بها فان كان يصلي صلاة لا أمر بها فهي غير مقبولة، ولذا يحكمون بفساد العبادة.

ثالثاً: هناك من يرى ان العبادة المهمة فاسدة مع ترك الأهم حتى لو لم نقل ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده، فيقولون ان العبادة فاسدة فهم يقولون لوفرضنا ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده لكن هذا الضد ليس فيه أمر، فأن الانسان اذا اشتغل بالعبادة وهو لا يرى ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده يقول ان هذه العبادة لا أمر بها فهي فاسدة كما نقل ذلك عن الشيخ صاحب الجواهر والشيخ البهائي فهما يقولان لابد من وجود أمر بالعبادة ولايكفي وجود الملاك، ففي هذا المثال لو تركنا وفاء الدين وذهبنا للزيارة وهي ضد خاص لوفاء الدين فهنا حتى لو فرضنا ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص الاّ ان هذا الضد الخاص لا يوجد فيه أمر.

هذه الامور الثلاثة (الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص، في مسألة التزاحم نقدم الأهم على المهم، في مسألة ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لكن الضد الخاص لا أمر به) يجمعها تقديم الأهم على المهم.

فاذا كنّا مأمورين بشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص، اذاً المأمور به أهم من الضد الخاص والضد الخاص منهي عنه، في صورة التزاحم يكون الأهم مقدماً على المهم لأن المهم لا أمر فيه، في مسألة الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده ولكن الضد ليس فيه أمر، اذاً الذي فيه أمر هو أهم مما لا أمر فيه، ويجمع هذه الأمور الثلاثة تقديم الأهم على المهم.

على هذه الآراء الثلاثة تحدث مشكلة فقهية، وهي: الحكم ببطلان أعمال الناس بسبب تهاونهم وترك الأهم، كما نراهم يتركون وفاء الدين ويفعلون المستحبات المتوقفة على بذل المال، فبناء على هذه الآراء الثلاثة يكون فعل المهم باطلاً لأنه ترك فعل الأهم، وعليه فتكون اكثر عبادات الناس باطلة.

قاعدة الترتب لتصحيح الأعمال

الترتب تارة من جانب واحد، وتارة من جانبين .

الترتب من جانب واحد

اما قاعدة الترتب من جانب واحد، هي طريقة لتصحيح فعل المهم العبادي مع وجود الأمر بالأهم لمن يتمسك بالرأي الثاني والثالث، لا لمن يقول ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضدة، فعلى هذا الرأي لايمكن تصحيح الفعل العبادي مع وجود الأمر بالأهم.

فقاعدة الترتب هي طريقة لتصحيح عمل من قال بوجود التزاحم بين الأمرين ومع ذالك يترك الأهم ويأتي بالمهم، وكذا القاعدة تأتي لتصحيح الفعل المهم العبادي لمن قال ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده ولكن الضد ليس فيه أمر فاذا جئنا به فهو باطل، فقاعدة الترتب تقول بامكان تصحيح هذا الفعل العبادي.

اذا قلنا ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده وان الضد مأمور به بالأمر بالجامع كما قاله الشهيد الثاني، والضد للمأمور به مأمور به بالأمر بالجامع وهذا الأمر بالجامع ينبسط على كل الأفراد حتى المزاحم للمأمور به، أو إذا قلنا ان الأمر العبادي لا يتوقف على الأمر بها فعلاً بل فيها ملاك الأمر، فهنا لا نحتاج الى الترتب، لأن الحصة المزاحمة للازالة لا يوجد فيها أمر، نعم فيها ملاك الأمر والملاك يكفي لصحة العبادة، لأنه حسب رأي جامع المقاصد يوجد رأي بالجامع وهو ينطبق على الحصة الخارجية حتى المزاحمة للمأمور به، أو قلنا ان هذه الحصة الخارجية لا أمر بها لأنها مزاحمة للانقاذ لكن ملاك الأمر موجود والملاك يكفي لتصحيح العبادة فلا مشكلة في البين.

فالمشكلة فيمن يرى في صورة التزاحم وعدم تقديم الأهم فلا أمر بالمهم فالعبادة باطلة، ومن قال ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده ولكن الضد لا يصححه الاّ الامر وليس فيه أمر كما قاله صاحب الجواهر والشيخ البهائي، فجائت مسألة الترتب لتصحيح أعمال الناس لمن قال بالرأيين الثاني والثالث.

مؤسس القاعدة

ان المؤسس لقاعدة الترتب هو المحقق الثاني، ثم جاء السيد الشيرازي فأحكمها وشيد أركانها، ثم جاء الشيخ النائيني فنقحها تنقيحاً كاملاً .

خلاصة الفكرة

وخلاصة فكرة الترتب هي: اذا كان هناك تزاحم بين أمرين بين الانقاذ والصلاة، وكل منها جاء بأمر مستقل ولكن لا يمكن امتثالها في الخارج معاً لعدم القدرة على الجمع بينهما، وبسوء اختياري اترك الانقاذ فحصل عصيان، هنا تقول فكرة الترتب الآن أمر موجود بالصلاة فاذا عصينا الأهم وتركناه فلا محذور في ان يفرض الأمر بالمهم، لأن الشارع لا يطلب الجمع بين الضدين حتى تقول طلب الجمع بين الضدين محال، والتمانع هو الجمع بين الضدين فهو لا يمكن عقلاً، فأن الانقاذ والصلاة متزاحمان ولا قدرة على الجمع بينها في وقت واحد عقلاً فطلب الجمع هو أمر محال، أما اذا كان يطلب الضدين لكن لا على نحو الجمع بينهما بل على نحو الطولية، فنخرج من حالة طلب الأمر بالضدين العرضية المحالة الى طلب الأمر بالضدين الطولية، أما طلب الأمر بالضدين العرضية فهو طلب الجمع بين الضدين في آن واحد وهذا محال لعدم القدرة، اما طلب الضدين الطولية فهو يطلب الضدين لكن لا يطلب الجمع بينهما عرضا فالاول الأهم ثم المهم، يعني في حالة امتثال المكلف للأمر الأهم واطاعة الأمر الأهم لا أمر الاّ بالأهم، والمهم في حالة امتثال الأهم (أي الانقاذ) مباح فالصلاة مباحة فاذا جئت بالأهم المزاحم للصلاة ولا يوجد الاّ أمر به فالصلاة في حالة الانقاذ مباحة ولا أمر فيها فاذا جئت بالأهم فلا يوجد الاّ أمر بالأهم ونعم ما صنعت وتثاب على هذا اذا قصدت القربة ولا يوجد أمر بالصلاة لانها مباحة، وأما في حالة ترك الأهم والاتيان بالصلاة فهنا الأمر بالأهم (انقاذ الغريق) باقي على فعليته، لكن يوجد خطاب بالمهم مشروط بترك الأهم، فاذا تركت الانقاذ صلي، فيكون خطاب المهم (الأمر بالصلاة) داعياً للمكلف الى فعل المهم في حال ترك الأهم.

فالترتب لا يدعو الى الجمع بين الضدين وإنما يقول حين اشتغالك بالمهم يوجد أمر بالصلاة، فهو أمر بالضدين لكن لا على نحو الجمع بينهما، فاذا كان هذا معقولاً فالدليل ساعد عليه وهو نفس الأمر بالانقاذ والصلاة، لأن المفروض وجود حكم مستقل لكل من الدليلين مع قطع النظر عن المزاحمة بينهما، فبحسب اطلاقهما يقتضيان الجمع بين الضدين وهذا محال، فلابد من رفع اليد عن اطلاق أحدهما (كما قاله جامع المقاصد) وبما ان الأهم أولى وارجح ولا يعقل تقديم المرجوح (الصلاة) على الراحج (الانقاذ) فيتعين رفع اليد عن أطلاق دليل المهم أي لاترفع اليد عن أصل الدليل، ومعنى ذالك اشتراك خطاب الصلاة التي هي مهم بترك الأهم، هذه فكرة الترتب.

اشكال على الفكرة

أما من عارض هذه الفكرة فقد قال ان التقيد بترك الانقاذ لايرفع الاشكال، نعم الاشكال يرتفع اذا لم نقل بوجود امر بالصلاة واما اذا قلنا بوجود الامر بالصلاة فالاشكال لا يرتفع لانه جمع للضدين، فمن انكر الترتب قال: لأن الترتب هو عبارة عن أمر بالضدين في وقت واحد، ولذالك قالوا بان فكرة الترتب غير صحيحة.

الجواب عن الاشكال

والجواب نعم يوجد أمران بالضدين، امر بالأهم وهو الانقاذ وأمر بالمهم حين الصلاة وهذا الأمر فعلي والأمر بالمهم أيضاً فعلي، ففي وقت واحد أمر بالضدين فعليين ولكن هذا ليس مستحيلا، اذ لا استحالة في أن يأمر المولى في آن واحد بالضدين اذا لم يكن المطلوب هو الجمع بينهما، فالمشكلة في ارادة الجمع بين الضدين لا في الأمر بالضدين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo