< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حمل المجمل على المبين0

 تقدم أن المجمل ينقسم إلى:

 الأول: ما جهل فيه مراد المتكلم ان كان لفظاً.

 الثاني: ما جهل فيه مراد الفاعل إن كان فعلاً, كما لو توضأ الإمام (عليه السلام) بحضور واحد يحتمل أنه يتقي منه، فيحتمل أن وضوئه وقع على وجه التقية فلا يستكشف مشروعية الوضوء على الكيفية التي وقع عليها، ويحتمل أنه وقع على وجه الامتثال للأمر الواقعي فيُستكشف منه مشروعيته, وكما إذا جلس الإمام في الصلاة جلسة الاستراحة فلا يعلم أن فعله على وجه الوجوب أو الاستحباب فهو مجمل من هذه الناحية وان كان مبيّناً من ناحية دلالته على الجواز.

 وقد تقدم تقسيم المجمل إلى الذاتي والعرضي والحكمي.

 6ـ المجمل بالذات: قد يكون في قباله دليل مبيّن بالذات ويراد رفع إجمال المجمل به كما إذا ورد الكر ستمائة رطل وهو مردد بين العراقي والمكي الذي هو ضعفه. وورد الكر ألف ومائتا رطل بالعراقي وكما إذا ورد أن صلاة الليل مطلوبة، ودل دليل آخر على كونها مستحبةً (أو ليست بواجبة)، فهنا لا إجمال بحسب الحقيقة، لأن مدلول الدليل الأول يتضح إذا ضمّ إلى الدليل الآخر فيتعيّن المراد منه الذي هو مقتضى الدليل الثاني, فارتفع الإجمال.

 7ـ أن وصف الإجمال والتبيين وصف واقعي ثابت للألفاظ نفسها لا أنه إضافي كما ذكره صاحب الكفاية ([1] ). بل هما وصفان حقيقيان يمكن إقامة البرهان على أحدهما. وعدم معرفة بعض ببعض الألفاظ لا يوجب كونها مجملة بل هو جاهل بها، وجهله بها لا يحقق وصفها بالإجمال، فليس إجمالها وبيانها منوطاً بفهم زيد لها وعدمه.

 واختلافهم في إجمال بعض الألفاظ وبيانها لا يقتضي كونها إضافية بل هو كاختلافهم في عدالة زيد.

 ثم, إن اللفظ أو الفعل قد يكون مجملاً عند شخص مبيّناً عند آخر، كما إذا كان الأول ملتفتاً إلى القرينة دون الثاني.

مستند القاعدة:

 من الواضح أنه إذا ورد دليل مجمل ولم يكن هناك قرينة على تعيين المراد منه فلا يكون حجة ولا يمكن العمل به لإجماله وعدم وضوح دلالته، فالواقعة المشكوك حكمها من جهة إجمال اللفظ كأيّ واقعة لا نصّ فيها، لأن مجرد تصور المعنى لا أثر له إذا لم يقترن بالتصديق، فإن الأثر يكون للتصور مع التصديق, ولا تصديق بلا سبب يوجبه, أي بلا مبيّن يبينه.

نعم, إذا ورد دليل آخر يبيّنه ويفسّره ويوضح المراد منه فلاشك بحسب المتفاهم العرفي ومرتكزاتهم في أنه يجب الأخذ بالمبيّن وتفسير المجمل به لأنه بمنزلة القرينة على المراد من المجمل.

 أي ان حمل المجمل على المبيّن الذي يفسره ويوضح المراد منه عليه السيرة الارتكازية العقلائية الممضية من قبل الشارع المقدّس بل عمل الشارع على وفقها.

التطبيقات:

 1ـ قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»([2] )، فان هذا الوصف في الآية يدل على عدالة جميع مَن كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) من أصحابه، إلا أن ذيل الآية «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» صالح لأن يكون قرينة على أن المراد بجملة «وَالَّذِينَ مَعَهُ» بعضهم لا جميعهم، لأنهم سيرتدون في المستقبل, أما يكون لهم عملا ولا إيمان لهم, أو يكون عملهم مع الإيمان ولكن سيشركون بعده أو عملهم مع إيمان ليس بصالح, فلا يغفر لهم جميعهم ويكون لهم أجر عظيم, فتصبح الآية مجملة من هذه الجهة([3] ).

 2ـ قال الشيخ المظفر (قدس سره) ما خلاصته: أن أية «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»، فقد ذهب جماعة إلى أن هذه الآية من المجمل المتشابه من جهة لفظ (اليد) باعتبار أن (اليد) تطلق على العضو المعروف كله من المتن إلى أصول الأصابع، وعلى العضو إلى الزند، ومن الأصابع إلى المرفق فيقال مثلُ تناولت بيدي وإنّما تناول بالكفّ بل بالأنامل فقط. ثم قال الشيخ المظفر: والظاهر أن لفظ اليد لو خلي ونفسه فيستفاد منه إرادة تمام العضو المخصوص، ولكن غير مراد يقيناً في الآية, فيتردد بين المراتب العديدة من الأصابع إلى المرفق، لأنه بعد فرض عدم إرادة تمام العضو لم تكن ظاهرة في واحدة من هذه المراتب، فتكون الآية مجملة في نفسها من هذه الناحية وإن كانت مبيّنة بالأحاديث عن آل البيت (عليهم السلام) الكاشفة عن إرادة القطع من أصول الأصابع ([4] )، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: «القطع من وسط الكف ولا يقطع الإبهام» ([5] ).

 3ـ قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً» ولكن كلمة البقرة كانت مجملة للقوم من ناحية لونها وكبرها وبقية مواصفاتها لذا قالوا لموسى: «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ» فجاء الجواب: «إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ» أي ليست بمسنة انقطعت ولادتها «

وَلَا بِكْرٌ»

أي لم تلد «

عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك»

أي في منتصف السّن بين الفارض والبكر (يقال للنساء والبهائم عوان). وقد كان هذا الجواب مجملاً من ناحية اللون، فقالوا لموسى: «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا» فجاء الجواب: «إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ», « فَاقِعٌ » أي شديد الصفرة في صفاء لونها ومع هذه المميزات التي ترفع الإجمال من بعض النواحي إلا أنه بقي الإجمال من بعض الجهات فقالوا لموسى: «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ» فجاء الجواب: «قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا» أصلها وشيه فلحقها من النقص ما لحق زنة وعدة, أي لا لون فيها سوى لون جميع جلدها, «لَا ذَلُولٌ» أي غير مذللة بالحرث والسقي«قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ»([6] ).

 4ـ إذا فعل الإمام شيئاً في الصلاة كجلسة الاستراحة مثلاً، فلا يدري أن فعله كان على وجه الوجوب أو الاستحباب فمن هذه الناحية يكون فعل الإمام بالنسبة إلينا مجملاً، وان كان من ناحية دلالته على جواز الفعل في مقابل الحرمة يكون مبيّناً.

 5 ـ إذا خاطبنا شخص بلفظ مشترك من دون قرينة على أحد معانيه، فيكون اللفظ بالنسبة لنا مجملاً، ككلمة (عين) أو كلمة (تضرب) المشتركة بين المخاطب والغائبة وكلمة المختار المشتركة بين المخاطب والغائبة وكلمة المختار المشتركة بين اسم الفاعل والمفعول إذ لو لا الإعلال لكان مختيراً بكسر الياء للفاعل ومختيَراً بفتح الياء للمفعول فينتفي الإجمال.

 6ـ قال تعالى: «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ... »

فان الذي بيده عقدة النكاح مردد بين الزوج والولي.

 7ـ قد يكون الإجمال لكون المتكلم في مقام الإهمال والإجمال، فلا يزول هذا الإجمال كما إذا سالك شخص عن زيد فتقول: ذهب من هنا ولا تبيّن مقصده لأنك تريد الإجمال والإهمال وعدم البيان.

 8 ـ هناك ألفاظ اختلفوا في إجمالها وبيانها مثل:

 1ـ لفظ الصعيد.

 2ـ الغني.

 3ـ «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»[7] فقد أضيف التحريم إلى الأعيان وكذا إذا أضيف التحليل إلى الأعيان، حيث لابدّ من تقدير فعل ضرورة أن تحريم الأعيان وتحليلها لا معنى له.

 4 ـ (ولا صلاة إلا بطهور) (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) فهل يراد نفي الصحة أو الكمال)؟

نقول: كل ما كان له ظهور عرفي نعوّل عليه لا إجمال وما ليس له ظهور عرفي يكون مجملاً تترتب عليه أحكامه إذا لم يحل إجماله بدليل آخر.

[1] () الكفاية الأصول 294.

[2] () سورة الفتح : 29.

[3] () أصول المظفر، ج 1-2 : 196.

[4] () أصول المظفر، 1 ـ 2 / 198.

[5] () وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من حدّ السرقة ح 2.

[6] () البقرة 67-71 راجع معالم الدين في الأصول 157.

[7] النساء: 23.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo