< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

أمّا القول الثالث: وهو كون العلم الإجمالي علة تابعة لحرمة المخالفة القطعية، ومقتضٍ لوجوب الموافقة القطعية فقد أشكل عليه (من قبل صاحب الكفاية) حيث قال ما حاصله: (إنّه ضيف جداً وذلك لأنّ ملاك كون العلم الإجمالي علة تمامة لحرمة المخالفة القطعية وعدم جريان الأصول في الأطراف يستلزم أن يكون الإذن في الأطراف موجباً للقطع باجتماع الضدّين وهو محال، أمّا الإذن في بعض الأطراف فهو يستلزم احتمال اجتماع الضدين لاحتمال أن يكون الحكم معلّقاً بالطرف المرخّص فيه، واحتمال اجتماع الضدين محال كالقطع باجتماعهما فلا يمكن صدورهما من المولى[1] .

 إذن الالتزام بأنّ العلم الإجمالي علة تامة لحرمة المخالفة المخالفة القطعية ملازم للالتزام بأنّه علة تامة لوجوب الموافقة القطعية.

نعم لو قلنا: إنّ العلم الإجمالي يقتضي تنجيز كلا الطرفين (في حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية) فهنا يمكن أن يلتزم بثبوت الماتع من تنجيز العلم في وجوب الموافقة القطعية، وعدم ثبوت المانع من تنجيز العلز في حرمة المخالفة القطعية، إذ لا يوجد تلازم في ثبوت المانع في الجهتين، فقد يثبت في أحدهما ولا يتبث في الآخر.

 إذن التفصيل بأنّ العلم الإجمالي علة في حرمة المخالفة القطعية ومقتضٍ في وجوب الموافقة القطعية ضعيف جداً كما قال صاحب الكفاية.

والجواب: يصحّ كلام صاحب الكفاية إذا كان محذور المخالفة القطعية هو اجتماع الضدين[2]

[3] إذ يكون تجويز المخالفة القطعية يوجب اجتماع الضدين قطعاً، ويكون تجويز المخالفة الاحتمالية احتمال اجتماع الضدين وكلاهما محال.

 أمّا إذا كان المحذور ليس هو اجتماع الضدين، بل هو استلزام تجويز المخالفة القطعية الترخيص في المعصية الذي هو قبيح عقلاً، إذن لا تلازم بين حرمة المخالفة القطعية والمخالفة الاحتمالية (عدم وجوب الموافقة القطعية) إذ في المخالفة الاحتمالية لا يوجد ترخيص في المعصية لعدم العلم بالمخالفة.

 والظاهر من الشيخ الأنصاري أنّ حرمة المخالفة القطعية من جهة محذور الترخيص في المخالفة (المعصية) وهو قبيح عقلا، وليس من جهة محذور تضاد الأحكام حتّى يقال: إنّ القطع بالتضاد كاحتمال التضاد محال فلاحظ.

 إذن التفصيل ليس فيه إشكال وليس ضعيفاً ودليله اتضح كما تقدم.

ودليل القول الثالث: قال الإمام الخميني ما حاصله: ان المخالفة القطعية معصية لا يمكن الإذن فيها من المولى، فيكون حكم العقل بالنسبة إليها بنحو العليّة التامة، لكن المخالفة الاحتمالية لم تكن معصية ويكون حكم العقل بالنسبة إليها بنحو الاقتضاء لا العليّة التامة، لوجود الشك والسترة في البين، فلو فرض الإذن من الشارع بارتكاب بعض الأطراف والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية لم يتحاش العقل منه كما يتحاشى من الإذن في المعصية ([4] ).

 إذن دليل هذا القول هو المناقشة للقول الأول وللقول الثاني.

ودليل القول الرابع: أن كل واحد من الأطراف أو الطرفين للمعلوم بالإجمال مشكوك ولم يتم البيان بالنسبة إليه، فالعقاب عليه قبيح لأنه عقاب بلا بيان.

ويرد عليه: ان الترخيص في كل الأطراف ينافي العلم الإجمالي عرفاً وهو معصية لا يرخص الشارع فيها عرفاً.

وأقوى الأقوال: هو الثالث، لأن المخالفة الاحتمالية إنّما تكون معصية إذا لم يرخص فيها الشارع وأما إذا رخص فيها نتيجة كون الملاك الترخيصي أهم من ملاك الإلزام في العلم الإجمالي فلا يكون معصية ولا يكون قبيحاً.

[1] كفاية الأصول: 273.

[2] وهو مستند شبه ابن قبة في الأحكام الظاهرية مع وجود الأحكام الواقعية في المبادئ وفي الامتثال وتأتي نفس الشبهة في العلم الإجمالي والترخيص في أطرافه، فالعلم الإجمالي يوجب ترك ما علم حرمة أحد الطرفين، والترحيص فيهما يقتضي جواز فعلهما، فيحصل تضاداً في المبادئ أو في الامتثال.

[3] ولكن نحن جمعنا بين الحكم الظاهري والواقعي بقولنا بوجود مبدأ واحد وهو مبدأ الحكم الواقعي، وأمّ الحكم الظاهري فمبدأه أيضاً هو مبدأ الحكم الواقعي وليس مبدءٌ مستقل حتّى يحصل في صورة المطابقة للعلم الإجمالي تماثل وفي صورة المخالفة تضاد في المبادئ، بل إنّ ما علم بنجاسته أحد الإنائين وشك في كون النجاسة أي طرفاه فهنا يوقع المولى موازنة بين الحرمة الواقعية للنجس المشكوك والحليّة الواقعية للماء الطاهر، فإن كان ملاك الطهارة أهم جعل البراءة وهي حكم ظاهري. وكذا بالنسبة لما إذا علم بأن أحد المائعين خمر فإنّه يوقع موازنة بين حرمة الخمر وحليّة الماء فإن كان حرمة الخمر أهم جعل الاحتياط باجتنابهما, فلا يوجد تضاد في البين.

[4] () أنوار الهداية 1 : 160.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo