< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر المتواتر
 وبعبارة أخرى: لو كانت الإخبارات حسّية فحينئذ تكون الاشتباهات المتوقّعة في دائرة واحدة، فو أخبر حجم كبير على رؤية الهلال في زاوية معيّنة فاحتمال اشتباههم يكون عبارة عن خطأ الكلّ في دائرة واحدة وهي الصورة التي تُنتزع عن الهلال، وهذا بعيد جدّاً، فيحصل اليقين بالإخبار أسرع ممّا لو توافق جمع كبير على الحدس كما لو توافق جمع كبير على لزوم قراءة السورة في الصلاة فهنا نحتمل الخطأ بصورة أكبر من الإخبار الحسّي لاحتمال خطأ المجتهد الأوّل في أمر والثاني في أمر ثاني والثالث في أمر ثالث وهكذا، مثلاً نحتمل خطأ المجتهد الأوّل في اعتباره حديثاً ضعيف السند صحيحاً، ونحتمل خطأ الثاني لاعتباره حديثاً ضعيف الدلالة قويّاً، ونحتمل خطأ الثالث لذهابه إلى دوران الأمر في الركعتين الأولتين من الصلاة بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين وهو موجب للاحتياط بينما الأمر ليس كذلك لأنّه يوجب البراءة للعلم بالأقل والشك بالأكثر فينفى بالبراءة، ونحتمل خطأ الرابع لأنّه شاهد رأي العلماء الثلاثة فظنّ أنّ المسألة اجماعية بينما هي ليست كذلك، إذن سيكون احتمال اشتباه كلّ واحد في دارة غير دائرة اشتباه الآخر فيها وعليه يكون عدم اشتباه الجميع في غاية الصعوبة وأبطأ مّما لو أخبر الجميع عن أمر حسّيٍّ.
 أما العوامل الذاتية:
 1 ـ حالة الوسوسة والبطء الذاتي للذهن، فإذا كانت الحالة الذهنية الذاتية للإنسان أبطأ كان حصول التواتر بالنسبة إليه أبطأ والعكس بالعكس.
 2 ـ وجود الشبهة: فإذا كان الإنسان معتقداً بخلاف التواتر، فإن هذه العقيدة تشكِّل مانعاً ذاتياً تقف أمام سرعة حصول اليقين بالتواتر.
 3 ـ العاطفة: فإذا كانت القضية المتواترة على خلاف عاطفة الإنسان وطبعه فتكون حجاباً بينه وبين حصول اليقين فيبطأ حصوله( [1] ).
 مستند القاعدة:
 كل خبر يحتمل في شأنه ـ بما هو خبر ـ الموافقة للواقع والمخالفة له، واحتمال المخالفة يقوم على أساس احتمال الخطأ في المخبر أو احتمال تعمّد الكذب لمصلحة معينة تدعوه إلى إخفاء الحقيقة.
 فإذا تعدّد الإخبار عن محور واحد تضاءل احتمال المخالفة للواقع، لأن احتمال الخطأ أو تعمدّ الكذب في كلّ مخبر بصورة مستقلّة إذا كان موجوداً بدرجة ما فاحتمال الخطأ أو تعمدّ الكذب في مخبرين عن واقعة واحدة معاً أقل درجة، لأن درجة احتمال ذلك ناتج ضرب قيمة احتمال الكذب في أحد المخبرين بقيمة احتماله في المخبر الآخر، وكلّما ضربنا قيمة احتمال بقيمة احتمال آخر تضاءل الاحتمال لأنّ قيمة الاحتمال تمثل كسراً محدداً من رقم اليقين، فإذا رمزناً إلى رقم اليقين بواحد، فقيمة الاحتمال للكذب هي أو أو أي كسر آخر من هذا القبيل، وكلّما ضربنا كسراً بكسر آخر خرجنا بكسر أشد ضآلة كما هو واضح.
 وفي حالة وجود مخبرين كثيرين لابدّ من تكرار الضرب بعدد إخبارات المخبرين لكي نصل إلى قيمة احتمال كذبهم جميعاً، ويصبح هذا الاحتمال ضئيلاً جداً، ويزداد ضآلة كلما ازداد المخبرون حتى يزول عمليّاً، بل واقعيّاً، لضآلته وعدم احتفاظ الذهن البشري بالاحتمالات الضئيلة جدّاً( [2] ).
 فيحصل القطع واليقين بصدور الدليل، وبذلك ظهر أنّ حجيّة الخبر المتواتر تقوم على أساس حجيّة القطع الذي هو حجة بذاته( [3] ).
 أقول: قد تقول: لماذا لم تقدّر لاحتمال صدق المخبر الأول بكسر ولاحتمال صدق المخبر الثاني بكسر ولاحتمال صدق المخبر الثالث بكسر، وحينئذٍ نحسب احتمال صدقهم جميعاً، ويكون بضرب الكسر الأول في الثاني في الثالث وتخرج النتيجة بضَعف احتمال صدقهم جميعاً كما ذكرنا ذلك في احتمال الكذب؟
 والجواب: إن الواقعة المخبَر عنها هي علّة للإخبارات المتعددة، فستكون علّة الاخبارات هي واحدة وهو صدق القضية المخبَر عنها (ووقوع الحادثة المخبر عنها) وقيمة احتمال صدق الأول مساوية لقيمة احتمال صدق الثاني والثالث والرابع، فاحتمالات الصدق وإن كانت متعددة الا أنها متلازمة، وحينئذٍ قيمة احتمال المجموع لم تكن أضعف من قيمة احتمال صدق كل واحد منها بخلاف ما إذا افترضنا عدم صدق القضية وأن كل إخبار كان على أساس مصلحة معيّنة لصاحبه، فإن حساب الاحتمالات يضعّف احتمال تلك الافتراضات لعدم كونها احتمالات متلازمة، وحينئذٍ تضعف الاحتمالات بتكثر الإخبار وتواتره، حتى اتصل إلى انطفاء القيّم الاحتمالية والكسرية، عند العقلاء ويحصل القطع بوقوعه الحادثة.
 واليك هذا المثال: مثلاً لو أخبر جماعة خرجوا من بيت زيد، بوجود تعزية في ذاك البيت للإمام الحسين () فهذه الاخبارات المتعددة لها علّة واحدة وهي وجود التعزية في بيت زيد، فإذا كنا نحتمل صدق المخبر الأول بمقدار بالمائة. والثاني كذلك والثالث كذلك، فإن هذا الاحتمال سيبقى كما هو من دون تضعيف، لأن احتمالات الصدق متلازمة، أما إذا احتملنا كذبهم لمصلحتهم وأن الأول وجد في بيت زيد للاعتداء عليه والثاني وجد في بيت زيد للسرقة والثالث وجد في بيت زيد لتهديده فبما أنّ هذه الاحتمالات ليست متلازمة فسيكون احتمال كذب الأول في أدعائه وجود التعزية بمقدار والثاني احتمال كذبه والثالث احتمال كذبه ، فاحتمال كذب الجميع سيكون ضعيفاً نتيجة ضرب الاحتمال الأول في الثاني في الثالث أي× ×= وهكذا كلما كثرت اخبارات وجود التعزية واحتملنا كذب الرابع والخامس فيضرب الاحتمال في النتيجة المتقدمة وسيكون احتمال كذب الجميع اضعف من الأول حتى نصل إلى درجة من الاحتمال لا يحتفظ بها الذهن البشري، وبهذا يحصل القطع بصدق المخبرين بوجود تعزية في بيت زيد (طبعاً بشرط إفادة التواتر لليقين من تباين المخبرين بوجود التعزية في بيت زيد وعدم وجود عامل مشترك في المخبرين بوجود التعزية).
 تعدد الوسائط في الخبر المتواتر
 ومما ينبغي ذكره هنا أنّ الخبر قد يكون له وسائط كثيرة في النقل كالأخبار التي تصلنا عن الحوادث القديمة فانه يجب ـ ليكون الخبر متواتراً موجباً للعلم ـ أن تتحقق شروط التواتر في كل طبقة طبقة من وسائط الخبر، والا فلا يكون الخبر متواتراً في الوسائط المتأخّرة، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات.
 والسرّ في ذلك واضح: لأن الخبر ذا الوسائط يتضمّن في الحقيقة عدّة أخبار متتابعة، إذ أنّ كل طبقة تخبر عن خبر الطبقة السابقة عليها، فحينما يقول جماعة: «حدثنا جماعة عن كذا» بواسطة واحدة مثلا فإن خبر الطبقة الأولى الناقلة لنا يكون في الحقيقة (خبر الطبقة الثانية عن الحادثة) لا الخبر عن نفس الحادثة، وكذا إذا تعددت الوسائط إلى أكثر من واحدة، فهذه الوسائط هي خبر عن خبر حتى تنتهى إلى الواسطة الأخيرة التي تنقل عن نفس الحادثة، فلابد أن تكون الجماعة الأولى خبرها متواتراً عن خبر متواتر عن متواتر وهكذا إذ كل خبر من هذه الاخبار له حكمه في نفسه.
 ومتى اختل شرط التواتر في طبقة واحدة خرج الخبر جملة عن كونه متواتراً وصار من أخبار الآحاد( [4] ).


[1] ـ بحوث في علم الأُصول 4 : 332 ـ 334.
[2] ـ دروس في علم الأُصول/الحلقة الثانية/270 ـ 271.
[3] ـ الأُصول العامة للفقه المقارن/195.
[4] ـ أصول الفقه 2 : 67 ـ 68.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo