< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: القاعدة: حجيّة الإجماع
 البحث الثالث: الإجماع المركب
 وقد قلنا أنه على صورتين:
 الأولى: إن كلا القولين ينفي القول الآخر بقطع النظر عن قوله، أي صاحب كلّ قول ينفي القول الثالث سواء كان قوله صحيحا أو لا، فهذا إجماع محصّل بسيط قد وجد إلى جنب الإجماع المركّب ينفي القول الثالث وهو يكشف عن الارتكاز المتشرعي المستند إلى دلالات السنّة فهو حجة.
 الثاني: إن كلّ قول ينفي القول الآخر بلحاظ قوله المستلزم لنفي غيره، أي إنّ كلّ قول عندما ينفي القول الثالث ليس له إلّا دليله على رأيه فلو شكّ في دليل قوله لشكّ في نفي القول الثالث، وهذا الإجماع لا يكشف عن ارتكاز متشرعي مستند إلى دلالات السنة، حيث إن قيمة احتمال صحة القول الأول النافي لغيره منفيّة بقيمة احتمال القول الآخر النافي لغيره، فالقيم الاحتمالية الموجودة لا تنفي القول الثالث على نحو الجزم واليقين.
 وبعبارة أخرى: مادام مختارنا في الإجماع البسيط المحصّل قائم على حساب الاحتمالات فإذا كان العلماء الذين انقسموا إلى قسمين كان عددهم ثلاثين عالماً وهم قد نفوا الرأي الثالث فإن كان احتمال خطأ الأول قد ضرب في احتمال خطأ القول الثاني وهكذا إلى الأخير لصار احتمال خطأ الجميع احتمالاً ضعيفاً لا يعتني به العقل البشري، ولكن هنا مادام نفي كلّ قول للرأي الثالث ليس كل إلّا الدليل على كلّ قول فهنا نكون قد خسرنا نصف العدد الذي كان كلّ العدد دخيلا في الكشف عن نفي الرأي الثالث، فبقى عندنا خمسة عشر ينفون القول الثالث وهو بحساب الاحتمال لا يحصّل القطع بنفي القول الثالث.
 ملحوظة:
 إذا ثبت أنّ الإجماع البسيط المحصّل حجة على إثبات الحكم الشرعي فهذا الإجماع يكون له معقد لفظي وله ظهور، ويكون له قدر متيقّن أخصّ من الظهور، والحجة هو القدر المتيقّن لا الظهور لمعقد الإجماع وذلك:
 لأنّ الاحتجاج بكلام أي شخص له أم عليه إنّما يكون بعد ثبوت أمران:
 الأوّل: ثبوت كون الكلام للشخصّ المعيّن.
 الثاني: ثبوت ظهور لهذا الكلام فيكون حجة له وعليه.
 أمّا إذا ثبت ظهور من الكلام ولم يثبت أنّ الكلام كلام للشخصّ فلا يكون هذا الظهور [1] حجة على الشخص أو له، وما نحن فيه من هذا القبيل إذ أنّه وجد ظهور للإجماع إلّا انّ هذا الظهور لم يثبت أنّه كلام المولى ، وحينئذ لا يجوز الأخذ بظهور معقد الإجماع، بل لابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن، لأنّه شهادة من قبل المجمعين على حكم الشرع، ولا دليل لنا على حجيّة ظهور شهادتهم على الحكم الشرعي، فنأخذ بالقدر المتيقّن لا بظهور معقد إجماع المجمعين.
 التطبيقات:
 1 ـ قال الشهيد الصدر: «وكمثال على ذلك إجماع الفقهاء المعاصرين لعصر الغيبة الصغرى أو بُعيدها إلى فترة كالمفيد والمرتضى والطوسي والصدوق وغيرهم، فإذا استقرّت فتواهم جميعاً على الحكم ولم يوجد بأيدينا ما يقتضي تلك الفتوى بحسب الصناعة، استكشفنا وجود مأخذ على الحكم المذكور بيدهم وذلك ببيان أنّ إفتاء أولئك الإجلاء من دون دليل ومأخذ غير محتمل في حقّهم (مع جلالة قدرهم وشدّة تورّعهم عن ذلك) مع أنّه لا يحتمل في حقّهم الغفلة عن القواعد الأولية المخالفة لتلك الفتوى، اذن لابدّ من وجود دليل استندوا فيه إلى فتواهم وليس الا أنّهم تلقّوا الحكم من الارتكاز العام الذي لمسوه عند الجيل الأسبق منهم (وهو جيل أصحاب الأئمة ()) الذين هم حلقة الوصل بينه وبين الأئمة (). وهذا الارتكاز عبارة عن مجموع دلالات السنّة من فعل المعصوم أو تقرير أو قوله (على إجمالها).
 وهذا الارتكاز لا يمكن أن نخطّأه لأنه أمر كالحِس فيحصل الوثوق والجزم بالحكم، فالإجماع عبارة عن هذا الارتكاز ليس إلاّ، والارتكاز عبارة عن سيرة المتشرعة( [2] )».
 وقد طبّق السيد الشهيد الصدر (قده) هذا الكلام الأصولي على فرع فقهي وهو وجوب الخمس في أرباح المكاسب فقال: «لو كان الحكم الواقعي هو عدم وجوب الخمس في أرباح المكاسب لشاع ذلك ولم يعقل وقوع الإجماع من الشيعة على الوجوب، فهذا الإجماع في مثل هذه الموارد ـ بالرغم من عدم الاعتماد في موارد أخرى على الإجماع المحتمل المدركية او المظنون المدركية ـ يكون دليلاً قاطعاً على الحكم الشرعي» [3] .
 الاستثناءات:
 1 ـ الإجماع المدركي أو محتمل المدركية: وهو ما إذا كان في مورد الإجماع دليل شرعي أو أصل يقطع أو يحتمل استناد المجمعين إلى ذلك الدليل أو الأصل، فيكون ذلك الإجماع مدركيّاً أو محتمل المدرك فلا يكون حجة.
 ومن ذلك ما ذكره السيد المحقّق الخوئي () في اشتراط العدالة في المرجع الديني فقال: «نعم، قد يستدلّ على اعتبار العدالة بالإجماع وفيه: أنه ليس من الإجماع التعبدي في شيء ولا يمكن أن يستكشف به قول الإمام () كاحتمال استنادهم في ذلك إلى أمر آخر( [4] ). والأمر الآخر قد يكون روايات من كان من الفقهاء حافظاً لدينه صائناً لنفسه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعباد أن يقلدوه».
 2 ـ إجماع المتأخرين: فقد ذكر السيد الخوئي ():
 في عدم صحة الأجازة بعد الردّ في العقد الفضولي فقال ما حاصله: «وكيف كان، فقد استدل على القول الأول بأمور: الأول: الإجماع وفيه: أنّه ضعيف جدّاً إذ لم يتعرّض لهذا الفرع فيما نعلم قبل الشهيد أحد من الأصحاب على أننا لو سلّمنا ذلك فلا مجال لإثبات كونه إجماعاً تعبديّاً، إذ من الممكن استناد المجمعين إلى ما يأتي من الوجوه( [5] ).
 والوجوه باطلة منها أن الإجازة بمنزلة القبول فيتم العقد بالإجازة، فكما أن رجوع الموجب قبل القبول لا يوجد مجالاً للقبول فكذا الرّد في عقد الفضولي يمنع من لحوق الإجازة وصحتها.
 وهذا باطل: لأن ردّ الموجب لا يجابه يمنع من لحوق القبول وهذا صحيح لعدم بقاء مجال لصدق العقد، لأن الركن الأول للعقد قد زال فلا يوجد شيء حتى ينضمّ إليه القبول.
 أما ردّ القابل مع بقاء التزام الموجب على حاله فلا يُبطل الإيجاب ولا العقد الذي يمكن لحوق الرضا به على ان الإجازة ليس قبولاً ولا بمنزلته .


[1] كما إذا قام الإجماع مثلاً على إكرام أهل العلم فمعقد الإجماع هو أهل العلم وظاهره كلّ من كان متلبّساً بالعلم، إلّا أنّ القدر المتيقّن هو المجتهدون من أهل العلم الذين لهم نظر واجتهاد.
[2] ـ راجع بحوث في علم الأُصول 4: 311 ـ 316.
[3] مباحث الأصول تقريرات الشهيد الصدر للسيد الحائري2: القسم الثاني: 288، وهذا التطبيق يكون لمن لم يفهم من الآية القرانية وجوب الخمس في كلّ غنيمة حتّى أرباح المكاسب او لم يتمّ له دليل من الروايات على وجوب الخمس فيها.
[4] ـ التنقيح (الاجتهاد والتقليد): 221.
[5] ـ مستند العروة الوثقى 2: 321.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo