< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تخصيص العام بالمفهوم الموافق والمخالف

التطبيقات:

 ومثال للممفهوم الموافق الأخص من العام فيخصصه.

 1ـ مثال للمفهوم المخالف الذي هو أخص من العام ويخصصه: روى المحقق في المعتبر قال: قال (عليه السلام) «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» ([1] ).

 وهذا الحديث عام يشمل الماء القليل والكثير، فكله طاهر ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه. فالمثال يكون كل ماء طاهر لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة.

 وروى محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء» ([2] ).

 وهذا الحديث له مفهوم مخالف وهو إذا لم يكن الماء قدر كرٍّ ينجسه شيء من النجاسات أو كل شيء منها، فهذا المفهوم المخالف أخص من العام المتقدم في الحديث الآخر فيخصص العموم وتكون النتيجة هي انفعال ما دون الكرِّ بملاقاة النجاسة وان لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بخلاف ما إذا كان كراً فلا ينجسه شيء من النجاسات إلا التغيّر باللون أو الطعم أو الريح.

 2ـ مثال للمفهوم المخالف الذي يكون نسبته مع العام العموم والخصوص من وجه, ويتعارضان في مورد الاجتماع:

 قال في أصول المظفر: (مثالاً على رأيه بان المفرد المحلى بالألف واللام يدل على العموم, ويجري على المشهور أيضاً القائل بدلالته على العموم بالإطلاق لا الوضع وذلك لعدم اختصاص البحث في ألفاظ العموم) وحاصل كلامه.

 قال تعالى: «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا»[3] الدال بعمومه (أو إطلاقه على المشهور) على عدم اعتبار كل ظن حتى الظنّ الحاصل من خبر العادل، وقال تعالى: «إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا»[4] الدال بمفهوم الشرط على جواز الأخذ بخبر غير الفاسق من غير تبين، ويتعارضان في الخبر الظني للعادل، فالعام يقول ليس بحجة والخاص يقول إنّه حجة, فذهب بعض الأصوليين إلى تخصيص العام بالمفهوم المخالف فحكم بخروج الظن الحاصل من خبر غير الفاسق من تحت عموم قوله تعالى: «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا» فحكم باعتبار الظن الحاصل من خبر العادل ([5] ), وهو كما ترى لأن المورد من موارد التعارض فيعامل معاملة المتعارضين فإن كان مرجح مع العام رجح وإن كان مع الخاص رجح وإلا فيتعارضان ويتساقطان في المورد.

 3ـ مثال ثان للمفهوم المخالف الذي يكون نسبته مع العام العموم والخصوص من وجه, ويتعارضان في مورد الاجتماع:

 روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» ([6] ) وهذا عام يشمل كل طير سواء كان مما يؤكل لحمه أو لاً كالنسر.

 وقد روى زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «أن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله و شعره... جائز إذا علمت أنه ذكي» ([7] ) فانه يدل بالمفهوم المخالف على مانعية بول ما لا يؤكل لحمه سواء كان طيراً أم لا فيقع التعارض بينهما في بول طير لا يؤكل لحمه كالنسر فالعام يقول لا بأس به والخاص يقول فيه بأس فتجري أحكام التعارض, فإن قدمنا العموم الوضعي للعام على العموم الإطلاقي للخاص من باب تقديم العموم الوضعي على الإطلاقي لأنّه أقوى فهو وإلا فيتعارضان ويتساقطان وتصل النوبة إلى الأصول العملية.

 4ـ مثال للمفهوم الموافق الذي هو أخص من العام ويخصصه:

 قال في أصول المظفر:« قال تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فانه عام يشمل كل عقد يقع باللغة العربية وغيرها، فإذا ورد دليل على اعتبار أن يكون العقد بصيغة الماضي فقد قيل: أنه يدل بالأولوية على اعتبار العربية في العقد لأنه لما دلّ على عدم صحة العقد بالمضارع من العربية فلئن لم يصح من لغة أخرى فمن طريق أولى. ولا شك أن مثل هذا المفهوم أن ثبت فإنه يخصص العام المتقدم لأنه كالنص أو أظهر من عموم العام فيقدم عليه» ([8] ) أو يقدم عليه للأقوائية.

الاستثناء:

 قال السيد الخوئي (قدس سره) ما حاصله: لو لزم من تخصيص العام بالمفهوم إلغاء عنوان العام فلا يقال بالتخصيص، فمثلاً لو قام دليل على اعتصام ماء البئر وعدم انفعاله بالنجاسة بالملاقاة كما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغيّر به» ([9] ) فهو عام إطلاقي معارض بمفهوم ما رواه معاوية بن عمار عن الإمام الصادق (عليه السلام) «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجسه شيء»([10] ) حيث حكم بانفعال الماء دون الكر سواء كان ماء بئر أم لا، فإذا أردنا تخصيص العام بهذا المفهوم يلزم منه إلغاء عنوان ماء البئر رأساً، ولأجل ذلك لم نقل بالتخصيص في هذا المورد ([11] ).

قاعدة: تخصيص العام بالضمير الراجع إلى بعض أفراده

الألفاظ الأخرى:

 تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده.

 تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض مدلوله.

توضيح القاعدة:

 كل ما كان هناك عام (أعم من الوضعي والإطلاقي) وقد علق عليه حكمان، وكان الموضوع في أحد الحكمين ضميراً يرجع إلى بعض ذلك العام، فهل يستوجب ذلك تخصيص العام بخصوص ذلك البعض في كلا الحكمين أم لا؟ فمثلاً قال تعالى: «الْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا»[12] فالظاهر أن الحكم بالتربص ثلاثة قروء لكل مطلقة سواء كانت رجعية أو بائنة، ولكن جملة «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» عُلم من الخارج بدليل آخر أن المراد من الضمير فيها هو خصوص الرجعيات لا البائنات، فهنا هل تعقّب العام بالضمير «وَبُعُولَتُهُنَّ » إلى خصوص الرجعيات يوجب تخصيص العام الأوّل بخصوص الرجعيات أو يبقى عموم العام في الحكم الأوّل على عمومه ويكون الضمير في «وَبُعُولَتُهُنَّ» قد استعمل على سبيل الاستخدام، بأن يراد منه بعض المطلقات؟

 فإن كلاً من الأمرين المتقدمين فيه مخالفة وذلك: إن قلنا إنّ العام الأول قد خصص فقد ارتكبنا مخالفة وإن قلنا أنه لا يخصص فقد ارتكبنا مخالفة أيضاً.

 توضيحه: أن حمل العام في الجملة الأولى على خصوص الرجعيات فيه مخالفة لظهور العام الأولي في العموم.

 وحمل الضمير في الجملة الثانية على بعض أفراد العام للقرينة الخارجية فيه مخالفة ظهور رجوع الضمير في الجملة الثانية إلى المعنى الأول «العامل» في الجملة الأولى، لأن الاستخدام خلاف الأصل.

والمعروف بين الأعلام ([13] ) عدم تخصيص العام الأول بتخصيص العام الثاني (الذي خُصص بدليل خارجي) ببعض الأفراد قاله النائيني: وهناك قول أخر بتخصيص العموم في الحكم الأول أيضاً، وهناك قول ثالث بإجمال العام بما يصلح للقرينية. وقد ذهب إليه صاحب الكفاية. والوسط هو مختار السيد الخوئي ([14] ), أي تقييد العام الأول أيضاً فيكون الحكم الأول والثاني مختص بالرجعيات.

[1] () وسائل الشيعة ج 1 باب 9 من أبواب الماء المطلق ح 9.

[2] () وسائل الشيعة ج 1 باب 9 من أبواب الماء المطلق ح 1 في ذيله.

[3] يونس: 36.

[4] الحجرات: 6.

[5] () أصول الفقه، للمظفر ، 161.

[6] () وسائل الشيعة ج 2 باب 10 من النجاسة ح 1.

[7] () المصدر نفسه، باب 9 من النجاسات ح 6.

[8] () أصول الفقه: 161.

[9] () وسائل الشيعة ج 1 باب 14 من أبواب الماء المطلق1.

[10] () وسائل الشيعة ج 1 باب 9 من الماء المطلق ح 6.

[11] () المحاضرات في أصول الفقه 5: 298.

[12] البقرة: 228.

[13] () راجع بحوث في علم الأصول 3: 377.

[14] () غاية المأمول في علم الأصول ج 1: 660.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo