< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/11/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:

قاعدة: قيام الإمارات والأصول مقام القطع الموضوعي والطريقي

الألفاظ الأخرى للقاعدة:

 قيام الطرق والإمارات والأصول بنفس أدلة اعتبارها قيام القطع بأقسامه.

 وفاء الدليل بدور القطع الطريقي والموضوعي.

 قيام الإمارات وبعض الأصول مقام القطع.

توضيح القاعدة:

 قال الشهيد الصدر (تارة يحكم الشارع بحرمة الخمر مثلاً، فيقطع المكلف بأن هذا خمر وبذلك يصبح التكليف منجّزاً عليه، ويسمّى القطع في هذه الحالة بالقطع الطريقي بالنسبة إلى تلك الحرمة، لأنه مجرد طريقٍ وكاشفٍ عنها، وليس له دخل وتأثير في وجودها واقعاً، لأن الحرمة ثابتة للخمر على أي حال سواءً قطع المكلف بأن هذا خمر أولا. وأخرى يحكم الشارع بأن ما تقطع بأنه خمر حرامٌ، فلا يحرم الخمر إلا إذا قطع المكلف بأنه خمر، ويسمّى القطع في هذه الحالة بالقطع الموضوعي، لأنه دخيل في وجود الحرمة وثبوتها للخمر، فهو بمثابة الموضوع للحرمة) ([1] ).

 توضيح القطع الموضوعي: أن المراد من القطع الموضوعي هو القطع المأخوذ في موضوع الحكم واقعاً، بأن كان له دخل في ترتّب الحكم، كالعلم المأخوذ في ركعات صلاة المغرب والصبح، والركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية، على ما يستفاد من الروايات، ولذا لو شكّ بين الواحدة والاثنين في صلاة الصبح مثلاً فأتم الصلاة رجاءً ثم انكشف أنه أتى بالركعتين كانت صلاته فاسدة، لكون العلم بهما حال الصلاة مأخوذاً في الحكم بصحتها وكذا إذا ورد دليل يقول ويشير إلى الشمس فيقول: على هذه فاشهد أو دَع فان هذا بمعنى: ان قطعت بالشيء جازت لك الشهادة به، وإلا فلا.

 وكذا فإنّ موضوع الفتوى من المجتهد هو أن تكون من علم بالحكم، أي إذا علمت بحكم الله فيجوز لك أن تفتي وإن لم يكن الواقع كذلك، وكذا القضاء فلا يجوز القضاء إلّا إذا علمت بالحكم لأنّ مضمون الدليل (القائل بأن القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة) قال: إذا علمت بالحكم فقضيت فأنت في الجنة، أما إذا لم تعلم بالحكم فحكمت فطابق حكمك الواقع فأنت من أهل النار.

 فالمراد من القطع الموضوعي ما كان له دخل في ترتّب الحكم واقعاً، لا القطع المأخوذ في لسان الدليل فقط[2] ، إذ ربّما يؤخذ القطع في لسان الدليل مع القرينة على عدم دخله في الحكم، وأن أخذه في لسان الدليل إنّما هو لكونه طريقاً إلى الواقع، بل أظهر أفراد الطرق إليه، فهو مع كونه مأخوذاً في لسان الدليل ليس من القطع الموضوعي في شيء، وأمثلته كثيرة: منها قوله تعالى حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ

فان الموضوع لوجوب الإمساك هو نفس طلوع الفجر لا علم المكلف به) ([3] ).

 ثم ان القطع الموضوعي ينقسم إلى قسمين: باعتبار أن القطع قد يكون مأخوذاً في الموضوع بنحو الصفتية (سواء كانت الصفتية تمام الموضوع[4]

[5]

[6] أو جزءَ الموضوع أو قيده)، وقد يكون مأخوذاً في الموضوع بنحو الطريقية كذلك ([7] )، لأن القطع من الصفات الحقيقية ذات الإضافة التي تحتاج في وجودها إلى المتعلّق وهو المقطوع به، فللقطع جهتان: الأولى، كونه من الصفات المتأصلة وله تحقق واقعي.

 والثانية: كونه متعلقاً بالغير وكاشفاً عنه، وحينئذٍ قد يكون القطع مأخوذاً في الموضوع بلحاظ الجهة الأولى ويسمى بالقطع الموضوعي الصفتي، وقد يكون مأخوذاً في الموضوع بملاحظة الجهة الثانية ويسمى بالقطع الموضوعي الطريقي([8] ).

[1] () دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية 179.

[2] لا القطع المأخوذ في لسان الدليل من دون أن يكون له دخل في ترتيب الحكم، لأنّ القطع بلسان الدليل الحاكي لا يكون موضوعيّاً دائماً، بل قد يكون طريقاً مثل قولنا: إذا قطعت بأن هذا جلد ما لا يؤكل لحمه فليس لك أن تصلّي به، ومعلوم هنا أن القطع إنّما اعتبر كاشفا وليس له دخل في النهي عن الصلاة به مثل قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) بناء على إرادة الرؤية من الشهود لا الحضور فيكون مؤدّاه صُم للرؤية وافطر للرؤية.

[3] () مصباح الأصول 2 : 34 35، الآية من سورة البقرة :187.

[4] أي إن القطع الموضوعي الصفتي يكون على قسمين:

[5] 1ـ تارة يكون القطع المأخوذ في الموضوع على نحو تمام الموضوع وهو عبارة عن وجدان صفة القطع (وهو الاطمئنان وقطع التردد) سواء طابق الواقع أو لا.

[6] 2ـ وتارة يكون القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الجزئية في الموضوع وهو عبارة عن كون الموضوع هو القطع بشرط مطابقته للواقع.

[7] () وهذا التقسيم صحيح، لأن العلم وان كان بنفسه انكشافاً إلا أنه له ملازمات في الخارج وجوديّة أو عدميّة (كراحة النفس واطمئنانها واستقرارها وسكونها وغير ذلك، فالعلم تارة يؤخذ بما له هذه الخصوصيات الصفتية الموضوعية وأخرى يؤخذ بما هو انكشاف وظهور للمعلوم بالذات، فالأول هو الموضوع على نحو الصفتية والثاني هو الموضوع على نحو الطريقية (الكاشفية). وقد يعبر عن هذين القسمين بقولهم: ان العلم له جنبتان: جنبة انكشاف في النفس، وجنبة انكشاف للعالِم، فالأول هو الصفتية والثاني هو الطريقية.

[8] () مصباح الأصول 2 : 32-33.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo