< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/01/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص عدم الحجيّة
 أقول: ان ما أجيب به عن محذور التضاد والتماثل في الأحكام لا يدفع المحذور، لأن المحذور ليس في الصياغة حتّى يقال: إنّ الحكم الواقعي هو حكم تكليفي، وحجية الظنّ والإمارة (التي هي حكم ظاهري يفيد التنجيز والتعذير) هو حكم وظعي فلا تضاد، بل في مبادئ الصياغات والاعتبارات من المصالح والمفاسد وما في نفس المولى من الحب والبغض فيبقى في صورة الإصابة يحب شيئين متماثلين وفي صورة الخطأ يحب الضدين، فالمولى يكون قد احبّ متعلّق الحكم الواقعي، وأحبّ متعلّق ما قامت عليه الإمارة من تنجيز وتعذير، فإن اتحد متعلّق الإمارة مع متعلّق الحكم الواقعي صار اجتماع مثلين، وان اختلف متعلّق الإمارة عن متعلّق الحكم الواقعي صار اجتماع ضدين فهو يحبّ شيء ويبغضه في آن واحد وان اختلفت المرتبة وكانت مرتبة الحكم الظاهري متأخرة عن مرتبة الحكم الواقعي، ويشهد للتضاد في زمن واحد ان اختلفت المرتبة ما لو فرضنا عليّة أحد الضدين للآخر، فيستحيل الاجتماع وميتنتج من نفس التضاد المستحيل عدم العلية.
 إذن التضاد موجود بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري في مبادئهما في نفس المولى.
 ولهذا لم نقبل كلام السيد الخوئي في الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية حيث قال: «ان حقيقة الحكم هو الاعتبار، وحيث ان الاعتبار سهل المؤونة نظير التصور، فيجوز ان يعتبر الوجوب وعدم الوجوب كما يجوز أن يتصورها. نعم لا يمكن من ناحية إخلاله بالحكمة وهذا ليس استحالة من جهة التضاد.»
 ثم قال: «وهذا الاعتبار مسبوقٌ بأمرين وملحوق بأمرين:
 أما الأمران السابقان فهما عبارة عن:
 1ـ العلم بالصلاح من قبل الله تعالى في العمل.
 2ـ الشوق إلى ذلك، فلو لا الشوق إلى العمل ولو من جهة المصلحة للمكلف لما أمر النبي () والولي () بذلك.
 وأما الأمران اللاحقان فهما:
 1ـ الوصول.
 2ـ الانبعاث والانزجار.
 وحينئذٍ: فالحكم الظاهري لا مانع من اجتماعه مع الحكم الواقعي أصلاً، لأن مراتبه الخمسة لا يوجد فيها تضاد، لان الاعتبارين لا تضاد فيهما لما قلنا ان الاعتبار سهل المؤونة.
 أما المراتب السابقة عليه: فالحكمان الواقعيان باعتبار تبعيتهما للمصالح المفاسد لا يمكن اجتماعهما أصلاً لتبعيتهما للمصالح المفاسد في المتعلق أما الحكمان الظاهريان فأيضاً لا يمكن اجتماعهما لأنهما تابعان للمصلحة في الجعل (لا في المتعلق).
 إذن لا مضادة بين الحكم الواقعي والظاهري في مرتبة المصالح والمفاسد ولا في الشوق، حيث تكون مصلحة الحكم الواقعي في متعلقه والظاهري في جعله، والشوق في الحكم الواقعي إلى متعلقه وفي الحكم الظاهري في جعله.
 وكذا لا مضادة ولا تنافي في المرتبتين المتأخرتين عن الاعتبار، لأن الحكم الواقعي ان وصل فلا يبقى موضوع للحكم الظاهري حيث إن مورده الشك في الحكم الواقعي وعدم صوله» ( [1] ).
 أقول: أولاً: ان الحكم الواقعي إذا لم يصل فهو باقٍ على فعليته [2] فيكون عند المولى محبوباً وليكن الحب في متعلقه، وحينئذٍ إذا جاء الحكم الظاهري وليكن المصلحة في جعله إلا أن متعلقة هل يكون محبوباً أولا؟ فان لم يكن محبوباً فلا يجب فعل متعلقة وان كان محبوباً فيجب فعل متعلقه، ولا إشكال في كونه محبوباً وحينئذٍ إذا وافق الحكم الواقعي فقد اجتمع المثلان وان خالفه فهو مبغوض فصَار المولى يحب شيئا ويبغضه، ولا يمكن للمولى المشرع ان يحب شيئاً ويبغضه ـ فالإشكال ليس في الصياغة للحكم الواقعي والظاهري وإنّما في مبادئ الحكم الواقعي والظاهري، والحكم الواقعي موجود مع وجود الحكم الظاهري إلا أنه غير متنجّز.
 وبعبارة أخرى: إنّ التنافي والتضاد بين الحكم الواقعي والظاهري موجود بوجودهما الواقعيين لا بوجودهما العلميين، إذا الكلام في كيفية اجتماع الحكمين بمبادئهما في نفس المولى لا بحسب نظر المكلّف، أي التضاد موجود في نفس المولى ونظره وهو يفترض الشك في الحكم الواقعي في موضوع جعله الظاهري لا أنّه يشكّ في حكمه الواقعي بالفعل, فلاحظ.
 ثانياً: ان كلام السيد الخوئي () في كون متعلّق الحكم الواقعي محبوباً ، أمّا الحكم الظاهري فالمتعلّق ليس محبوباً وإنّما المحبوب الجعل (جعل الحكم الظاهري) لا يكون تامّاً إلا إذا قلنا إن الحكم الظاهري قد جُعل للمحافظة على الحكم الواقعي، فمتعلّق الحكم الظاهري ليس محبوبا وإنما المحبوب هو متعلّق الحكم الواقعي فقط، وكلّ الاحكام الظاهرية، هي للمحافظة على الاحكام الواقعيّة المجهولة لدينا فلاحظ.
 بينما الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية عند السيد الخوئي لا يكون على هذا المبنى، فلاحظ.


[1] () راجع غاية المأمول في علم الأصول ج 2 : 103-104
[2] ودليل ذلك: إنّ الحكم الواقعي مطلق يشمل العالم به والجاهل به، فيكون محفوظاً وفعلياً حتّى مع الجهل به، نعم الجهل به يجعله غير منجّز على الجاهل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo