< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم اللقب ـ مفهوم العدد.

التطبيقات:

 1ـ قولـه تعالى: «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللّهِ»([1] )، فلا دلالة فيها على رفع سنخ الحكم إذا رفعت السرقة، فإن لم يسرق أحد فهل لا تقطع يده أبداً؟ هذا مسكوت عنه في الجملة الغائية, فإن وجد دليل آخر أثبت قطع اليد نلتزم به كما ورد في حكم المفسد في الأرض ـ وهو المخيف للناس بواسطة السلاح ـ فإنّ حكمه قطع الأيدي والأرجل من خلاف، ولا معارضة بين الحكمين، وليس ذلك إلاّ لعدم دلالة الآية على المفهوم.

 2ـ قال تعالى: «الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»([2] 2)، فلا يفهم من ثبوت الحكم للزانية والزاني التعليق ـ العليّة ـ فضلاً عن الانحصار فضلاً عن كون المعلّق هو نوع الحكم، بل المفهوم ثبوت الحكم لهذا العنوان فإن حصل الزنا حصل الجلد، فإن زال العنوان زال شخص الحكم أي هذا الجلد المرتبط بهذا العنوان، ولا معنى لعدم ثبوته على موضوع آخر, فقد يثبت الجلد مائة مرة على غير الزاني والزانية بدليل آخر.

 3ـ قوله تعالى: «وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتّى‌ يُؤْمِنّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى‌ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ»(3[3] )، فعدم جواز نكاح المشركات لا يفهم منه التعليق فضلاً عن الانحصار فضلاً عن كون المعلّق هو نوع الحكم؛ فلا يفهم منها انحصار عدم جواز النكاح بالمشركات وجوازه فيما عداهنّ حتّى المحارم, فلا تعليق بين عدم الجواز للنكاح والمشركة، بل ثبت حكم عدم جواز النكاح للمشركة خاصة، فإذا زال الشرك زال شخص الحكم أي هذا عدم الجواز الخاص بالمشركة، ولكن قد يكون الثابت أيضاً عدم جواز نكاحها وإن لم تكن مشركة كما لو كانت من أرحام المكلف التي يحرم نكاحهن.

 4ـ قولـه تعالى: «وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ»([4] 1) فأيضاً لا يفهم التعليق فضلاً عن الانحصار فضلاً عن كون المعلّق هو نوع الحكم، ولذا لو لم تكن مطلّقة، بل كانت موطوءة بالشبهة، فلابدّ لها من التربص ثلاثة قروء أيضاً، فيفهم أنّ الحكم شخصي يزول بزوال موضوعه، أي أنّ المنفي هذا التربّص المربوط بالمطلقة, ولا ينافي ثبوت حكم آخر من سنخ الحكم الشخصي الأولي على موضوع آخر أي الوطء بشبهة، وهذا بنفسه دلالة على عدم ثبوت المفهوم للّقب.

 5ـ ما روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ إذ قال: «الحسود بريء من الإيمان»، فلا مفهوم على أنّ غير الحسود ليس بريئاً من الإيمان مطلقاً، فقد يكون غير حسود ولكنّه بريء من الإيمان لكفره، وما ذاك إلاّ لأنّ الجملة لا يفهم منها التعليق فضلاً عن الانحصار، بل يفهم ثبوت عدم الإيمان للحاسد، وليس معنى ذلك هو الإيمان لغير الحاسد, إذ قد يكون غير الحاسد أيضاً لا إيمان له.

المستثنى: إذا كان اللقب (الجملة اللقبية) فيها قرائن على المفهوم، لفظيّة أو حاليّة أو خارجية كما إذا قال (محمّدٌ خاتم النبيين) فإن الخاتميّة قرينة لفظية تدل على المفهوم فإنّها لا تصدق إلا بعدم وجود نبي بعده, ومنشأ القرينة كون المولى في مقام تحديد الخاتم, والكلام في دلالة الجملة اللقبية على المفهوم من دون قرينة. وكما إذا قلنا فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، فإن هذا تحديد وتضييق لسنخ الحكم على موضوعه الخاص أي إنّ غير فاطمة ـ عليها السلام ـ ليست بسيدة لنساء العالمين فتدلّ الجملة اللقبية هنا على المفهوم لوجود القرينة, ولا كلام فيه إنّما الكلام في دلالة الجملة اللقبية على المفهوم من دون قرينة.

قاعدة: عدم المفهوم للعدد

 الألفاظ الأخرى للقاعدة, «مفهوم العدد», «لا دلالة للعدد على المفهوم», «لا مفهوم في العدد».

توضيح القاعدة:

 إذا وردت قضية ترتّب الحكم فيها على عدد خاص كما إذا قال المولى: (صم ثلاثة أيام من كل شهر)، فهل تدلّ على نفي الحكم «استحباب الصوم» عمّا فوقه وعمّا دونه «فلا يستحب الصوم إن كان أقل منم ثلاثة أو أزيد منها» أم لا؟

 ذهب المشهور إلى عدم الدلالة على المفهوم؛ وذلك لأنّ التحديد بالعدد لا يدلّ على انتفاء سنخ الحكم فيما عداه إذا لم يكن المولى في مقام التحديد من طرف الأقل ولا من طرف الأكثر, والكلام في كون نفس الجملة العددية هل تدل على التحديد أو لا, أمّا كون المتكلم قاصداً للتحديد أو لا فهو شيء آخر خارج عن مفهوم الجملة العددية, وعليه فإذا قيل: (صم ثلاثة أيام من كل شهر)، فإنّه لا يدلّ على عدم استحباب صوم غير الثلاثة الأيام، فلا يعارض الدليل على استحباب صوم أيام أخر، فالتحديد بالعدد لا يدلّ على انحصار الاستحباب بالعدد فضلاً عن كون الانحصار هو سنخ الحكم، بل إذا لم يصم ثلاثة أيام فقد زال شخص الحكم في القضية، وهو معنى احترازية القيود الذي يقبله الجميع, وهذا ليس هو المفهوم المبحوث عنه هنا الذي هو عدم استحباب صوم غير الثلاثة من كل شهر.

 نعم، إذا كان المتكلم في مقام التحديد بالعدد من جهة البيان للحدّ المعيّن من ناحية الزيادة والنقيصة، فحينئذٍ يدلّ هذا العدد على المفهوم أي عدم وجوب الزيادة وأنّ الأقل لا يجزي، إلاّ أنّ هذا ليس ناشئاً من نفس التحديد بالعدد في الجملة العددية، بل هو ناشئ من قرينة كون المولى في مقام التحديد، وهو قرينة على المفهوم, لا أنّ الجملة العددية دلت بنفسها ومن دون قرينة على المفهوم, كما تقدم تفصيل هذا في مفهوم اللقب.

 كما أنّ المولى إذا كان في مقام تحديد سنخ الحكم من ناحية الأكثر، فيكون العدد مأخوذاً من جهة أنّه أكثر عدد يقع تحت الحكم عند كون الحكم للأكثر وما دونه كقوله: (أكثر النفاس عشرة أيّام).

 كما أنّ المولى قد يكون في مقام تحديد سنخ الحكم من ناحية الأقل. فيكون العدد مأخوذاً من جهة أنّه أقل عدد يقع تحت الحكم عند كون الحكم للأعم من الأقل وما زاد عليه كالعشرة في الإقامة للمسافر (أقل الإقامة عشرة أيام). فالموضوع أعم من العشرة وما زاد عليها، وكالثلاثة في أقل الحيض (أقل الحيض ثلاثة)، فحينئذٍ يدلّ بالمفهوم على عدم جواز الإقامة أقل من عشرة أيام، وعدم إمكان أن يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام(1[5] ), فإن جاء دليل وقال إنّ أقل الإقامة تسعة أيام أو أقل الحيض يومان وقع التعارض بينه وبين الدليل الأوّل, فقد توفّر في هذه الجملة مع وجود القرينة عنصرا المفهوم أي أنّ الحكم مرتبط بهذا الموضوع ولا ينفصل عنه أبداً وثانياً: أنّ المرتبط نوع الحكم, فلا تكون إقامة أقل من عشرة أيام أبداً.

[1] () المائدة: 38.

[2] (2) النور: 2.

[3] (3) البقرة: 221.

[4] (1) البقرة: 225.

[5] (1) راجع: عمدة الأصول 3: 530، مع تغيير الأمثلة، والإضافة إليها لما في بعض أمثلته من الإشكال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo