< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة العقلية
 الاستثناءات:
 1) إذا كان في المقام أصل حاكم على أصالة البراءة فلا تجري أصالة البراءة وذلك قال السيد الخوئي () في مصباح الأصول: لأن «موضوع البراءة العقلية، هو عدم البيان... وعليه فكلّ ما يكون بيانا ورافعاً للشك ولو تعبدا يتقدم عليها بالورود أو الحكومة من غير فرق بين ان تكون الشبهة موضوعية، كما لو علم بخمرية مائع ثم شك في انقلا به خلاّ، فان استصحاب الخمرية، يرفع موضوع أصالة البراءة عن حرمة شربه، أو تكون حكمية كما إذا شكّ في جواز وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال فان استصحاب الحرمة السابقة على تقدير جريانه يمنع عن التمسك بأصالة البراءة»( [1] ).
 وقال المحقق العراقي في نهاية الأفكار: «ومن ذلك ما لو شك في الحكم الوجوبي أو التحريمي لأجل الشكّ في النسخ، فانه تجري فيه أصالة عدم النسخ، وبجريانها لا يبقى مورد لأصالة الإباحة والبراءة عن التكليف. ومنه أيضاً ما لو شك في حلّ أكل لحم حيوان من جهة الشك في تذكيته مع عدم كونه في سوق المسلمين ولا في يد المسلم، حيث إنه مع جريان أصالة عدم التذكية لا تجري فيه أصالة الحلّ والبراءة»( [2] ).
 وكذا لو شككنا في اعتبار الذبح بالحديد وعدمه، فالمرجع أصالة عدم التذكية للشك في تحققها وهذا شبهة حكميّة.
 2) لا تجري البراءة مع وجود أماره معتبرة لتقدم الامارات على الأُصول قال المحقق النائيني لأن «الامارات انما تكون رافعة للشك الذي أُخذ موضوعا في الأُصول العملية لا رافعاً وجدانيا بنفس التعبدّ بالامارة، بل رافعاً تعبدّيا بثبوت المتعبّد به»( [3] ).
 3) لا تجري أصالة البراءة في الشك في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي قال المحقق الخوئي (): «كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائين، فان الأصل الجاري في كلّ منهما ابتداءً هي أصالة الطهارة، وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحلّ في الطرفين، والعلم الإجمالي كما يوجب تساقط الأصلين الحاكمين [4]
  [5] كذلك يوجب تساقط الأصلين المحكومين أيضاً بملاك واحد، وهو كون جريان الأصل (أصالة الحِل) في الطرفين مستلزما للترخيص في المعصية، وفي أحدهما ترجيحا بلا مرجح.
 و «كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائين أو غصبية الآخر... فأن الأصل الجاري في أحد الطرفين - وهو المائع المحتمل غصبيته - وهو أصالة الحل - والأصل الجاري في الطرف الآخر - وهو المائع المحتمل نجاسته ـ هو أصالة الطهارة، ويترتب عليها جواز الشرب، والعلم الإجمالي بوجود الحرام يمنع من جريانهما لا لخصوصية فيهما، بل لأن جريانهما مستلزم للترخيص في المعصية، فكما أنّ أصالة الطهارة المترتب عليها جواز الشرب إذا انضمّت إلى أصالة الحلّ في الطرف الآخر لزم الترخيص في المعصية، كذلك أصالة الحل إذا انضمت إليها أصالة الحلّ في الطرف الآخر، فإذا اعلم حرمة أحد المائعين كان الترخيص في كليهما ترخيصا في المعصية، وفي أحدهما ترجيحا بلا مرجحّ، سواء كان الترخيص بلسان الحكم بالطهارة المترتب عليه الحليّة أو بلسان الحكم بالحليّة من أول الأمر»( [6] ).
 4) إذا كان الشك في التكليف للشك في قيده العقلي وهو القدرة، فيجب الاحتياط حتى يُعلم بالتعذّر المسقط للتكليف، والظاهر عدم الاشكال فيه بينهم، ولا يبعد ان يكون الوجه فيه بناء العقل على لزوم الاحتياط فيه نظير بنائهم على لزوم الاحتياط مع الشك في الفراغ، لأنه بعد فرض ثبوت الملاك فليس التعذّر الا من سنخ الأعذار والموانع التي لا يصح الاتكال عليها الا بعد أحرازها ولا يكتفى باحتمالها عندهم في قبح العقاب ورفع مسؤولية الخطاب( [7] ).
 5) لا تجري البراءة مع الشك في الأعذار الشرعية (كالحرج والضرر ونحوهما) الذي يكون ارتفاع التكليف معه تخفيفا من الشارع توسيعا للقدرة المعتبرة، فيكون الضرر والحرج عذراً شرعيا كالتعذر العقلي، فلا يسوغ الاكتفاء بالبراءة باحتمال الضرر أو الحرج بحسب مرتكزات المتشرعة فحينئذٍ إذا احتمل الضرر من التكليف أو الحرج فلابدّ من الاحتياط وعدم جريان البراءة( [8] ).
 أقول: الرابع والخامس هما شيء واحد إذ كلاهما شك في العذر المانع من التكليف ولابدّ من أحرازه لرفع اليد عن التكليف، بالإضافة إلى ان هذين الاستثنانين راجعان إلى الاستثناء الأول لو كان هناك وجوب سابق وشك في العذر الذي أوجب الشك في التكليف إذ يستصحب التكليف فيكون الاستصحاب دليلا على رفع موضوع البراءة.
 نعم يكون استثناء واحد لو شك في التكليف ابتداء للشك في القدرة حيث يكون عدمها عذراً شرعيا، فلابدّ من أحراز العذر، ومن دون أحرازه يحكم بالاحتياط. فلاحظ.


[1] ـ مصباح الأصول 2: 309.
[2] ـ نهاية الأفكار 3: 255.
[3] ـ فوائد الأصول 3: 327.
[4] هناك موارد لسقوط الأصل الحاكم ولم يسقط الأصل المحكوم مثال ذلك: لو علم بنجاسة شيء في زمان وطهارته في زمان آخر وشكّ في المتقدم منهما، فإنّه بعد تساقط الاستصحابين بالمعارضة يرجع إلى قاعدة الطهارة، ومنها ما لو علم حلية شيء في زمان وحرمته في زمان آخر وشكّ في المتقدم منهما، فإنه بعد تساقط الاستصحابين يرجع إلى أصالة الحل، فهنا رجعنا إلى الأصل المحكوم بعد سقوط الأصل الحاكم.
[5] وكذا إذا علم إجمالاً بوقوع نجاسة في الماء أو على الثوب، فإنّ الأصل الجاري في كل منهما «مع قطع النظر عن العلم الإجمالي» هو أصالة الطهارة، ولا إشكال في سقوطهما وعدم جريانها في كلا الطرفين، فلا يجوز التوضؤ بالماء ولبس الثوب في الصلاة، ولكن العلم بالنجاسة لا أثر له في حرمة لبس الثوب حتّى مع العلم التفصيلي بالنجاسة، فيبقى شرب الماء محتمل الحرمة فتجري فيه أصالة الحلّ، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الأصل الجاري في كلّ منهما بالطهارة إذا سقط كذلك يسقط أصالة الحلّ في كلّ منهما لأنّ ملاك السقوط في الأوّل والثاني واحد وهو الترخيص في المعصية وهو لا يجوز، راجع مصباح الأصول 2: 356.
[6] ـ مصباح الأصول 2: 359.
[7] ـ راجع المحكم في أصول الفقه / للسيد محمد سعيد الحكيم 4: 167 ـ 168.
[8] ـ المصدر السابق 4: 168.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo