< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

32/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:

قاعدة: قيام الإمارات والأصول مقام القطع الموضوعي والطريقي
 المقام الثاني: في قيام الأصول العملية مقام القطع:
 وأما القسم الثاني: وهو الأصول العملية غير المحرزة، فلا تقوم مقام القطع الطريقي والموضوعي وهذا واضح لأنه لا تكون محرزة للواقع لا بالوجدان ولا بالتعبد الشرعي، بل هي وظائف مقررة للجاهل عند تحيره وجهله بالواقع فلا معنى لقيامها مقام القطع بأقسامه.
 وبعبارة أوضح: فان الاحتياط العقلي: عبارة عن حكم العقل بتنجز الواقع على المكلف وحسن عقابه على مخالفته، كما في موارد العلم الإجمالي والشبهة الحكمية قبل الفحص.
 والبراءة العقلية: عبارة عن حكم العقل بعدم صحة العقاب وكون المكلف معذوراً في مخالفة الواقع لعدم وصوله إليه.
 ولا معنى لقيام الاحتياط العقلي والبراءة العقلية مقام القطع إذ لا يعقل قيامهما مقام القطع لأن أثر القطع هو المنجزيّة والمعذريّة ولكن الاحتياط والبراءة العقليان، معناهما التنجز والتعذر بحكم العقل إذن كيف يقومان مقام القطع؟ وكذا الحال في الاحتياط والبراءة الشرعيين، فان الاحتياط الشرعي عبارة عن إلزام الشارع إدراك مصلحة الواقع، والبراءة الشرعية عبارة عن ترخيص الشارع حين عدم إحراز الواقع، فالاحتياط الشرعي هو نفس التنجز، والبراءة الشرعية نفس التعذّر بحكم الشارع، فليس هنا شيء يقوم مقام القطع في التنجّز والتعذّر( [1] ).
 التطبيقات:
 1ـ قال الشيخ المظفر (): «ان الإمارة حجة كخبر الواحد، فانما نعني أن تلك الإمارة مجعولة حجة مطلقاً... فهي حجة يجوز الرجوع إليها لتحصيل الأحكام مطلقاً حتى في موطن يمكن فيه أن يحصّل القطع لمن قامت عنده الإمارة؟، فمثلاً: إذا قلنا بحجية خبر الواحد، فانا نقول: انه حجة حتى في زمان يسع المكلف ان يرجع إلى المعصوم رأساً فيأخذ الحكم منه مشافهة على سبيل اليقين ولكنه لم يرجع إليه واعتمد على الإمارة»( [2] ).
 أقول: إنّ هذا الكلام يدلّ على بقاء الإمارة مقام القطع الطريقي المحض وإلّا فلا يجوز الاعتماد على الإمارة مع التمكّن من القطع الطريقي.
 2ـ قال الشيخ الأنصاري: «ان ظهر من دليل الحكم اعتبار القطع في الموضوع من حيث كون صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيُره، ومن هذا الباب عدم جواز أداء الشهادة استناداً إلى البينة أو اليد على قول، وان جاز تعويل الشاهد في عمل نفسه بهما إجماعا، لأن العِلم بالمشهود به مأخوذ في مقام العمل على وجه الطريقية بخلاف مقام أداء الشهادة إلا أن يثبت من الخارج أن كل ما يجوز العمل به من الطرق الشرعية يجوز الاستناد إليه في الشهادة كما يظهر من رواية حفص( [3] ) الواردة في جواز الاستناد إلى اليد»( [4] ).
 أقول: قد ناقش السيد الخوئي كون هذا القطع هو قطع موضوعي صفتي وقال إنّه قطع طريقي لأنّ قول الإمام (عليه السلام) عندما أشار إلى الشمس وقال: «على مثل هذا فاشهد أو دع» يعني إذا انكشف لك الواقع انكشاف الشمس، وهذا ظاهر أنّه قطع على نحو الكشف.
 أقول: إن لم يكن ما مثّله الشيخ الأنصاري مثالاً للكشف الموضوعي الصفتي فهو لا أقل كشفاً للقطع الموضوعي الطريقي لأنّ القطع أخذ في موضوع الحكم، فلاحظ.
 وبهذا على مبنانا لا تقوم الإمارة ولا الأصل العملي مقام القطع الطريقي بنفس دليل حجية الإمارة إلّا أن يقوم دليل آخر يقول إنّ ما جاز لك العمل على وفق الشهادة يجوز لك أن تشهد أمام الحاكم، فلاحظ.
 3ـ قال الشيخ الأنصاري: «لو نذر أحدٌ أن يتصدق كل يوم بدرهم مادام متيقِّناً بحياة ولده، فانه لا يجب التصدق عند الشك في الحياة لأجل استصحاب الحياة، بخلاف ما لو علّق النذر بنفس الحياة فانه يكفي في الوجوب الاستصحاب»( [5] ).
 4ـ يستفاد من بعض الروايات أخذ العِلم في ركعات صلاة المغرب والصبح والركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية، وان العلم بها حال الصلاة مأخوذ في الحكم بصحتها، منها: ما رواه زرارة بن أعين قال: قال الإمام الباقر (): «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهم يعني سهواً، فزاد رسول الله () سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة، فمن شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم»( [6] ).
 قال السيد الخوئي: «فان كان المستفاد من هذه الأخبار أخذ العلم بها في موضوع الحكم بالصحة بنحو الطريقيّة قامت البينة على الركعات في الموارد المذكورة مقام العلم، وان كان المستفاد منها أخذ العلم بها بنحو الصفتية فلا تقوم البينة مقامه»( [7] ).
 أقول: ان السيد الخوئي يرى قيام الإمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي، فذكر قيام البينة على الركعات مقام القطع الموضوعي الطريقي، أما على مبنى من يرى أن الإمارة لا تقوم مقام القطع الموضوعي الطريقي كالصفتي فحينئذٍ لا تقوم البينة مقام القطع الموضوعي الطريقي، فلاحظ.
 5ـ لو أتمّ في موضع القصر للجهل بالحكم فالفتوى على صحة الصلاة، وما ذاك إلّا لأنّ القصد واجب على من علم بالحكم كما جاء في الرواية أنّه «لو قرأت عليه آية القصر فيعيد، وإلّا فلا يعيد»، وهذا يعني أنّ العلم بالقصر هو طريق لتنجيز القصر عليه، وحينئذ إذا جاءت فتوى المجتهد له بوجوب القصر في السفر فهل تقوم مقام القطع الطريقي وهو قراءة آية القصر عليه؟
 والجواب: مَن قال بأنّ قراءة الآية عليه تنجّز الحكم عليه، فهنا أيضاً قراءة فتوى المجتهد عليه تنجّز الحكم عليه، فلا تكون الصلاة التامة مع العلم بالقصر مجزية بخلاف صورة الجهل.
 فلو قيل لنا: يستحيل تقييد القصر بالعلم بحكم القصر.
 فالجواب: إنّ هذا صحيح في مقام الجعل والاعتبار، إمّا التقييد بالقصر في مقام الإبراز فلا مانع منه مثل أن ينادي المولى عبيده العشرة الذي يعلم عدم وصول صوته إلى الجميع فيجعل التكليف على من وصل صوته إليه.
  وكذا الصوم بالسفر فإنّه يصح مع الجهل بأصل الحكم.
 


[1] () راجع مصباح الأصول 2: 38-41.
[2] () أصول الفقه 2: 25.
[3] () راجع وسائل الشيعة 18 : 215 باب 25 من كيفية الحكم ح 2.
[4] () فوائد الأصول1 : 34.
[5] () فوائد الأصول 1: 34.
[6] () وسائل الشيعة 5 : 299 باب أول من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1.
[7] () راجع مصباح الأصول 2 : 35.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo