< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص عدم الحجيّة
 الدليل الثاني [على عدم جواز التمسك بمطلق الظن هو]: التمسك بما دل على النهي عن إتباع الظن وغير العلم كقوله تعالى: إ

ِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا( [1] )، فمع الشك في حجية الظن غير المعتبر يكون الشك في تخصيص زائد لعموم النهي عن إتباع الظن، وحينئذٍ يمكن التمسك بعموم النهي عن إتباع الظن لنفي الحجية المشكوكة للظن غير المعتبر.
 وقد اعترض المحقق النائيني على هذا التقريب: بأن الشك في الحجية واحتمال حجية الظن يعني احتمال جعله علماً وهذا يوجب تعذر التمسك بالإطلاق في هذه الأدلة لكونه من الشبهة المصداقية لها، لأن الحجية المشكوكة للإمارة (الظن) على تقدير ثبوتها تكون بلسان الطريقية أو العلمية فتكون رافعة لموضوع عدم العلم، وهنا احتمال الحجية يعني احتمال العلم، فلا يحرز عنوان عدم العلم حتّى يكون منفياً بالآية ويتمسك بالآية لعدم حجيّته.
 وبعبارة أخرى: إنّ المحقّق النائيني يرى أنّ الظنّ غير الحجة يباين الظنّ الحجة فإنّ الأوّل ظنّ والثاني علم «طريق إلى الواقع» وحينئذٍ سيكون الظنّ المشكوك الحجية محتمل العلمية فيكون التمسكّ بعدم حجية الظنّ تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز.
 ولكن نقول: بأن النواهي عن إتباع الظن ليست أحكاماً تكليفية حتى يقال بأن الشك في حجية ظن ما لا يسوِّغ لنا التمسك بالإطلاق لكون الظن المشكوك شبهة مصداقية للنهي عن إتباع الظن، بل النهي المذكور هو نهي إرشادي إلى عدم حجية الظن فيكون نافياً للحجية والطريقية والعلمية عن الظن بحيث لو ثبتت الحجية في مورد من موارد الظن كان دليل حجية الظن الخاص مخصصاً لإطلاق النفي المذكور.
 وبعبارة أخرى: إنّ الظنّ الحجة ليس علماً بل هو ظنّ إلّا أنّه قام الدليل على اعتباره وحجيته، وحينئذ لا يكون مبايناً للظنّ غير الحجة، بل هو أخصّ منه، إذا شكّ في حجية ظنّ نتمسّك بالعام في عدم حجيّته لأنّه شكّ في تخصيص زائد والأصل عدم التخصيص الزائد ما لم يثبت بدليل، أي القاعدة التمسّك بالعام وهو عدم حجيّة الظنّ عند الشكّ في قيام دليل على حجيته.
 الثالث: ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري من التمسك بما دل على حرمة الإسناد إلى الدين والإفتاء بلا علم مثل قوله تعالى: آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ( [2] ). وقوله تعالى: أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( [3] ).
 بناء على شمول الافتراء لمطلق إسناد الشيء إليه تعالى ولو مع عدم العلم بأنه منه تعالى لا خصوص ما علم أنه ليس منه تعالى ـ كما قيل ـ ولو سلّم عدم شمول الافتراء في اللغة لإسناد (ما لا يعلم) موضوعاً فلا أقل من شموله حكماً لأنه جُعل في مقابل الإذن، فتدل الآية الشريفة على أن كل ما لم يؤذن فيه فهو افتراء، إما موضوعاً واما حكماً ( [4] ).
 تنبيه: ان هذه الآية دلت على حرمة ذاتيه نفسية في إسناد ما لم يعلم (أنه من الله) إلى الله تعالى وما ذاك إلا لأنها ليست حجة، إذ لو كانت حجة لجاز إسنادها إلى الله تعالى، فعدم جواز الإسناد إلى الله يدل على عدم الحجية منها.
 الرابع: السنة، فقد روي عن النبي () في عداد القضاة من أهل النار، فعدَّ: (رجل قضى بالحق وهو لا يعلم) ( [5] ).
 أقول: إذن من قضى بالحق وهو لا يعلم، يشمل قضاءه بالحق في صورة الظن بالحق والشك به، فتدل على أن الظن بالحق لا يجوّز الحكم ما لم يكن دليل على هذا الظن من الشارع ليلحق بالعلم أو يكون علم بالحق، فثبت ان الظن بالحق لا يجوّز الحكم بل يكون الحاكم به من أهل النار وهو معنى حرمته النفسية التي يلازمها عدم كونه حجة.


[1] () يونس: 36 ، وكذا قوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}ومثلها أية إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. وما قيل من اختصاصها بأصول الدين أو كونها في أصول الدين هو القدر المتيقن يدفعه أن مجرد سياقها وكون أصول الدين القدر المتيقن منها لا يقتضي تخصيص مفاد النهي العام في الآية فالشمول فيها محكّم بتمامية مقدمات الحكمة فيها.
[2] () سورة يونس : 59.
[3] () سورة البقرة: 80.
[4] () فوائد الأصول 3 : 119.
[5] () وسائل الشيعة ج 18 باب 4 من أبواب صفات القاضي ح 6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo