< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة العقلية
 تقدم أنّ: كل من القاعدتين كبروي لا يتكفل لإحراز موضوعه، بل لابدّ من إحرازه من الخارج لا من نفس القاعدة، كما هو واضح، وكلّ منهما صالح لرفع موضوع الآخر، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر»( [1] ).
 والجواب:
  1) ان الدليلين القطعيين سنداً ودلالة وجهة يستحيل وقوع المعارضة بينهما لاستلزامه التناقض المستحيل تحققه، وبما انّ القاعدتين عبارة عن حكمين عقليين، فيستحيل وقوع المعارضة بينهما لاستلزامه حكم العقل بثبوت المتناقضين (العقاب وعدمه) في مورد واحد وهو محال.2) وعلى هذا، يقال في جواب الإشكال: بأنّ مورد كلّ من القاعدتين مختلف عن الآخر فلا معارضة بينهما وذلك «لأن مورد وجوب دفع الضرر المحتمل (العقاب الأخروي المحتمل) فرع وصول التكليف تفصيلا أو اجمالا بنفسه أو بطريقه كما في أطراف العلم الإجمالي، والشبهة قبل الفحص وموارد وجوب الاحتياط الشرعي كما في الفروج والدماء فان أدلة الاحتياط فيها توجب العقاب في محتمل التحريم ومورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان هي الشبهة بعد الفحص واليأس عن الحجّة على التكليف، فلا توارد بين القاعدتين في مورد واحد أصلاً»( [2] ).
 اذن النسبة بين القاعدتين هي التباين.
  وان كان المراد من الضرر: هو الضرر الدنيوي، فلا استقلال للعقل بلزوم دفعه، فانه ممنوع. نعم لو لم يكن الوقوع في الضرر الدنيوي المحتمل لغرض عقلائي يكون إيقاع النفس فيه أمر سفهيّاً ولكن لا بمرتبة يلزم العقل بتركه بحيث يكون بقاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع حراما( [3] ).ثم لو سلمنا ادراك العقل لقبح الإلقاء في الضرر الدنيوي المحتمل فليس في ارتكاب محتمل الحرمة أو محتمل الوجوب ضرر دنيوي أصلاً اما في ترك محتمل الحرمة فظاهر لأن من يشرب ماء الغير لا يبتلي بوجع الرأس أو البطن فكيف بمن يشرب محتمل الحرمة، فلا يكون ارتكاب الحرام القاء في الضرر الدنيوي.
 واما في ترك محتمل الوجوب فكذلك لأن في ترك الواجب ليس الا ذهاب النفع ففي ترك محتمل الوجوب ليس الا احتمال ذهاب النفع أيضاً فلاحظ.
 تنبيهان:
 1ـ الظاهر «ان النزاع المعروف بين الأصوليين والاخباريين [4] في مسألة البراءة إنّما هو في الصغرى وفي تمامية البيان من قبل المولى وعدمه فالأخباريون يدعّون ان أخبار الاحتياط صالحة للبيان، فمع وجودها يرتفع موضوع اللابيان.
 واما الكبرى ـ وهي عدم كون العبد مستحقاً للعقاب على مخالفة التكليف مع عدم وصوله إلى المكلف ـ فهي مسلّمة عند الجميع، ولم يقع فيه نزاع بين الأصوليين والاخباريين، كيف؟ وان العقاب على مخالفة التكليف غير الواصل من أوضح مصاديق الظلم»( [5] ) (عند المشهور).
 أقول: على هذا يتبين ان المخالف في هذه المسألة هو الشهيد الصدر الذي يقول بحق الطاعة (عند الشك في الحكم) عقلا أي ان النزاع الذي يُذكر بين الأصوليين والاخباريين في هذه المسألة العقلية غير صحيح لأن الإخباريين (بناء على هذا الذي ذكرناه) أيضاً يقولون بالبراءة العقلية الا انهم يرون ورود البيان باخبار الاحتياط.
 2) مما يحسن التنبية عليه هو «أنّ الرجوع إلى الأصول العملية (ومنها البراءة التي نحن بصددها) إنّما يصح بعد الفحص واليأس من الظفر بالامارة على الحكم الشرعي في مورد الشبهة، ومنه يعلم أنه مع الأمل ووجود المجال للفحص لا وجه لاجراء الأصول والاكتفاء بها في مقام العمل، بل اللازم أن يفحص حتى ييأس: لأن ذلك هو مقتضى وجوب المعرفة والتعلم، فلا معذّر عن التكليف الواقعي لو وقع في مخالفته بالعمل بالأصل لاسيّما مثل أصل البراءة»( [6] ).أي «إن الأخبار الدالّة على وجوب التعلّم تعتبر مقيّدة لإطلاق دليل البراءة، ومثبتة أنّ الشكّ بدون فحص وتعلّم ليس عذراً شرعاً»( [7] ).
 التطبيقات:
 1 ـ قال الصدوق (): «اعتقادنا أنّ الأشياء على الإباحة حتى يرد النهي»( [8] ).وإطلاق عبارته يشمل البراءة العقلية [9]
  [10] . ويُستظهر من عبارته هذه أنه دين الإمامية، لأنه لا يعبّر بمثل هذه العبارة مع مخالفتهم له، بل يقول: «الذي اعتقده وأفتي به». فما لم يرد نهي من الشارع عن شيء نحن على الإباحة عند الشك في حكم الشارع. والمراد بالشك هو الأعم من تساوي الطرفين فيشمل الظن غير المعتبر لأن الظن غير المعتبر هو شك في الحقيقة من ناحية أنه لا يرفع حيرة المكلف باتباعه فهو شاك في فراغ الذمّة.
 2 ـ نقل الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول عن السيد المرتضى والسيد ابن زهرة فقال: وأما السيدان فقد صرّحا باستقلال العقل بإباحة مالا طريق إلى كونه مفسدة، وصرّحا أيضاً في مسالة العمل بخبر الواحد أنه متى فرضنا عدم الدليل على حكم الواقعة رجعنا فيها إلى حكم العقل( [11] ).وإطلاق كلامهم لحكم العقل يشمل البراءة العقلية.
 3 ـ قال الحلّي في أول السرائر: بعد ذكر الكتاب والسنّة والإجماع: فإذا فقدت الثلاثة فالمعتمد في المسائل الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة التمسك بدليل العقل فيها( [12] ).وقال الشيخ الأنصاري معلّقا على عبارة ابن إدريس: ومراده بدليل العقل كما يظهر من تتبع كتابه هو أصل البراءة( [13]
  [15] ).4 ـ إذا شك في حرمة شرب التتن أو في وجوب صلاة الخسوف... فالشك الأول هو مجرى البراءة العقلية والبراءة الشرعية عند المشهور( [16] ).5 ـ لو كان وجوب إكرام الإنسان مقيّداً بالعدالة، ويعلم أن هذا عادل ويشك في أنّ ذاك عادل... وعلى هذا تجري البراءة (في هذا المثال) لأن الشك شك في الوجوب الزائد، فلا يجب أن تكرم من تشكّ في عدالته( [17] )، (عند المشهور).


[1] ـ مصباح الأصول 2: 283 ـ 284.
[2] ـ مصباح الأصول 2: 287، الكفاية: 390.
[3] ـ راجع غاية المأمول، ج2 : 242.
[4] يلوح من كلام المحدّث الاسترابادي في الفوائد المدنية (139) جريان الاحتياط في الشبهة الوجوبية كما إذا دار الأمر بين الوجوب وغير التحريم، وفي الشبهة التحريمية إذا دار الأمر بين الحرمة وغير الوجوب، أمّا الوحيد البهبهاني فإنّه حكى عن الإخباريين في الفوائد الحائرية (105) جريان الاحتياط في الشبهة التحريمية فقط، أمّا الشبهة الوجوبية فتجري فيها البراءة، وهذا الذي حكاه عنهم الوحيد البهبهاني هو المعروف والمنسوب إليهم.
[5] ـ مصباح الأصول 2: 254، وراجع نهاية الأفكار 3: 199 ـ 200.
[6] ـ أصول الفقه للمظفر 3: 272.
[7] ـ دروس في علم الأصول الحلقة الثانية / 392.
[8] ـ الاعتقادات المطبوعة مع الباب الحادي عشر(الطعبة الحجرية): 63.
[9] نعم ذكر السيد الشهيد الصدر أن كلام الصدوق قابل للانطباق على الاباحة الثابتة بالنصوص، ولا يعقل ولا يظنّ أن يكون نظره إلى قاعدة عقلية في المقام،.
[10] أقول: إنّ اطلاق كلامه يشمل البراءة العقلية والنقلية معاً.
[11] ـ فرائد الأصول 1: 52.
[12] ـ السرائر 1: 46 من مقدمة المؤلف.
[13] ـ فرائد الأصول 2: 54، أقول: إنّ السيد الشهيد الصدر ذكر أنّ مرادهما من القاعدة العقلية ليس هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق، ودليله على ذلك أنّ من جاء بعدهما قد أشكل عليهما فقال: لماذا لا يطاق التكليف بغير المعلوم؟! بل يطاق امتثاله ولو بالاحتياط.
[14] وكذا أنّ الشيخ الأنصاري تعرّض لكلام ابن زهرة ووجّهه بأنّ المقصود من التكليف بما لا يطاق، التكليف بما لا يطاق امتثاله بقصد الامتثال، لأنّه مع الشكّ لا يتحقّق قصد الامتثال.
[15] أقول: إنّ إشكال الغير على السيدين وتوجيه الشيخ لكلام ابن زهرة لا يعني أنّ السيدين لم يقصدا من كلامهما بالبراءة العقلية هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فلاحظ, بل نقول: إنّ ظاهر عبارتهما هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولهذا سيكون هذا دليلا على أنّ القاعدة قد ذكرت قبل الوحيد البهبهاني بعنوان البراءة العقلية، لا بلفظ آخر.
[16] ـ دروس في علم الأصول / الحلقة الثانية / 393. وراجع فرائد الأصول 2 / 18.
[17] ـ دروس في علم الأصول / الحلقة الثانية/ 394.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo