< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص عدم الحجيّة
 وأما المرحلة الثالثة: وهو البحث الثبوتي حول تأسيس الأصل والقاعدة عند الشك في الحجية للظن (الإمارة).
 فنقول: ان الدليل إذا كان قطعياً فهو حجة على أساس حجيّة القطع، وإذا لم يكن كذلك، فان قام دليل قطعي على حجيته أُخذ به، وأما إذا لم يكن قطعياً وشك في جعل الحجية له شرعاً فالأصل فيه عدم الحجية، ونعني بهذا الأصل، أن احتمال الحجية ليس له أثر عملي، فالشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها، أي ان الشك في إنشاء الحجية ملازم للقطع بعدم الحجية الفعلية، بمعنى عدم ترتب آثار الحجية، لأن الحجية لها أثران: أحدهما صحة الاستناد إليها في مقام العمل والآخر صحة إسناد مؤداها إلى الشارع وهذان الأثران لا يترتبان مع الشك في الحجية ( [1] ).
 المستند:
 وأما مستند المرحلة الثالثة وهو الشك في إنشاء الحجية للإمارة ملازم للقطع بعدم الحجية الفعلية بمعنى عدم ترتب آثار الحجية فيمكن أن يقّرب بتقريبات متعددة:
 الأول: فهو عبارة عن القول بأن الشك في حجية أمارة يكون راجعاً إلى احتمال حكم ظاهري، وهنا تارة يفرض الحصول على دليل يدلّ على حكم ظاهري مخالف للإمارة كما إذا لاحظنا دليل البراءة في مورد قيام ما يشك في حجيته على حكم إلزامي، وتارة نفرض الحصول على دليل يدل على حكم واقعي على خلاف مؤدى الإمارة المشكوكة.
 فأما الحالة الأولى: فان كان الدليل على البراءة قطعيّاً فهو دليل قطعي على عدم حجية تلك الإمارة، وان كان دليلاً ظنيّاً معتبراً كما لو تمسكنا بإطلاق دليل البراءة فهو حجة على البراءة، وبالتالي سيكون دليلاً على عدم جعل الحجية لتلك الإمارة في عرض البراءة، فيدلّ على عدم حجيّة تلك الإمارة المشكوكة لمن وصلت إليه البراءة [2]
  [3] .
 وأما في الحالة الثانية: فان كان الدليل على الحكم الواقعي قطعيّاً فلا موضوع للحجية، وان كان تعبدياً كإطلاق أو عموم تمسكنا به لإثبات مؤداه حيث ان الإطلاق حجة ماله تثبت حجة أقوى على خلافه ( [4] ).
 وبما أنه لم يثبت حجة أقوى على خلاف الإطلاق أو العموم لأن الإمارة مشكوك في حجيتها فنعمل على وفق الإطلاق أو العام وهو معنى عدم الحجية للإمارة المشكوك في حجيتها.
 وبعبارة أخرى: عندنا وظائف عقلية وشرعية يجب العمل على وفقها لقيام دليل على حجيتها فمثلاً الوظيفة العقلية «الدليل العقلي» القائل بقبح العقاب بلا بيان فهي تنفي أي إلزام للتكليف، محتمل لدينا، فموضوعها هو الشك في وجود عقاب على عدم العمل بشيء من الأشياء، فإذا احتملنا وجوب العمل بشيء من الأشياء فلا ينتفي الدليل العقلي القائل بقبح العقاب بلا بيان، بل يثبت هذا الدليل العقلي لتحقّق موضوعه وهو التكليف المحتمل «العقاب المحتمل»، لأنّ التكليف المحتمل ليس بياناً، ولّا لكان احتمال وجود حكم واقعي كاف لانتفاء الدليل العقلي «البراءة العقلية».
 وكذا نقول: إذا احتملنا وجود حكم واقعي، فهو لا يؤثّر في الدليل العقلي«البراءة العقلية»، لأنّ احتمال وجود حكم واقعي لا يكون بياناً، فإذا ضمّ إليه حكم ظاهري إلزامي نشأ من خبر واحد فأيضاً لا يكون رافعاً لموضوع دليل الحكم العقلي« البراءة العقلية» لأنّ هذا الاحتمال لثبوت حكم ظاهري ليس بياناً، إذن الحكم العقلي القائل بقبح العقاب بلا بيان محكّم.
 وأمّا الوظيفة الشرعية النافية للإلزام: كالبراءة والاستصحاب، أو العمومات والإطلاقات.
 فأمّا البراءة الشرعية: فإنّ احتمال حجية الخبر لا يمنع من حجيتها، لأنّ جريان البراءة مطلق يشمل ما لو جاء خبر يدلّ على اللزام «كالدعاء عند رؤية الهلال».
 فإن دلّ دليل على حجية خبر الثقة الواحد، فهو تخصيص لدليل البراءة الشرعية.
 وبعبارة أخرى: إنّ دليل البراءة الشرعية «رفع ما لا يعلمون» يقول: لا قيمة لاحتمال حكم واقعي لأنّه لا يورث علماً، كما يقول لا قيمة لخبر دلّ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال إلّا أنّه لم تثبت حجيته لعدم سلامة السند، فإنّه لا يورث علماً، وضمّ عدم علم إلى عدم علم لايؤثر علماً، فيكون إطلاق «رفع ما لا يعلمون» محكّم.
 وأمّا الاستصحاب: «عدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال عند الشك في الوجوب» فاحتمال حجية الخبر الذي يدلّ على الإلزام لا يمنع من جريان الاستصحاب، فإن دلّ دليل على حجية خبر الثقة ودلّ على وجوب الدعاء خصّص دليل الاستصحاب، فما لم يدلّ دليل على حجية الخبر يحصل شكّ في تخصيص دليل الاستصحاب فيتمسّك بالإطلاق.
 أمّا إن كانت الوظيفة الشرعية النافية للتكليف هي العموم أو الإطلاق للدليل الدال على عدم وجوب الدعاء، وهو شامل للدعاء عند رؤية الهلال وعدمه، إذن نرجع إلى هذا الإطلاق ولا يمنع منه احتمال حجية خبر الواحد، لأنّ دليل حجية العموم أو الإطلاق دلّ على أنّه حجة ما لم نعلم معارضته لحجّة أقوى منه، والمفروض عدم وصول حجة للخبر، إذن العموم والإطلاق على حجيته، نعم هذا دليل فقاهي وليس اجتهادياً كما في البراءة والاستصحاب.
 ونفس الكلام المتقدم يجري فيما ذا كانت الأمارة المشكوك حجيتها دالة على الترخيص وكانت الوظيفة الزامية.


[1] () راجع مصباح الأصول 2: 111.
[2] مثال ذلك: ما لو دل خبر واحد على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وشككنا في حجية هذا الخبر الواحد لإرساله أو لعدم وثاقة جميع رواة سنده، ولكن قام دليل البراءة الشرعية على ترك الدعاء عند رؤية الهلال، فهنا لا يحصل التنافي، وذلك: لأنّ دليل البراءة يدلّ لا محالة على عدم حجية خبر الواحد لأنّه يدل على عدم اهتمام المولى بغرضه عند الشك في وجوب الدعاء حتّى لو اقترن الأمر بورود خبر الواحد الدال على الوجوب، بينما حجية خبر الواحد لم تصل إلينا فلا دلالة على اهتمام المولى بغرضه عند الشك المقترن بورود خبر الواحد على الوجوب لأنّ التنافي إنّما يكون في صورة وصول التنجيز والتعذير وهنا لم يصل التنجيز.
[3] إذن يمكننا التمسك بدليل البراءة لعدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، لأنّ دليل البراءة مطلق، «يعني أنّ دليل البراءة قد شرّع البراءة من قراءة الدعاء عند رؤية الهلال سواء دلّ خبر الواحد على وجوبه أم لم يدل»، وهذا الإطلاق حجة ما دمنا لسنا جازمين بحجية خبر الواحد، ولا تعارض بين حجية إطلاق دليل البراءة والشك في حجية خبر الواحد لأنّ الشك في حجية خبر الواحد متقدم على حجية إطلاق دليل البراءة وليس في عرضه حتّى يحصل التعارض.
[4] () راجع بحوث في علم الأصول 4 : 224 225.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo