< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التجري.

وقد يستدل على حرمة التجرّي شرعاً بموثّقة سماعة:

 قال: سألته عن عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما: هو ذا, وقال الأخر : ما أرى شيئاً, فقال (عليه السلام): (فليأكل الذي لم يستبن له الفجر وقد حرم على الذي زعم أنّه رأى الفجر إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[1] .

 فقد ادعى الشيخ الأنصاري (قدس سره) ظهورها في الحرمة الشرعية لمن قطع برؤية الفجر, ومقتضى إطلاقه ثبوت الحرمة حتّى في ظرف الخطأ.

ويرد عليه:

 1ـ إنّها مختصة بموردها ولا تشكّك حكماً عاماً على حرمة كلّ تجرّي بناء على دلالتها على الحرمة الشرعية لأكل من تبيّن له الفجر بعد الحجة.

 2ـ إنّ تبيّن الفجر الذي هو الحدّ للأكل والشرب في شهر رمضان إن كان القطع به موضوعيّاً ـ كما ذهب إليه السيد الخميني في بعض تحقيقاته حيث أفتى بوجوب تأخير صلاة الفجر إلى أن يتبيّن الفجر في الليالي المقمرة وعدم الاعتماد على الحساب في تحقّق الفجر ـ فحينئذٍ كانت هذه الرواية خارجة عن باب التجرّي، لأنّ الذي قطع بالفجر قد حصّل موضوع حرمة الأكل شرعاً ولا تجرّي.

 وإن كان القطع بتبيّن الفجر طريقيّاً لطلوع الفجر واقعاً ـ كما هو الصحيح ـ وهو موضوع حرمة الأكل إذ مع عدم تبيّن الفجر يمكن الرجوع إلى استصحاب الليل، إذن كان مراد الإمام (عليه السلام) من الحرمة تنجّز طلوع الفجر عليه وعدم جريان المرخّص وهو استصحاب الليل حتّى يطابق الدليل (الآية الكريمة) وهذا يعني أن الحرمة هي في مقام العمل ظاهراً كمن قطع بالخمر وهذا يقتضي أن الحرمة الشرعية الواقعية مختصّة بحال الإصابة ولا تعمّ الخطأ, ولا دلالة على أنّ الأكل محرّم واقعي ومعصية حقيقية شرعيّة بسبب الاعتقاد الخاطئ.

وقد يستدل على حرمة التجري بما دلّ من الروايات على أنّ الناس يعاملون بنيّاتهم وأنّ لكل امرئ ما نوى قال تعالى: {

َإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

[2] ، فهذه الأدلة تدلّ على حرمة نية المعصية شرعاً وإذا ثبتت الحرمة الشرعية على مستوى القصد فتثبت الحرمة في التجرّي لأنّه يتضمّن النية على الحرام مع الإقدام على الفعل أيضاً.

والجواب: إنّ هذه الأدلّة يعارضها على ما دلّ على العفو عن نية السوء وأنّها لا تُكتَب.

وربّما يجمع بينهما: بحمل الأدلّة الأولى الدالّة على العقاب على نية السوء على ما إذا لم يرتدع من نفسه، بل ارتدع من رادع خارجي غلب عليه، أمّا الأدلّة الثانية التي تدلّ على العفو عن نية السوء فتحمل على ما إذا ارتدع من نفسه، وشاهد هذا الجمع هو ما روي عن النبي (صلّ الله عليه وآله) في الرجلين يتقاتلان فيقتل أحدهما صاحبه فقال النبي (صلّ الله عليه وآله): (القاتل والمقتول في النار)، قيل: هذا القاتل [يستحقّ النار مثلاً] فما بال المقتول في النار؟ قال (ص): (لأنّه أراد قتل صاحبه)[3] , ومعلوم أنّ المقتول لم يرتدع من قِبَل نفسه، بل ارتدع لأنّه قُتِل، فارتداعه برادع خارجي قهري, وحينئذِ يكون خبر العفو في مورد آخر وهو ما إذا نوى السوء والعمل السيء وارتدع من نفسه.

ويرد على هذا الكلام:

 1ـ إنّ شاهد الجمع وهو رواية القاتل والمقتول في النار هي في تحريم مقاتل المسلم للمسلم, إذن هما عاصيان وليس هنا تجرّي أصلاً، حيث إنّ إخافة المسلم حرام فكيف بمقاتلته؟

 2ـ لا توجد أدلّة تعفو عن نية السوء، بل الموجود أنّ نية السوء لا توجب كتابة نفس السيئة، بل لو عمل السيئة نفسها فلا تكتب حتّى تمضي تسع ساعات من غير توبة، وهذا هو نفي فعليّة العقوبة على نية السوء أو فعل السوء تفضلاً منه على عباده وهي لا تنافي العقوبة بدون توبة, إذن ما دلّ على العقاب بنية السوء ليس له معارض.

 3ـ إنّ ما دلّ على إنّ الناس يعاملون على نيّاتهم صحيح ولكنّه لا يدلّ على حرمة نيّة السوء حرمة شرعية للمتجرّي كما هو محلّ الكلام، لأنّ العقاب بحكم العقل (كما تقدّم), والروايات تدلّ على العقاب على نية السوء وهو مسلّم، إنّما الكلام في التحريم الشرعي الذي هو أخصّ من العقاب.

 نعم، من نفى العقاب للمتجرّي تكون هذه الروايات ردّاً عليه.

 أمّا الآية القائلة بأنّ المحاسبة على نية السوء {

َإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}

[4] لا يراد منها العقاب على نيّة السوء، بل المراد الظاهر منها هو أنّ ما فرض كونه محرّماً من الأمور القلبية يكون الحال فيه سواءً بين الإبداء والإخفاء، وذلك لاطلاع الله تعالى عليه، فموضوع المحاسبة على نية السوء هو ما فرض كونه محرّماً من أفعال النفس كالشرك والنفاق وأنّه إذا اختلف الحال فيه على الناس بين الإبداء والإخفاء فلا يختلف الحال فيه على الله سبحانه, إذن الآية ليست مرتبطة بتحريم مطلق نية السوء.

والحاصل: أنّه لا دليل على حرمة التجرّي شرعاً.

[1] وسائل الشيعة 7: باب 48 مما يمسك عنه الصائم حديث1.

[2] البقرة: 284.

[3] وسائل الشيعة: باب 67 من جهاد العدو، حديث1.

[4] البقرة: 284.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo