< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: السيرة العقلائية
 وأما الأمر الثاني: فإن عدم وصول أيّ ردع منسوب إلى الإمام يكشف عن عدم ردعه ثبوتاً فدليله هو الطبع والعادة، لأنّ الردع عن تصرف نوعي (سيرة) مرتكز في الأذهان بحيث يطبّق على موارد الأحكام الشرعية وهو خطأ في نظر الشرع، فلابدّ من تكرره لكي يناسب قوة السيرة المردوعة ويؤثر أثره في قلع جذور السيرة، ومثل هذا الردع عن السيرة يولد انتباهاً من الناس نتيجة البلبلة والتذبذب الذي حصل بالردع عن السيرة، وهذا ينعكس في الروايات والآثار المنقولة عنهم لتدلّ على بطلان السيرة، بحيث يكون من البعيد خفاء كل ذلك عنّا مع توافر الدواعي على نقل ذلك لكونه قضية على خلاف السيرة مخالفة للوضع العام الذي كان سائداً.
 وحينئذٍ إذا لم يصل إلينا شيء لا عن طريق صحيح ولا عن طريق ضعيف، كان هذا كافياً في عدم وجود ردع عن هذه السيرة، وأما إذا وجد ردع بروايات ضعاف فإنه يكون كافياً لعدم الاستدلال بالسيرة، لأن الخبر الضعيف الرادع عن السيرة يوجد احتمالاً عقلياً بعدم ملائمة السيرة للمعصوم، لأنّ احتمال أن يصلنا من كلّ عشرين حديثاً حديثان مثلاً عند توافر الدواعي إلى النقل هو الذي يكون سائداً بحساب الاحتمالات، أمّا أنّ هذا الذي يصلنا من فصيلة ثابتي الوثاقة فهو ممّا لا يكون سائداً بحساب الاحتمال، إذ قد يصل إلينا من عشرين حديثاً حديثان ضعيفان صدفة، وهذا الاحتمال يجعل السيرة مورد شك في حجيتها فلا تكون حجة.
 ويجب التنبيه: على أن الإمضاء المستكشف بالسكوت ينصبّ على النكتة المركوزة عقلائياً ـ لو كانت موجودة وغير غامضة ـ لا على المقدار الممارَس من السلوك خاصة، وهذا يعني.
 أولاً: أن الممضى ليس هو العمل الصامت لكي لا يدلُّك على أكثر من الجواز، بل هو النكتة، أي المفهوم العقلائي المرتكز عنه، فقد يثبت به حكم تكليفي أو حكم وضعي.
 وثانياً: إن الإمضاء لا يختصّ بالعمل المباشر فيه عقلائياً في عصر المعصوم () ففيما إذا كانت النكتة أوسع من حدود السلوك العقلي كان الظاهر من حال المعصوم () إمضاءَها كبرويّاً وعلى امتدادها( [1] ).
 فمثلاً: قيام السيرة العقلائية على سببيّة الحيازة للتملك، كان المقدار المعمول به منها في الخارج هو الحيازة بالطرق والوسائل القديمة البدائية كالاحتطاب والاغتراف، أما مثل الحيازة بالآلة الكهربائية للاحتطاب وحيازة الطاقة الكهربائية، فلم يكن لها وجود آنذاك فهل المقدار المستفاد إمضاؤه في دائرة ما كان معمولاً به أو أوسع من ذلك؟ والجواب هو دلالة عدم الردع على إمضاء تمام النكتة العقلائية وهي تملّك المعدن بالحيازة مطلقاً التي هي أساس العمل الخارجي للعقلاء. فالإمام في مقام التشريع وإبلاغ أحكام الله وتصحيح ما ارتكز عند الناس من شرائع غير صحيحة يستوجب الا يكون ناهياً للمنكر الخارجي وأمراً بالمعروف، بل مقامه ووظيفته أوسع مدلولاً من ذاك، لأن ظهوره الحالي أنه ناظر إلى النكات التشريعية الكبروية نفياً واثباتاً، لأنّ الرسول والمعصوم يجب عليهما تعليم الأحكام والحقائق الإسلامية، فيكون لسكوته وعدم ردعه ظهور في امضاء تمام النكتة العقلائية للسيرة لا للتصرف الخارجي المحدود( [2] )( [3] ).
 أمّا السيرة العقلائية المتأخرة عن زمن الإمام المعصوم فعي لا تدل على موافقة الإمام (ع) لها بافتراض أنّه لو لم يرض بها لأصدر بيانات متعددة للردع عنها في الزمان المتأخّر، وذلك لأنّ الأئمّة المعصومين (ع) إنّما يتحفّظون على أحكام الشرع بالطرق الاعتيادية لا بأعمال الغيب.
 وبهذا يبطل كلام المحقّق الأصفهاني القائل باستكشاف موافقة الشارع للسيرة العقلائية باعتباره رئيس العقلاء وسيّدهم فهو داخل ضمن هذه السيرة لمقتضى كونه عاقلاً، وذلك:
 1ـ لأنّ السيرة العقلائية ليست دائماً مبتنية على نكتة مدركة بالقريحة العامة للعقلاء، بل قد تكون السيرة العقلائية مبتنية على غرض شخصي تطابق عليه العقلاء صدفة [4] ، وحينئذ من المحتمل أن لا تكون حالة الشارع المقدّس مطابقة في ذلك لأغراضهم الشخصية.
 2ـ وحتّى لو كانت السيرة قائمة على نكتة ثابتة بالقريحة العامة للعقلاء

[5] ، فليس من الواجب أن تكون هذه النكتة عقلية بحتة دائماً، بل قد تكون هذه القريحة العامة راجعة إلى باب الانفعالات والعواطف الخارجة عن دائرة العقل ولكنّها مؤثرة في سلوك العقلاء، وحينئذ مجرّد كون الشارع سيّد العقلاء وأعقلهم لا يكون دليلاً على موافقتهم في ذلك.



[1] ـ راجع دروس في علم الأُصول2 : 281.
[2] ـ راجع بحوث في علم الأُصول4 : 246.
[3] ـ أما ما هي النكتة في السيرة على أن الحيازة للمنقول المباح مملّكه؟ فهل هي اغناء افراد المجتمع أو جعلهم يعملون فلا يتعطلون أو اعمار الأرض، أو ان الإنسان يملك حصيلة عمله لتوقّف نظام المعاش على ذلك؟ وعلى كل حال تكون السيرة ممضاة كبروياً بقدر النكتة للارتكاز العقلائي.
[4] كالنظر والاستمتاع بالجنس الآخر والتحدّث معهم الذي عليه سيرة عالمية حتّى من المسلمين غير الملتزمين.
[5] كاحترام الكبير ومساعدة المريض وإدخال السرور على الآخرين بالغناء والرقص والموسيقى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo