< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: حجية القياس:
  3ـ حرّم الرسول () الخطبة على الخطبة فقال: لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب على خطبته والعلّة هي: إيذاء الخطيب أو البائع الأول وإثارة حقده وثوريث عداوته. وهذا المعنى متحقق في استئجار الأخ على استجار أخيه، فيحرم قياساً على تحريم الخطبة على الخطبة( [1] ).
 أقول: ان النهي الوارد في الدخول على مساومة الأخ، والنهي عن الدخول على خطبة الأخ ظاهره التحريم، الا أن الارتكاز القائل بان السلعة ما لم تُبع يجوز لمالكها ان يبيعها على من أراد ويجوز للفرد أن يقدم على شرائها وان كان هناك من أقدم على شرائها، وكذا الاتكاز القائل بان المرأة ما لم تتزوج ويعقد عليها لها الحق في اختيار أي زوج والرجل له الحق أن يختار أيّ أمرأة ويطلب يدها ما لم تكن مزوّجه، كل هذا إذا ضمّ إلى النهي عن الدخول على الخطبة أو على المساومة، يدلّ على أنّ النهي هو للكراهة، لأن الجواز في هذه الموارد صريح، فالنهي يحمل على الكراهة، وإذا علمنا ملاك الكراهة فنسريه إلى الأجارة أيضاً، واما إذا ظننا بملاك الكراهة فلا يمكن تسريته إلى الأجارة، فالكلام في معرفة الملاك.
 4ـ قاس البعض ولاية الأب في نكاح ابنته الصغيرة على ولايته على مالها بجامع الصغر إذ ظنّ أنّ الصغر هو علة الولاية على المال فقال: «يثبت ولاية النكاح على ابنته البكر الصغيرة كما يثبت له عليها ولاية المال (بجامع الصغر) في كل من الولايتين، فالوصف وهو الصغر أمر واحد والحكم «الولاية» جنس يجمع ولاية النكاح وولاية المال معاً، ولم يدل النصّ والإجماع على أنّ الصغر علة لولاية النكاح، ولكنّ الشارع اعتبره على في الولاية على المال في قوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ» [2] ، وهي تتضمن ولاية من الشارع بالاعتبار والولايتان من جنس واحد وهما نوعان من التصرّف يخالف أحدهما الآخر في حقيقته» [3] .
 أقول: ثبت ولاية الأب على زواج ابنته الصغيرة والكبيرة معاً بنصوص من أئمّة الهدى (ع) ,امّا أهل السنّة فحينما لم يأخذوا بهذه الروايات أعيتهم السبل إلى التماس دليل على ذلك ولابدّ لهم من دليل على الولاية فذهبوا إلى القياس وخصّوه بالصغيرة فلاحظ.
 5 ـ وقد مثل للقياس في الحدود بالنباّش حيث قيس على السارق بجامع أخذ مال الغير خفيّة، فيقطع النباّش كما يقطع السارق، وقاسوا اللائط على الزاني بجامع الإيلاج في فرج محرّم مشتهى فيحدّ اللائط كما يحدّ الزاني( [4] ).
 أقول: فرق واسع بين السارق الذي تقطع يدُه إذا توافرت شروط القطع في السرقة وبين النباّش حيث لم تتوفر في نبشه شروط السرقة الموجبة للقطع، وكذا اللائط فان له حكماً مخالفاً للزاني في الشريعة أشدّ منه وهو منصوص، ولكن بما أن أهل السنة لا يرجعون إلى رواية أئمة أهل البيت () فوجدوا ان اللائط لا نصّ فيه فاضطروا على قياسه بالزاني، وهذا صير إليه لقلّة بضاعتهم في الفقه المنصوص توسط الأئمة وأعراضهم عن روايات أئمة الهدى.
 6 ـ وقد مثلّ للقياس في الكفارات، فقاسوا قتل العمد على قتل الخطأ بجامع إزهاق الروح في كل منهما لاثبات الكفارة في قتل العمد كما هي ثابتة في قتل الخطأ. وقاسوا الأكل في نهار شهر رمضان عمداً على الجماع بجامع انتهاك حرمة الشهر في كلّ منهما لإثبات الكفارة في الأكل كما هي ثابتة في الجماع( [5] ).
 أقول: النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) صرحت بوجوب الكفارة في الإفطار عمدا أكلا كان أو جماعاً، ولكن الفرق بين الأكل والإفطار غير الجماع والجماع هو تعدد الكفارة بتعدد الثاني دون الأول فلا حاجة إلى القياس لإثبات الكفارة عند الأكل عمدا في نهار شهر رمضان عند الإمامية، ولكن أهل السنة حيث لم يعتمدوا على أخبار أئمة أهل البيت ولا يمكنهم الفتوى بعدم الكفارة في الأكل اضطروا إلى إثباتها بالقياس الظني لقلة بضاعتهم الفقهية في الاستدلال، وإذا صحّ قياسهم «وهو لا يصح» فيجب أن يقول بتعدّد الكفارة في تعدّد الأكل كما ورد تعدّد الكفارة بتعدّد الجماع.
 7 ـ وقد مثلّ للقياس في الرخُص، فقد قاسوا النجاسات على الاستنجاء في الاقتصار على الأحجار لإزالة النجاسة لجامع أزالة النجاسة فان الاقتصار على الأحجار دون الماء في الاستنجاء رخصة من أظهر الرخص( [6] )
 أقول: ان الدليل ورد في الاكتفاء بإزالة عين النجاسة في الحيوانات فقط، وهذا دليل على ان إزالة عين النجاسة (كل نجاسة) خاص بالحيوانات، بينما ورد النصّ في تطهير النجاسات بالماء حيث جاء اغسله أو اغسله بالماء حيث حمل المطلق على المقيّد وحينئذٍ يكون الاقتصار على الاستنجاء بالأحجار دون الماء رخصة فيه فقط لا تسري إلى بقيّة النجاسات.
 8 ـ وقد مثلّ للقياس في الشروط فقاسوا طهارة المكان على طهارة الستر في الشرطية للصلاة بجامع أن في كل منهما تنزيه عبادة الله تعالى عمالا يليق. وقياس الوضوء على التيمم في شرطية النية، بجامع ان كلّ طهارة مقصودة للصلاة( [7] ).
 أقول: بالنسبة لطهارة المكان يحتاج إلى دليل على ذلك، فالمكان غير اللباس الذي يصلي فيه ولذا فرقوا بين اللباس اشترطوا فيه الطهارة تبعا للدليل وبين المكان فلم يشترطوا طهارة غير المسجد (مكان السجود) لورود الدليل فيه دون بقية المكان إن لم تكن النجاسة مسرية للباس، واما النية «القصد» فكل عمل لابدّ أن يكون مسبوقاً بالنية تيمما أو وضوءاً وبما انه عبادة فلابد فيه من نية القربة.
 9 ـ وقد مثل للقياس في الموانع فقد قاسوا النفاس على الحيض في المانعية من صحة الصلاة بجامع أن في كلّ منهما أذى لا يناسب العبادة( [8] ).
 أقول: ان علماء الإمامية ساووا بين الحيض والنفاس للإجماع أو للأدلة القائلة بان النفاس حيض محتبس.


[1] ـ المصدر السابق.
[2] النساء: 6.
[3] المنهاج الواضح في علم أصول الفقه وطرق استنباط الأحكام لعبد المجيد عبد الحميد الديباني2: 222.
[4] ـ أصول الفقه الإسلام / د. وهبه الزحيلي ج1 / 707، لقد ذكر صاحب كتاب المنهاج الواضح في علم أصول الفقه أنّه: «استدل جمهور الأصوليين بأنّ الدليل الذي يدلّ على حجّية القياس يتناول الحدود والكفارات لعمومه إذ أنّه ليس مختصّاً بغيرهما، فوجب العمل بالقياس فيهما، ويتبيّن ذلك من صور اتفاق الصحابة على العمل بالقياس في كثير من الوقائع... وأيضاً قد جرى قياس القتل بالمتصل على القتل بالمحدّد في باب القصاص، وقياس قطع النباش على قطع السارق، فإنّ العلة والحكمة فيهما معلومتان» الواضح في علو أصول الفقه2: 225.
[5] ـ أصول الفقه الإسلام / د. وهبه الزحيلي ج1 / 707، فقد قالوا: «جاء أعرابي إلى النبي (ص) فقا له: هلكت يا رسول الله! فقال له النبي (ص) ما صنعت؟ قال: واقعت أهلي في نهار رمضان، قال له: اعتق رقبة»، فقالوا لا خصوصية للأعرابي ولا خصوصية لكون المرأة أهلاً فألحقوا به الزنا، ولا خصوصية لشهر رمضان إذا كان الصوم واجباً فيجب العتق لمن جامع ولو في غير رمضان وهو صائم، وهذا كلّه لا بأس به من باب إلغاء الخصوصية، إلّا أنّهم قالوا أنّ علة الحكم المظنونة هي الإفطار فحكموا بها في كلّ مفطر استنادا إلى هذا الحديث.
[6] ـ أصول الفقه الإسلام / د. وهبه الزحيلي ج1 / 707.
[7] ـ المصدر السابق، ج 1: 710.
[8] ـ أصول الفقه الإسلامي 1: 710 ـ 713.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo