< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية القطع.

أقول: إنّ ما أفاده الميرزا النائي وما استدل به هو غير صحيح, أمّا روية أبان بن تغلب عن الإمام الصادق (عليه السلام), حيث قال أبان للإمام ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع امرأة, كم فيه؟ قال عشرة من الإبل, قلت قطع اثنين؟ قال عشرون، قلت قطع ثلاثة؟ قال ثلاثون، قلت قطع، أربعة؟ قال عشرون.

 قال أبان: قلت سبحان الله! يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قال، ونقول: إنّ الذي قاله الشيطان.

 فقال الإمام الصادق (عليه السلام): مهلاً يا أبان هذا حكم رسول الله, إنّ المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت المرأة الى النصف, يا أبان إنّك أخذتني بالقياس, والسنة إذا قيست محق الدين[1] .

 فإن هذه الرواية:

 1)ضعيفة السند فلا يمكن ا، تكون دليلا على جواز الردع عن حجية القطع.

 2)إن الإمام زجر أبان وأنّبه على كلامه (لا على قطعه) في ردّ النص, مع أنه سمع النصّ بالعراق، ثمّ سمعه من الإمام ومع هذا ردّه بكلام جارح, وأبان وكل راو للحديث يعلم إجمالا بوجود فرق بين دية الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية, فينبغي أن لا يبقى قطع عند أبان على لابديّة أن يكون قطع أربعة أصابع من المرأة بمثابة دية قط أربعة أصابع من الرجل بزيادة الدية, فإصرار أبان على عدم قبول الحكم من الإمام وأخضع الحكم لعقله ولم يقبله مما أوجب ذلك التأنيب والردع.

 3) إنّ الإمام أخذ يزلزل قطع أبان ولم ينهه عنه وعن العمل به, وهذا أمر ممكن لأنّ المولى يستطيع أن يزلزل قطع الإنسان فلا يعمل به بعد زواله، كما يمكن للمولى النهي عن الخوض في مقدمات معيّنة لأجل أن لا يحصل القطع بشيء إذا خاض فيها, أمّا إذا حصل قطع فلا يعقل أن ينهاه عن العمل به للأدلة التي ستأتي.

 4) قد يقال: إنّ أبان اتبع طريقة حسابية علمية أوجبت له الاطمئنان ولم يكن قاطعا, فنهاه الإمام عن اتباع الطريقة الحسابية وترك النصّ ولم يكن أبان قاطعاً أصلاً, إلّا إنّه خلاف الظاهر.

 قد أُشكل على هذه الأدلة بإشكالات لا يفيدنا إثباتها والنقض والإبرام عليها. ومع هذا نقول ان الصحيح هو عدم إمكان الردع عن حجية القطع بهذا الدليل: وخلاصته:

 1ـ إذا كان القطع بحكم ترخيصي واُريد جعل حكم ظاهري إلزامي في مورده (كوجوب الاحتياط في الشبهات) فهو غير معقول وذلك لأننا ان فرضنا ان الحكم الظاهري نفسي لزم التضاد في المبادئ في الواقع أو في نظر القاطع. وإن فرض هذا الحكم طريقي، فان الحكم الطريقي ينجز غيره ويحفظ غيره(الحكم الواقعي)، والمفروض أن المكلف يقطع بعدم التكليف الواقعي فكيف يتنجز الإلزام الواقعي بهذا الحكم الطريقي؟

 2ـ إذا كان القطع بحكم إلزامي وأُريد جعل حكم ظاهري ترخيصي فهو أيضاً غير معقول وذلك: لأن الحكم الظاهري الترخيصي ان كان نفسياً فتأتي مشكلة التضاد في المبادئ، وان كان الحكم طريقيّاً لتنجيز الواقع، فان القاطع يرى أن قطعه مصيبٌ للواقع دائماً فهو يرى ان الحكم الظاهري الطريقي لا يشمله روحاً وملاكاً وان كان يشمله خطاباً، إلا أن هذا الخطاب لا يكون معذِّراً عقلاً ([2] ).

ملاحظتان:

 الأولى:بعد الفراغ عن أصل حجيّة القطع، بحث الأصوليون عن حدود هذه الحجية ومدى سعتها وامتدادها، فبحثوا مثلاً عن التجرّي وحكمه. وتوضح ذلك:

 ان المكلف إذا قطع بوجوب أو تحريم، فخالفه وكان التكليف ثابتاً في الواقع اعتبر عاصياً، وأما إذا قطع بوجود التكليف وخالفه ولم يكن التكليف ثابتاً واقعاً، سمّي متجريّاً. وقد وقع البحث عن إدانة مثل هذا المكلف بحكم العقل واستحقاقه العقاب كالعاصي أو لا[3] ؟

 والبحث هنا يكون فقهياً وأصولياً وكلامياً, فالبحث الكلامي يحوم حول كون المتجري يستحق الذم واللوم عقلاً, لأنّه متمرد على المولى وقد حصل منه قبح فاعلي أم لا؟ والبحث الفقهي يحوم حول حرمة الفعل الذي تجرئ به أو عدم حرمته شرعاً فإذا كان حراما شرعا استحق العقاب وإن لم يكن حراما شرعا لم يستحق العقاب, وهناك بحث أصولي في التجري سيأتي بعد هذا البحث الفقهي في التجري.

أمّا البحث الكلامي في التجري:

 فقد ذهب الشيخ الأنصاري إلى أن التجري لا يوجب استحقاق العقاب وتبعه المحقق النائيني على ذلك ([4] ) بينما ذهب صاحب الكفاية إلى استحقاق المتجري للعقاب وذلك (لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته وذمّه على تجرّيه، وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسوم العبودية وكونه بصدد الطغيان وعزمه على العصيان)([5] ).

 والصحيح هو ما ذهب إليه صاحب الكفاية من استحقاق التجري للعقاب، وذلك لأن حكم العقل بحقّ المولى على العبد وحق طاعة المولى تشمل موارد التجري وذلك: لأن موضوع حقّ الطاعة هو إحراز التكليف بمنجّز شرعي أو عقلي (سواء كان هناك تكليف في الواقع أم لا)، فالإحراز للتكليف هو تمام الموضوع لحكم العقل بلزوم إطاعة المولى وحينئذٍ يكون للمولى على العبد حقّ الطاعة إذا اُحرز التكليف بالقطع المنجّز عقلاً.أي بعبارة أخرى: ان حق المولى على العبد يكمن في أن يطيع العبد مولاه ويقوم بأدب العبودية والاستعداد لأداء الوظيفة التي يأمره الله بها، وهذا يختلف عن حقوق الناس، إذ في حقوق الناس قد يقال: ان من أتلف مالاً يتخيّل إنه لزيد ثم تبين أنه مال نفس المكلف لم يكن ظالماً لزيد لأنه لم يخسّره شيئاً ولم يتعدَّ على أمواله، أما في حق الله على العبد، فهو من الحقوق الإحترامية التي يكون تمام موضوعه هو نفس القطع بتكليف المولى (لا واقع التكليف) فلو تنجّز التكليف على العبد ومع هذا خالفه كان العبد قد خرج عن أدب العبودية واحترام مولاه ولو لم يكن تكليف واقعاً.

[1] وسائل الشيعة : باب 44 من ديات الأعضاء ح1.

[2] () راجع بحوث في علم الأصول 4: 33 - 34.

[3] () الكلام فيما إذا كانت المعصية مستبقة عن الشهوة أو الميل الى الهوى أو الراحة والغضب المزاحمان للحكم الشرعي المقطوع به والتي تدعو الى ترتيب أثر الحكم الشرعي أما إذا كانت المعصية مسببة عن إنكار تكاليف المولى تعالى, أو الرغبة في محاربته ومعاداته فهذه جريمة أهم من المعصية, وقد توجب الكفر والخلود في العذاب الشديد.

[4] () فوائد الأصول3 : 37.

[5] () كفاية الأصول 298.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo