< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التجري.

تنبيه: إن الكلام في التجري يكون في صورة ما إذا تجرى المكلف على مولاه من ناحية شهوته وميله إلى الحرام أو أنّ تركه للواجب كان من جهة طلبه للراحة فيتكلم عن كون فعله قبيحاً أو لا أمّا لو ترك المكلف الفعل أو فعله معاداة لله تعإلى فهذا خارج عن محل الكلام ويكون فاعله كافراً.

أما بحث التجري من الناحية الأصولية فيقع في ناحيتين:

الأولى: هل الأدلة الواردة للموضوعات الواقعية (كحرمة الكذب والزنا وشرب الخمر) تشمل القطع بالموضوع الواقعي أو لا تشمله؟

الثانية: هل تترتب مفسدة واقعية على المقطوع بحرمته أو بخمريته من جهة العنوان الثانوي كالتمرد على الله سبحانه أو لا تترتب؟

 ولا يخفى أنّ الجهة الفقهية وهي الحرمة الشرعية إذا قلنا بحرمة التجري تبتني على الجهة الأصولية من كلا الناحيتين, لأن التحريم الشرعي إنّما يكون:

 إمّا من جهة شمول الاطلاقات للموضوعات الواقعية والمقطوعة.

 وإمّا من جهة ترتب المفسدة على مقطوع الخمرية بتناوله وإن لم يكن خمراً من جهة التمرد على الله سبحانه.

أمّا الجهة الأولى: فلو قطع إنسان بكون زيد في الدار فكذب فقال: ليس زيد في الدار, ثم انكشف أنّه ليس في الدار واقعاً وأنّه ليس بكاذب بناء على أنّ الكذب مخالفة الواقع. فهنا الكلام في أنّ دليل تحريم الكذب هل يشمل مقطوع الكذبية وإن لم يكن كذبا واقعا فيكون محرّماً أو لا؟

والجواب: إنّ الاطلاقات لا يمكن شمولها لمقطوع الكذبية لأنّ الاطلاقات في حرمة الكذب تابعة إلى المفاسد الواقعية المترتبة على واقع الأشياء, أما القطع فهو صفة للمكلف لا يمكن أن يغيّر الواقع عن واقعه, فلو قطع بنفع شرب النفط وهو ضارّ في الواقع فلا ينقلب الضرر نفعا, إذن لا تشمل اطلاقات التكاليف للمقطوع أصلاً.

وأمّا الجهة الثانية: فهل تترتب مفسدة على فعل المتجري؟

الجواب: نعم إنّ القطع بخمرية شيء وإنّه مبغوض للمولى ومعه لو أقدم عليه وشربه يكون هاتكا لمقام المولى ومتمرداً عليه وطاغياً في حقه قطعا ولو لم يكن الشيء خمراً واقعاً وهذه مفسدة, كما أنّ القاطع بكونه شيء واجباً ومحبوباً لله تعإلى وأقدم على فعله يكون قد جرى على مقتضى العبودية وإيفاء المولى حقّه حتّى لو لم يكن الشيء واجباً ومحبوباً, فالعقلاء يقبّحون العمل الاختياري الأوّل ويحسّنون العمل الاختياري الثاني, وهذا أمر وجداني راجع إلى حكم العقل بترتيب أثر ما قطع به وإلّا كان خارجاً عن حدّ العبودية واحترام المولى فهو ظالم للمولى.

 إذن المتجري يكون بعمله ظالماً لحقّ المولى الذي يجب عليه الانقياد له بحكم العقلاء الناشئ من حسن ذمّه على عمله وإن لم يكن عصياناً.

 كما أنّ المنقاد (الذي هو معاكس للتجري) إلى ما قطع بوجوبه يكون جاريا على مقتضى العدل والعبودية, فيستحقّ ثواب المولى له زيادة على استحقاق المدح لأنّه قد حفظ مراتب العبودية وإن لم يكن ما جاء به واجباً ومحبوباً, وهذا حكم عقلائي أيضاً قال جميع العقلاء بأنّه عمل حسن, تبعا لحكم العقل.

 فالمتجري والعاصي بالنسبة إلى ما يغترفانه باختيارهما هما سواء, وإنّما يختلفان في عدم مصادفة الواقع في المتجري ومصادفة الواقع في العاصي, والمصادفة وعدمها أمر خارج عن اختيارهما, إذن سيكون الذم والعقاب العقلي بالنسبة إليهما على حدّ سواء.

ملاحظتان:

الأولى: هناك فرق بين العاصي والمتجري في مقدار العقاب الأخروي المعدّ لشارب الخمر المتعمّد الذي ورد أنّه لا يشرب من ماء الكوثر وإن تاب, فإنّ مثل هذا العقاب لا يترتب في حقّ المتجري لأنّه لم يشرب خمراً[1] .

الثانية: الحدود الدنيوية, فإنّ الثمانين جلدة هي لشارب الخمر دون المتجري.

[1] راجع باب 15 من الأشربة المحرمة 11: حديث14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo