< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة العقلية
 مجرى البراءة:
 ثم «إنّ مجرى البراءة إنّما هو الشك في التكليف وهو على أقسام، لأن الشك قد يكون في التكليف النفسي الاستقلالي، وقد يكون في التكليف الغيري، وعلى كلا التقديرين قد تكون الشبهة حكميّة وقد تكون موضوعية.ومثال الشبهة الحكمية: أن يكون الشك في الحكم الظاهري (لا الواقعي كالشك في عدد ركعات الصلاة) وكان الشك في الحكم الكلي للشيء كالشك في حرمة التدخين أو الشك في ان التدخين من المفطرات للصوم أو الشك في نجاسة عصير العنبي إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه عند وجود النهي عن شربه في تلك الحالة. ومثال الشبهة الموضوعية: ان يكون الشك في الحكم الظاهري وان يكون الشك قد تعلق بموضوع خارجي كالشك في طهارة ماء معيّن، أو الشك في أن هذا المائع المعين خلّ أو خمر.
 والشبهة الحكميّة قد تكون وجوبية وقد تكون تحريمية «كالشكّ بين الواجب وغير التحريم، أو الشكّ بين الحرمة وغير والوجوب»، ومنشأ الشك في الشبهة الحكمية تارة يكون فقد النصّ وأخرى اجمال النصّ وثالثة يكون تعارض النصين»( [1] ).
 أقول: ان المقصود بالبحث هنا هو حكم الشبهة الحكمية وان تُعرّض للشبهات الموضوعية وحكمها فهو من باب الا ستطراد الذي تقتضيه طبيعة البحث باعتبار أن هذه الأصول تعمّ الشبهات الحكمية والموضوعية في جريانها والا فالبحث عن حكم الشبهة الموضوعية من مسائل الفقه وليست من عمل الأصولي، لأنّ الأصول يبحث عن القواعد الكليّة.
 توهم: قد يتوهم أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان تختصّ بالشبهات الحكمية ولا تعمّ الموضوعية لأنّ موضوع القاعدة هو عدم البيان من الشارع أصلاً أو ورود بيان مع عدم وصوله إلى المكلّف، أمّا في الشبهة الموضوعية فإنّ البيان الذي هو وظيفة الشارع قد ورد ووصل إلى المكلّف فقد قال الشارع مثلاً الخمر محرّم والميتة حرام، وأمّا كون هذا هو خمر أم لا؟ وهذا هو ميتة أم لا؟ فهو لا يكون من وظيفة الشارع، فالشبهة في الصغرى مع العلم بالكبرى لا يجعل مجالاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل يجب التمسّك بقاعدة الاشتغال، لأنّ العلم بالكبرى المعلومة الواصلة يقتضي العلم بالفراغ عقلاً، وهذا يقتضي التجنّب عن موارد الشبهة الموضوعية [2] .
 ويرد عليه: أنّ مجرّد العلم بالكبرى المجعولة لا يكفي في تنجّزها وصحّة العقوبة مع مخالفتها ما لم يعلم بتحقّق صغرياتها خارجاً، لأنّ تنجّز التكليف الذي تدور صحّة العقوبة عليه إنّما يكون بعد فعلية الخطاب، وفعلية الخطاب إنّما توجد بوجود الموضوع خارجاً، «بالنسبة للتكاليف التي لها تعلّق بالموضوعات الخارجية» [3] كحرمة شرب الخمر وحرمة تناول الميتة أو حرمة صنع الخمر من العنب أو الزبيب أو التمر أو وجوب استقبال القبلة في الصلاة أو الذبيحة ووجوب اكرام العالم» والسرّ في عدم إمكان أن يكون الخطاب فعلياً إلّا بعد وجود الموضوع هو أنّ التكاليف الشرعية إنّما تكون على نحو القضايا الحقيقية التي تنحلّ إلى قضية شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها عنوان المحمول، فلا بدّ من فرض [4] وجود موضوع في ترتّب المحمول، فإن شكّ في وجود الموضوع خارجاً شكّ في فعلية التكليف فلا يكون أثر للعلم بتشريع الكبرى مع عدم العلم بانضمام الصغرى إليها حيث يكون وجود الصغرى والموضوع خارجا ممّا له دخل في فعلية الكبرى.
 إذن قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما تجري في الشبهات الحكمية تجري في الشبهات الموضوعية، إلّا أنّها لا تجري في الشبهات الحكمية إلّا بعد الفحص؟، إمّا في الشبهات الموضوعية فلا يجب الفحص، فلاحظ.
 أقول: تقدّم منا أنّ الأصل اللفظي كالعام إذا خصّص كما إذا ورد اكرم العلماء ثمّ ورد لا تكرم فسّاق العلماء فإذا وجدنا عالماً غير فاسق فيجب إكرامه، وإن وجدنا عالماً فاسقاً فلا يجب إكرامه، وإن شككنا فيه أنّه فاسق أم لا فلا يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وذلك لأنّ اللفظ العام إذا خصّص يكون جزء الموضوع هو العام وجزؤه الآخر هو الخاص، فما لم يوجد الموضوع خارجاً لا يجب الإكرام، لأنّ الدليل لا يتكفّل وجود الموضوع، بل الدليل يتكفّل بيان الحكم على تقدير وجود الموضوع، أمّا المصداق المشتبه فلم يعلم أنّه من مصاديق العام أو مصاديق الخاص؟ن فلا يجوز التمسّك بأصالة العموم لإثبات كون من مصاديق العام إذا أردنا التمسّك بالعام في مورد الشكّ، فهذا يعني أنّ العام أصبح متكفّلاً لوجود مصاديقه وهو غير صحيح.
 أمّا في الأصل العملي «كقاعدة قبح العقاب بلا بيان» أو قاعدة «الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني» فإنّ المصداق المشتبه للبيان كما إذا قال: يحرم عليك الخمر، واشتبه علينا أنّ هذا السائل خمر أو لا؟ ولا دليل على بيان حكمه فلا بدّ أن ينتهي الأمر إلى أحد الأصول العملية ولا أقل من البراءة او الاشتغال، إذن يجوز التمسّك بالأصل العملي عند الشكّ في المصداق.


[1] ـ فرائد الأصول 3: 328.
[2] فوائد الأصول3: 389, وما بعدها.
[3] أمّا التكاليف التي ليس لها تعلّق بموضوع خارجي كالصلاة حيث إنّ أجزاءها الأفعال والأقوال الصادرة من جوارح المكلّف من دون أن يكون لها تعلّق بموضوع خارجي وكذا الغناء والكذب ونحوهما، فهنا لا يعتبر فعلية التكليف إلى المكلّف الواجد للشرائط العامة والخاصة المعتبرة في التكليف سواء علم به المكلّف أم لم يعلم، لأنّ العلم ليس له دخل في فعلية التكليف، نعم بعد العلم به يتنجّز التكليف وتصحّ العقوبة على المخالفة، وهناك لا يتصوّر تحقق الشبهة الموضوعية.
[4] أي لابدّ من فرض وجود الموضوع في ترتّب المحمول أي أمّا أن يوجد الموضوع خارجاً بالعلم به فيأتي المحمول أو نفرض وجوده خارجياً فيأتي الحكم عليه، أّمّا إذا شكّ في وجود الموضوع فلا يأتي الحكم لأنّ الحكم هو بعد تحقّق الموضوع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo