< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: السيرة العقلائية
 القسم الثالث: السيرة العقلائية التي يستدل بها على كبرى الحكم الشرعي، كالسيرة العقلائية القائمة على أنّ من حاز شيئاً من الأموال المنقولة المباحة ملكها. وهذه هي السيرة العقلائية التي يذكرها علماء الأُصول عادة في كتبهم، وهي عبارة عن اتفاق العقلاء في أعمالهم ومسالكهم على شيء إيمانا منهم ولو ارتكازاً في وجود نكتة عامة موجودة في أذهان تمام العقلاء، فلو شذّ أحدُهم عن هذه الطريقة كان ملاماً من قِبَل العقلاء ومورداً للاستغراب والسؤال عن سبب شذوذه عن طريقة العقلاء.
 والاستدلال بهذه السيرة قد يكون لإثبات حكم شرعي واقعي، وهذا يقع الاستدلال به في كتب الفقه كاستدلالهم بها في مسألة التملّك بالحيازة لنكتة عند جميع العقلاء تقول بأنّ الإنسان يملك حصيلة أعماله وأتعابه، فلا يعارضه أحد في سلطانه على ما حازه من مباحات، وقد يكون لإثبات حكم شرعي كلي ظاهري وهذا يقع الاستدلال به في كتب الأُصول عادة كالسيرة القائمة على حجية الظواهر أو خبر الثقة بحيث يحصل من هذه السيرة على شيء مثل الحجية والتنجيز والتعذير.
 وهنا لابدّ من استكشاف إمضاء الشارع لهذه السيرة العقلائية، إذ لا معنى للاستدلال على حكم الشارع ببناء العقلاء وعملهم ابتداء، لأنّ اللازم والمفروض أنّ العقلاء يتّبعون الشارع الأقدس لا أنّ الشارع الأقدس يتبعهم في بنائهم وأعمالهم، وادنى مراحل الإمضاء السكوت والتقرير فتكون الحجة حقيقة هو الإمضاء والتقرير الصادر من المعصوم. وواضح أن إمضاء الشارع للسيرة يقتضي أن تكون السيرة معاصرة في زمن المعصوم () فلا تنطبق على السيرة المستحدثة والمتجددة بعد زمانهم.
 أقول: إنّ هذا القسم الثالث من السيرة الذي هو موضوع بحثنا فيه خصوصيات لابدّ من ذكرها:
 الأولى: إنّ هذه السيرة إنّما تكون حجة على أساس أفادتها القطع.
 الثانية: ذكرها يكون قبل بحث حجية الأمارات، لأنّه سيتبيّن أنّها من مدارك بعض الأمارات الآتية.
 الثالثة: أنّ بطلان عدّة مدارك للفتاوى التي كانت توجد حالة نفسية ثابتة عند الفقيه بحيث يكون خلافها أمراً غريباً إذ يذكر في الفقه مثلاً: أنّ المعاطاة إذا كانت تفيد الإباحة فإنّه يلزم منه فقه جديد، فيجعل هذا الأمر الغريب دليلاً على بطلان هذا القول، مع أنّ هذا القول لم يبطل بعموم أو إطلاق أو إجماع، بل الظاهر يريدون بطلانه بما هو أقوى من العموم والإطلاق والإجماع، وهو أنّ الالتزام بهذا الحكم «القول» يكون خلاف الضرورة الفقهية والمسلّمات عند الأصحاب بحيث يوجب هذا القول فقهاً جديداً.
 أقول: إذن بطلان حجية الإجماع المنقول في بحث الأصول
 وكذا بطلان حجية الشهرة في بحث الأصول
 وبطلان جبران الخبر الضعيف بعمل الأصحاب في بحث الأصول
 وبطلان عدم حجية الخبر الصحيح بأعراض الأصحاب في بحث الأصول
 وبطلان انجبار الدلالة للرواية بعمل الأصحاب في بحث الأصول
 لم يكن يستدعي عندهم ترك الفتوى المتفرّعة عليها في الفقه، فقد كانوا يبطلون هذه الأدلة في الأصول ويتمسّكون بها في الفروع، ولذا كان يشكل عليهم ببطلان الإجماع المنقول في الأصول دون الفروع.
 الرابعة: إنّ الداعي إلى الإصرار على بقاء تلك الفتاوى في الفقه مع بطلان أدلّتها في الفقه إنّما هو الاطمئنان بتلك الفتاوى، فكانوا يضفون على تلك الحالة النفسية والاطمئنان بها تلك الأدلة الباطلة أصولياً، وهذا ممّا يدلّ على أنّ واقع الدليل على تلك الفتاوى لم يبطل لديهم وهو الاطمئنان بها الذي يصل إلى حدّ العلم بها ولكن بطل الدليل الصوري لها الذي هو وليد تلك لحالة النفسية والاطمئنان بالحكم.
 الخامسة: وبالأخير وفي زمان الشيخ الأنصاري «بصورة قليلة» وبعده «بصورة كثيرة» بدأت تظهر تلك الحالة الاطمئنانية بالحكم في مظهر دليل آخر غير تلك الأدلة الصورية الباطلة أصولياً، وهي السيرة العقلائية فاشتدّت الحاجة إلى بحثها في الكتب الأصولية ما بعد الشيخ الأنصاري، ولذا لم تجد بحث السيرة كدليل من الأدلة في كتب الأصول والفقه قبل زمان الشيخ الأنصاري، فلاحظ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo