< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 إن المراد من الخبر الواحد هو كل خبر لا يفيد العلم سواء كان واحداً حقيقة أو أكثر( [1] ).
 وينقسم خبر الواحد من حيث عدد المخبرين إلى خبر مستفيض وغير مستفيض، فالأول عبارة عما كان المخبرون ثلاثة أو أزيد كما في بعض التفاسير له، أو أزيد من ثلاثة كما فسّره آخرون( [2] ). والثاني وهو الخبر الذي يرويه واحد أو اثنين عن واحد أو اثنين حتى يصل إلى الإمام ().
 وهذا الخبر بكلا قسميه قد يكون راوية عدلاً أو ثقة وقد يكون راويه ضعيفاً، والكلام في حجيّة خبر الواحد بكلا قسميه الذي يرويه العادل أو الثقة، ولا يخفى أن العادل أخص من الثقة فكلّ دليل دلّ على حجيّة خبر الثقة فهو دليل على حجية خبر العادل أيضاً، إذ كل عادل ثقة دون العكس. كما يكفينا أن يكون دليل قطعي قام على حجيّة خصوص خبر العادل، مع وجود الخبر العادل الدالّ على حجية مطلق خبر الثقة.
 ثم إن المراد من الخبر هو الخبر مع الواسطة عن الواقعة وبدونها، لأن الدليل إن كان هو السيرة العقلائية (الدليل اللبّي) فهي قائمة على العمل بالخبر حتى مع الواسطة عن الواقعة، وكذلك إذا كان الدليل لفظياً (قرآن وسنة) فانه مطلق لحجية الخبر الموثوق بدون واسطة أو مع الواسطة.
 مستند القاعدة: وقد وقع خلاف عظيم في حجيّة خبر الثقة والخلاف يرجع عند الإمامية إلى الخلاف في قيام الدليل القطعي على حجيّة خبر الثقة وعدم قيامه وإلاّ فمن المتفق عليه عندهم أنّ خبر الواحد بما هو خبر مفيد للظن الشخصي أو النوعي لاعبرة به لأن الظنّ في نفسه ليس حجة عندهم قطعاً فالشأن كلّه عندهم في حصول هذا الدليل القطعي وعدمه.
 ما استدل به على عدم حجية خبر الثقة
 فقد استدل على عدم حجية خبر الثقة بالكتاب والسنة والإجماع.
 1 ـ أما الكتاب: فبقوله تعالى: وَلاَتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ( [3] ). وبقوله تعالى: إَنَّ الظَّنَّ لاَيُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً( [4] ) فأطلاق: عدم العلم والظن شامل لخبر الثقة أيضاً.
 والجواب: إن الآية الأولى قد تعلق فيها النهي بالاقتفاء بغير العلم لا مجرد العمل على طبق غير العلم، والاقتفاء عبارة عن الاتّباع والذهاب خلف الشيء وجعله سنداً ودليلاً بحيث يكون هو الداعي والمحرك للإنسان. وهذا كله صحيح وعقلائي في باب الظن الا أنه لا ينافي حجيته، فإذا جعلت الحجيّة له فيكون الاقتفاء للظن للعلم بالحجيّة ووجوب متابعته شرعاً لا لنفس الظن. على أن الآية أجنبية عن محل كلامنا لأن القفو في الآية قد فسّر بالبهتان والقذف والكلام خلف الشخص ويناسبه التعليل بقوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا.
 أما الآية الثانية: فإن سياقها تنديد بالكفار الذين يعوّلون على الظنون والتخمينات، أما إذا جعلت حجيّة للظن الخاص شرعاً، فيكون التعويل على العلم بالحجيّة واتباع الشارع لا نفس الظنّ حقيقة.
 على أن حجية خبر الثقة أو الامارات يكون اخص من عدم العلم والظن فإذا ثبتت الحجية خصصت الآيتان بغيرها، أي أن المنع من العمل بالظن مطلق، فإذا جاء دليل على حجية خصوص خبر الثقة قيّد ذلك المنع بغير ما دلّ الدليل على حجيّته.
 أقول: قد يقال كما ذكر ذلك السيد الخوئي () بأن هذه النواهي ليست مولوية أي ليست في مقام بيان عدم الحجيّة، بل هي إرشادية إلى حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمّن القطعي من تبعة التكاليف، فيكون مفادها النهي عن اتّباع غير الحجة لعدم حصول المؤمّن من اتباع غيرها، فليس لسانها في مقام اثبات أن أي شيء حجة وأي شيء ليس بحجة، وحينئذ فما دلّ على حجية خبر الثقة يكون العمل به حينئذٍ عملاً بعلم لأنه عمل بما دلّ على حجيّة خبر الثقة وهو دليل قطعي ومؤمّن قطعي( [5] ).
 أقول: والدليل على أنّ هذه الروايات للإرشاد هو إثبات المسؤلية في المرتبة السابقة على النهي، أمّا إذا كان النهي مولوياً في مقام بيان عدم الحجية لكانت المسؤلية بعده، بينما الآية الكريمة في قوله تعالى: وَلاَتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا ( [6] ، جلت المسؤلية قبل النهي، وكذا قوله تعالى: إَنَّ الظَّنَّ لاَيُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً( [7] ) حيث يكون المطلوب اتباع الحقّ والواقع، فالعلة لاتباع الظن المذموم في قوله تعالى «ان يتبعون إلّا الظنّ» هو عدم إغناء الظنّ عن الحقّ، فالذم للتباع الظنّ معلول، وقبله علته وهو عدم إغناء الظنّ عن الحقّ.
 2 ـ وأما السنّة: فهي عبارة عن طائفتين:
 الأولى: ما دلّ على النهي عن العمل بخبر لا يُعلم صدوره منهم () كما في الحديث المروي في بصائر الدرجات: «ما عُلم أنّه قولنا فالزموه، وما لم تعلموه فردوه الينا»( [8] ).
 الثانية: ما دلّ على النهي عن العمل بخبر لا يوافق الكتاب الكريم أو ليس عليه شاهد أو شاهدان منه أو أنه زخرف أو باطل أو اطرحه أو إرم به الجدار أو لم نقله وهي اخبار الطرح والعرض على الكتاب( [9] ) وهي أخبار متواترة بألسُن مختلفة.
 أما الطائفة الأولى: فلا يعقل جعل الحجيّة لها ليستدلّ بها على عدم الحجيّة لأنها خبر واحد لا ميزة له عن بقيّة الاخبار فيلزم من حجيته عدم حجيته. على أنها روايات ضعيفة السند ومعارَضة بما دلّ على حجيّة خبر الثقة القطعي كما سيأتي.


[1] ـ وأما الخبر المفيد للعلم فهو على قسمين، الخبر المتواتر الذي تقدم الكلام فيه والخبر الواحد المحفوف بقرائن توجب العلم بصدقة، ولاشك في أن مثل هذا الخبر حجة لأنه مع حصول العلم تحصل الغاية القصوى، إذ ليس وراء العلم غاية في الحجية واليه تنتهي حجيّة كل حجة.
[2] ـ راجع نهاية الأُصول: 487.
[3] ـ سورة الإسراء: 36.
[4] ـ سورة يونس: 36.
[5] ـ راجع غاية المأمول في علم الأُصول ج2: 142.
[6] ـ سورة الإسراء: 36.
[7] ـ سورة يونس: 36.
[8] ـ وسائل الشيعة باب 9 من أبواب صفات القاضي.
[9] ـ وسائل الشيعة باب 9 من أبواب صفات القاضي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo