< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 تقدم أنّه مع عدم حصول القطع من كلامهم فهل يكون كلام اللغويين حجّة أم لا؟
 ذهب المشهور بين المتقدمين إلى الحجية ونسب إلى السيد المرتضى دعوى الإجماع عليه بينما مشهور المتأخرين من علماء الأُصول ذهبوا إلى عدم الحجية.
 والكلام يقع في مقامين:
 المقام الأول: في حجية قول اللغوي في اثبات موارد الاستعمال.
 وقد ذكر لحجيّة قول اللغوي في اثبات موارد الاستعمال أمور:
 1ـ إن قوله حجة من باب الشهادة في الموضوعات، لأنّه يشهد عن حسّ بكون هذا للفظ استعمل في هذا المعنى، ويكفي في باب حجية الشهادة في الموضوعات خبر الثقة الواحد كالاحكام.
 أقول قد يقال أن مسألة الشهادة في الموضوعات مختلف فيها بين العلماء فبعضهم لا يقبل في الموضوعات الا البينة، « أي تعدد الشهود مع العدالة».
 2ـ إن الرجوع إلى اللغوي قد قامت عليه السيرة العقلائية غير المردوع عنها فيكون الرجوع إلى قول اللغوي لمعرفة موارد الاستعمال حجة.
 أقول: إنّ السيرة العقلائية إنّما تكون حجة إذا استكشف منها موافقة الشارع لهم وامضاؤه لطريقتهم، وهذا الامضاء إنّما يستكشف من عدم الردع أو السكوت إذا كان الشارع متّحد المسلك مع العقلاء وإذا لم يكن متّحد المسلك معهم فنحتاج إلى جريان السيرة حتى في الأمور الشرعية بمرأى ومسمع من الإمام ومع هذا لم يردعهم كما في الاستصحاب. وهنا نقول: إن المعصوم لا حاجة له إلى الاخذ بقول اللغوي فمسلكه يختلف عن مسلك العقلاء الذين يشكوّن في معنى الألفاظ، ولم يثبت أيضاً جريان السيرة العقلائية في الاخذ بقول اللغوي في خصوص الأمور الشرعية حتى يستكشف من سكوت الشارع، إمضاؤه لهم.
 3 ـ استدلوا لحجيّة قول اللغوي هنا بحكم العقل، فإن العقل يحكم بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم فلابدّ أن يحكم الشارع بذلك لأن الحكم العقلي هنا من الآراء المحمودة التي تطابقت عليها آراء العقلاء، والشارع منهم، وبهذا الحكم العقلي أوجبنا رجوع العامي إلى المجتهد في التقليد.
 قال الشيخ المظفر: «وهذا الوجه اقرب الوجوه في اثبات حجيّة قول اللغوي ولم أجد الآن ما يقدح به»( [1] ).
 أقول: إن هذا الوجه غير صحيح لأن حكم العقل في رجوع الجاهل إلى العالم هو عبارة عن الرجوع إلى أهل الخبرة ونحن نقول: إن اللغوي ليس من أهل الخبرة، فأن أهل الخبرة هم الذين يُرجع إليهم بمالهم من رأي ونظر، أما اللغوي فليس عنده اعمال رأي ونظر بل هو يرى أن هذا اللفظ استعمل هنا واستعمل هنا فهو كمن يقول أن فلاناً قرأ قصيدة تحتوي على عشرين بيتاً وهذا هو باب الشهادة الذي هو أمر محسوس لا من باب أنه من أهل الخبرة.
 اذن لا يكفي قول اللغوي إذا كان ثقة بل لابدّ من تعدده مع عدالتهم أو لحصول الاطمئنان من كثرة النقل.
 أقول: إنّ هذا الرد الي تقدّم منا في تدريس الدورة السابقة للقواعد الأصولية فيه تأمّل ينشأ:
 أولاً: من أنّ كثيراً من موارد تعيين المستعمل فيه اللفظ يكون حسّياً، إلّا أنّ تعيين حدود المعنى من قيود وإطلاق يكون متوقّفاً على الحدس في كثير من الأوقات، وذلك لأنّ اللغويين كانوا يتتبعون كلامات العرب واستعمالاتهم في جزئيات الموارد فيجمعونها ويستنبطوا منها ـ بعد إلغاء الخصوصيات التي يمتاز بها فرد عن آخر ـ جامعاً، لأجل أن يعرفوا أنّ هذا الجامع هو المعنى المستعمل فيه، وحينئذ ستكون عملية استنباط هذا الجامع عملية حدسية واجتهادية، وعلى هذا سيكون رجوع العامل إلى الجاهل باللغة أمراً قبولا لأنّ العملية اعتمدت على الحدس ولاجتهاد بانتزاع الجامع من جملة استعمالات جزئية.
 ثانياً: مَن قال بأنّ حجية قول أهل الخبرة (الذي دلّ عليه بناء العقلاء) بأنّه مخصوص في الحدسيات ولا يقبل في الحسيات؟!!
 فإنّ مرجع هذا القول إلى أن يكون الحدس أولى بالاعتماد عليه من الحس، أي أنّ أهل الخبرة إذا قال أحد منهم رأيت حادثة قبل أربعين سنة ثمّ ذكر تفاصيلها كما هو ديدن أهل التاريخ أو ذكر عالم الجغرافيا بأنّ طبقات الأرض كذا وكذا وقد رأيناها، فلا يقبل منه، بينما إذا قال شيئاً في معرض الاجتهاد والنظر والرأي الذي هو في معرض الخطأ والصواب فيقبل منه؟!!
 فإنّ هذا الأمر غير صحيح وليس بمحتمل في شأن العقلاء، فإنّ الحدس يوجب الضعف لا القوة، وحينئذ كون ما يوجب الضعف دخيلاً في الحجة، وما يوجب القوة مانعا عن الحجية هو باطل جزماً للارتكاز العقلائي بكون الحجية بملاك الكشف لا التعبّد.
 نعم، ثبت في باب الشهادة أنّه لا يكفي فيها خبر الواحد وشهادته بأنّ فلان قد مات، وعمّم هذا لخبر الواحد في الموضوعات، وهذا لا يكون ميزانا في عدم ثبوت خبر الواحد في الحسيات، وامّا الحسيات فيكفي فيها خبر الواحد إذا كان من أهل الخبرة.
 نعم، هنا كلام عام وهو: أنّ كلّ شيء يحتاج تفهمه إلى تفرّغ وتخصص وهذا من القضايا العامة، وأنّ عمر الإنسان لا يفي بكلّ هذه التخصصات ولا بجزء منها، فلذا قسّم العمل بين الناس وبرز لكلّ شيء جماعة متخصّصة فيه يُرجع إليهم في تحصيله على أساس الخبرة الحسية أو الحدسية، أمّا القضايا الجزئية ككون زيد عادل أو مالك أو صحيح أو مريض أو قد مات فهذه أمور يمكن أن يطلع عليها كلّ من تصدّى للاطلاع عليها ويرتّب الآثار عليها في الخارج، وهي لا تحتاج إلى تفرّغ وتخصّص، فهذه لا يكفي فيها الحدس، فإن قلنا بعدم كفاية خبر الواحد في الموضوعات فلا بدّ في قبول شهادته من شروط البيّنة إذن التفصيل صحيح بين الأمور العامة والجزئية.


[1] ـ أصول المظفر 3 : 143 و144.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo