< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الدليل الرابع: استدل على المفهوم للوصف بإطلاق القضية الوصفية وأنّ القيد احترازي، كما في قوله: «في الغنم السائمة زكاة»، فإنّ إطلاق هذه القضية الوصفية يدلّ على كون القيد «السوم» تمام الموضوع للحكم «وجوب الزكاة» من دون أن يكون لهذا الوصف «السوم» شريك ولا عديل، وإلاّ لو كان للوصف «السوم» شريك أو عديل لم يكن هو في جميع الحالات موضوعاً للحكم، مع كون الظاهر من القضية الوصفية كونه تمام الموضوع للحكم.

ولكن يرد عليه: أنّ إطلاق القضية الوصفية يقول: إنّ الوصف هو تمام الموضوع لإناطة هذا الحكم الشخصي به، أمّا عدم إناطة سنخ هذا الحكم ونوعه بموضوع آخر وهو ذات الموضوع «الغنم» مع قيد آخر فلا يكون هو مقتضى إطلاق القضية الوصفية، فمعنى الاحتراز في القيود هو تضييق دائرة الموضوع وإخراج ما عدا القيد عن شمول شخص الحكم له، فيضيّق دائرة الموضوع من كونه مطلق الغنم إلى الغنم السائمة، وعليه فزوال شخص الحكم المناط بالموضوع ليس من المفهوم؛ فلو لم تكن الغنم سائمة فهل فيها زكاة أو لا فهو مسكوت عنه.

والخلاصة: لم يثبت دليل على ثبوت المفهوم للجملة الوصفية.

التطبيقات:

 1ـ ما روي عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال:«من قرأ القرءان وهو شاب مؤمن اختلط القرءان بلحمه ودمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة»([1] ). فإنّه لا مفهوم لهذا الحديث على أنّ القارئ للقرآن غير الشاب لا يتصف بالأوصاف المذكورة فيه أصلاً أو يتصف بعدمها، إذ من الممكن كون القارئ غير الشاب أيضاً يتصف بهذه الأوصاف. نعم، الشاب المؤمن إذا لم يقرأ القرءان لم يختلط القرءان بلحمه ودمه، ولم يجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وهذا معناه انتفاء شخص الحكم عند انتفاء موضوعه، وليس هو من المفهوم في شيء.

الاستثناء:

 1ـ استثناء من عدم دلالة الوصف على المفهوم لوجود قرينة عليه، قال النبيّ صلى الله عليه وآله:«مطل الغني ظلمٌ»([2] ).

 فهنا قد أنيط الحكم «الظلم» بالمدين الغني المماطل، فيكون مطل هذا الغني ظلماً، أما المدين الفقير فلعجزه عن أداء الدين لا يكون مطله ظلماً أبداً، فلو قال شخص: إنّ مطل الفقير ظلم ولو في بعض الموارد، كان هذا معارض لقوله صلى الله عليه وآله: «مطل الغني ظلم»، وهذا عبارة عن انتفاء سنخ الحكم «الظلم» عن المدين الفقير ـ غير الغني ـ فمماطلة غير الغني «الفقير» لا تكون ظالما مطلقاً للقرينة الدالة على المفهوم في المقام فهذه القرينة تدلّ على إناطة الحكم بالغني من جهة مناسبة الحكم والموضوع.

 2ـ استثناء القائل بالمفهوم للوصف في صورة ما لو ورد الوصف مورد الغالب الذي يفهم منه عدم إناطة الحكم به وجوداً وعدماً، نحو قوله تعالى: «وَرَبَائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُم»(1[3] ) ، فإنّه لا مفهوم لمثل هذه القضية مطلقاً، إذ يفهم منه أنّ وصف الربائب بأنّها في حجوركم لأنّها غالباً تكون كذلك.

مفهوم الغاية:

 الألفاظ الأخرى للقاعدة، الحكم المغيّى بغاية يرتفع بعد حصول الغاية، الغاية في القضية تدلّ على ارتفاع الحكم عمّا بعد الغاية.

توضيح القاعدة:

أولاً: إذا ورد التقييد بالغاية مثل قوله تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى‌ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمّ أَتِمّوا الصّيَامَ إِلَى اللّيْلِ» (2[4] ) ، ومثل قوله عليه السلام: «كل شيء حلال حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه»(3[5] )، فوقع الخلاف بين الأصوليين في موردين:

الأول: في دخول الغاية في المنطوق أي أنّ الغاية ـ الواقعة بعد أداة الغاية ـ هل تدخل في حكم المغيّى أو لا، فيكون المغيّى منتهياً إلى حدّ الغاية موضوعاً وحكماً؟

 وهذا النزاع الجاري في منطوق الجملة الغائية يتصوّر حيث تكون الغاية غاية للموضوع كما في قوله تعالى «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»([6] 4)، فإلى المرافق ترجع إلى الموضوع أي «اليد»، لا إلى الحكم، فيتكلم هنا في أنّ ما بعد الغاية «المرفق» هل هو داخل في حكم المغيّى «اليد» فيغسل أو غير داخل فلا يجب غسله، أو تكون غاية للمتعلّق نحو قوله تعالى: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»([7] 1)، فـ«إلى الليل» راجع إلى المتعلق «الصيام» لا إلى الحكم «الوجوب»، فالليل وان لم يتصوّر كونه داخلاً في الصوم موضوعاً إلّا أنّه داخل فيه حكماً بناء على دخول الغاية في حكم المغيّى.

 وفي المسألة عدّة أقوال ، الصحيح منها هو أنّ نفس التقييد بالغاية لا يظهر منه دخولها في المغيّى ولا في عدمه «أي لا يظهر من الغاية دخولها في المنطوق أو عدمه»، وإنّما يتبع القرائن الخاصة الحافّة بالكلام.

 نعم، إذا كانت الغاية غاية للحكم لا إلى الموضوع و لا متعلّقه كمثال «كل شيء حلال حتى تعرف أنّه حرام فتدعه»(2[8] )، فلا خلاف في عدم دخول الغاية في المغيّى؛ إذ لا معنى لدخول معرفة الحرام في حكم الحلال، لا موضوعا ولا حكماً.

الثاني: في مفهوم الغاية ـ وهو محل الكلام ـ فقد اختلفوا في أنّ التقييد بالغاية ـ مع قطع النظر عن القرائن الخاصّة ـ هل يدلّ على انتفاء سنخ الحكم عمّا وراء الغاية وعن الغاية نفسها إن لم تكن داخلة في المغيّى، أم لا؟، أو قل: إنّ الجملة المغيات بغاية هل تدل عن ان الغاية وما بعدها محكوم بحكم مخالف للحكم المذكور في المغيى أو لا تدل؟ فإن قلنا إنه محكوم بخلاف الحكم المذكور للمغيى أبداً ثبت المفهوم وإلّا فلا.

ثانياً: أنّ للغاية أداة، وأداة الغاية مثل «إلى» و«حتى»، ولكن المراد بـ: «حتى» التي هي حرف غاية هي «حتى» الجارّة لا العاطفة وإن كانت «حتى» العاطفة تدخل على الغاية أيضاً، حيث إنّ حتى العاطفة يجب دخول حكم ما بعدها في حكم ما قبلها؛ لأنّ هذا هو معنى العطف، فإذا قلت: مات الناس حتى الأنبياء، فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضاً. بل إنّ «حتى» العاطفة تفيد أنّ الغاية هو الفرد الفائق على سائر أفراد المغيّى في القوة أو الضعف، فكيف يتصور ألاّ يكون المعطوف داخلاً في الحكم، بل قد يكون هو الأسبق في الحكم مثل: مات كل أبّ حتى آدم.

[1] () وسائل الشيعة 6: 177، أبواب قراءة القرآن، ب 6، ح1.

[2] (2) مستدرك الوسائل 11: 164ـ 165، أبواب جهاد النفس، ب 3.

[3] (1) النساء: 23.

[4] (2) البقرة: 187.

[5] (3) الكافي 5: 314.

[6] (4) المائدة: 6.

[7] (1) البقرة: 187.

[8] (2) الكافي 5: 314.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo