< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تطبيقات حمل المطلق على المقيد ـ

تنبيه: إن التنافي الحاصل بين المطلق والمقيد كما يكون في الواجبات يكون في المستحبات أيضاَ بأن يحصر المولى المستحب بالمقيد بحيث لا يجزئ إن جاء بالمطلق في الفرد الآخر غير المقيد, كما لو قال المولى: صل صلاة الليل ثم قال: صل صلاة الليل في البيت, فيحمل المطلق هنا على المقيد (إن لم تقم قرينة على كون صلاة الليل فيه أفضل الأفراد) وذلك لتحقق ظهور الأمر في الوجوب الشرطي وعناه تقييد المستحب بذلك القيد الخاص وعليه فلا دليل على استحبابها لو أتى بها في الفرد الآخر (في المسجد), ونحو قول المولى صم أول كل شهر ثم ورد دليل يقول صم أول كل شهر إن لم ينهك أبوك عنه فمفهومه إن نهاك أبوك فلا تصم.

 التطبيقات:

 1 ـ قال تعالى: «

أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»

[1] فهو مطلق، وقد قيد بقول الإمام أبي الحسن (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقف» ([2] ).

 أقول: هذا التطبيق بناء على قول المشهور من إن اسم الجنس المحلّى باللام هو مطلق ما بناءً على ما ذهب إليه بعض من أن الجنس المحلّى باللام هو من الفاظ العموم فيزول هذا التطبيق.

 2 ـ قال علي بن جعفر سألت أخي الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الصدقة فيما هي؟

 قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تسعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والإبل والبقر والغنم» ([3] ).

 وهذه الموضوعات المذكورة في الحديث مطلقة ولكنها قُيّدت بمقيدات منها تقييد الذهب والفضة بكونهما ديناراً ودرهماً بقول الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام): «ليس في الذهب زكاة إنّما هي على الدنانير والدراهم» ([4] )، ومنها تقييد الذهب والفضة بالنصاب بما رواه الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الذهب والفضة ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم وعدلها من الذهب» ([5] ).

 ومنها التقييد بحولان الحول بقول الإمام الصادق (عليه السلام): «ولا تجب على مال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم مَلَكَه صاحبه»[6] .إلى غير ذلك من المقيدات الواردة في كتاب الزكاة.

 3 ـ قال الإمام الباقر (عليه السلام): «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال (الطعام والشراب) والنساء والارتماس في الماء»[7] . فان عدم ضرر الصائم إذا اجتنب الطعام والشراب قد قيّد بما رواه الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر قال: «لا يفطر إنّما هو شيء رزقه الله فليتم صومه»([8] ).

 ومنها تقييد «لا يضر الصائم ما صنع» بقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إن الكذب على الله (تعالى) وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) وعلى الأئمة (عليهم السلام) يفطّر الصائم» ([9] ).

 4 ـ قال تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ»[10] فقد قيدت الآية بما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: «يا علي لا تصلِّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه» ([11] ). قال في الجواهر: «فالآية مطلقة لكل لباس لبسه المصلي إلا أن الرواية المذكورة نهت عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه، فيقدم ظهور المقيد على ظهور المطلق ويلتزم بعدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه» ([12] ).

 5 ـ قال تعالى: «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»[13] ، فقد قيّد بنهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر ([14] ) قال في المكاسب: «فالآية الشريفة دلت على صحة البيع على الإطلاق سواء كان غررياً أم لا ولكن الرواية دلت على عدم صحة البيع الغرري، فيقيد إطلاق حلّ البيع في الآية الشريفة بغير موارد البيع الغرري ويلتزم باشتراط معلومية العوضين في البيع حتى لا يكون غررياً» ([15] ).

 6 ـ قد تواتر عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبائه (عليهم السلام): ان الماء طاهر لا ينجسه إلا ما غيّر أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو رائحته[16] ، فذهب ابن أبي عقيل إلى أن الماء القليل لا يتنجس بمجرد ملاقاة النجاسة إلا أن يتغير أحد أوصافه بها وساوى بين الماء القليل والماء الكثير واستدل على ذلك بالروايات المطلقة المشار إليها.

 ولكن وردت الروايات التي تقيد الروايات المطلقة بالماء الكثير، فيحمل المطلق على المقيد مثل ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههن تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال (عليه السلام): «لا إلا أن يكون الماء كثيراً قدر كرٍّ من الماء»[17] .

 7ـ قال السيد الخوئي: «إذا قال المولى أذن للصلاة ثم قال: وليكن أذانك حال استقبال القبلة وفي مثله لا بد من حمل المطلق على المقيد لما ذكر من انسلاخ هذا الأمر الثاني من المولوية وتحقق ظهوره في بيان الجزئية أو الشرطية, ومن هنا ذهبنا إلى اشتراط القيام والطهارة في الإقامة لورود ذلك بلفظ «أقم وأنت متطهر, وأنت قائم»[18] وإن كان خلاف المشهور»[19] , فحمل المطلقات الاستحبابية على المقيدات.

 8ـ وقال أيضا أذا قال المولى: «صل صلاة الليل, ثم يقول لا تصل صلاة الليل في المنزل, [فهذا القيد يخالف الإطلاق بالسلب والإيجاب] فمقتضى القاعدة أن يكون النهي إرشادا إلى المانعية, فيحمل المطلق على المقيد كسابقه بعين تقريبه»[20] .

 9ـ وقال (قدس سره): «إذا تخالف في الإيجاب والشرط كما في قوله«خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه ، أو طعمه ، أو ريحه»[21] , وما دل على انفعال القليل بملاقاة النجاسة فلا ريب في حمل المطلق على المقيد»[22] .

الاستثناءات:

 إذا لم يفهم التنافي من دليل المطلق مع دليل المقيد وأمثلته كثيرة منها:

 1ـ قال السيد الخوئي (قدس سره) ما حاصله: ان حمل المطلق على المقيد يتوقف على ثبوت التنافي بين الدليلين كما أشرنا إليه والتنافي بين الدليلين يتوقف على عدم تعدد التكليف المتكفل بإثباته كل من الدليل المطلق والدليل المقيد، كما إذا قال المولى: ان ظاهرت فاعتق رقبة, ثم قال: وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة، فنعلم أن التكليف واحد, حيث ان الظهار ليس إلا سبباً لكفارة واحدة وليس موجبا لكفارتين. ففي مثل ذلك يحمل المطلق على المقيد للتنافي. وأما أذا علمنا بتعدد الحكم نظير ما إذا أمر المولى بالإتيان بالماء على نحو الإطلاق وكان غرضه غسل الثوب به، ومن المعلوم أنه لا فرق في كون الماء للغسل حاراً أو بارداً وما شاكل ذلك، ثم أمر بالإتيان بالماء البارد لأجل الشرب، فلا شبهة هنا في أنهما واجبان مستقلان وليس بينهما تنافٍ أصلاً حتى يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد([23] ).

 وكما إذا ورد مطلق ومقيد ولكن اختلف موجبهما كما لو كان التكليف في أحدهما معلقاً على شيء وفي الأخر معلقاً على شيء آخر مثل: ان ظاهرت فاعتق رقبة وإن أفطرت فاعتق رقبة مؤمنة, ففي هذه الصورة أيضاً لا يحمل المطلق على المقيّد لعدم التنافي بينهما كما هو واضح.

 2 ـ قال الشيخ المظفر ما حاصله: لو كان التكليف في المطلق إلزامياً وفي المقيد على نحو الاستحباب كما إذا قال الطبيب مثلاً: اشرب لبناً, ثم قال: الأفضل أن تشرب لبناً حلواً فلا تنافي بينهما, إذ أن أصل وجوب اللبن لا ينافيه رجحان الحلوّ منه باعتبار أنه أحد أفراد الواجب، ففي هذه الصورة أيضاً لا يحمل المطلق على المقيد ([24] ).

 3ـ قال السيد الخوئي: «إذا قال المولى: أذن, ثم يقول أذن قائماً, فإن مفاد [الأمر] الثاني استحباب الأذان قائما, وليس مفاده حصر الاستحباب به»[25] , وهذا بخلاف ما تقدم من المثال في قوله أذن وليكن أذانك حال استقبال القبلة حيث قال قدس سره بوجوب التقييد فيه لحصر بالجزئية أو الشرطية.

قاعدة: احترازية القيود

الألفاظ الأخرى للقاعدة:

 الأصل في القيود أن تكون احترازية

 الأصل في القيد أن يكون احترازياً.

توضيح القاعدة:

 أن المتكلم إذا أخذ في كلامه قيداً فالأصل أن يكون القيد دخيلاً في مراده واقعاً ويوجب تضييق دائرة الحكم في القضية، كما إذا قال المولى (أكرم الفقيه العادل) فالعدالة قيد في مراده الجدي بمعنى كونها دخلية في موضوع وجوب الإكرام، ويترتب عليه أنه إذا لم يكن الفقيه عادلاً فلا يشمله ذلك الوجوب، ولكن هذا لا يعني أن إكرامه ليس واجباً باعتبار آخر, فالدليل ساكت عنه، فقد يكون هناك وجوب ثانٍ يخص الفقيه العالم أيضاً.

 فقاعدة احترازية القيود هي: إثبات أن شخص الحكم المشتمل على القيد لا يشمل من انتفى عنه القيد، ولا تنفي وجود حكم آخر يشمله بعنوان آخر, بخلاف مبحث المفاهيم.

[1] البقرة: 275.

[2] () وسائل الشيعة باب 17 من أبواب عقد البيع ح 1.

[3] () وسائل الشيعة باب 8 مما تجب فيه الزكاة ح 17.

[4] () وسائل الشيعة باب 8 من زكاة الذهب والفضة ح1.

[5] () وسائل الشيعة باب1 من زكاة الذهب والفضة ح5.

[6] وسائل الشيعة 9: 65, حديث 11535.

[7] وسائل الشيعة 10: 31, حديث 12753.

[8] () وسائل الشيعة باب 9 مما يمسك عنه الصائم / ح 1.

[9] () وسائل الشيعة باب 2 مما يمسك عنه الصائم : ح 4.

[10] البقرة: 43.

[11] () وسائل الشيعة باب 2 من أبواب لباس المصلي: ح6.

[12] () جواهر الكلام 8: 64-65.

[13] البقرة : 275.

[14] () وسائل الشيعة باب 2 من أحكام العقود ح 4.

[15] () المكاسب 3 : 206.

[16] فعن جعفر بن الحسن بن سعيد المحقق في ( المعتبر ) قال : قال ( عليه السلام ) : «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه ، أو طعمه ، أو ريحه» وسائل الشيعة 1: 135, حديث330.

[17] وسائل الشيعة 1: 155, حديث394.

[18] وسائل الشيعة 4: 627, باب 9 و13 من أبواب الأذان والإقامة, الحديث 14.

[19] غاية المأمول 1: 705.

[20] المصدر السابق: 707.

[21] وسائل الشيعة 1: 135, حديث330.

[22] غاية المأمول 1: 706.

[23] () راجع محاضرات في أصول الفقه 5 : 375.

[24] () أصول الفقه 1: 191.

[25] غاية المأمول 1: 705.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo