< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة الشرعية
 ولا يقال: على هذا ستكون الآية دالةً على تقييد الاحكام بالعالمين بها وهو غير صحيح، فاننا نقول: ان المراد من وصول التكليف ليس هو العلم، بل هو ان يكون في معرض الوصول إذا بحث عنه وإذا كان في معرض الوصول فهو حجةً على العباد (علموا به أو لم يعلموا) فلا يلزم تخصيص الاحكام بالعالمين بها. على ان البراءة الذي نتكلم عنها عند الشك في التكليف هي البراءة الظاهرية أي رفع التكليف ظاهراً لا واقعاً بمعنى عدم وجوب الاحتياط والتحفظ والتكليف الواقعي هو مشترك بين الجاهل والعالم، أما التكليف الظاهري فلا، إذ هو للشاك في الحكم فقط فلاحظ.2) قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً( [1] ). «وتقريب الاستدلال بالآية الكريمة، أنها تدلّ على أن الله تعالى لا يعذب حتى يبعث الرسول، وليس الرسول الاّ كمثال للبيان، فكأنه قال: لاعقاب بلا بيان»( [2] ).لا يقال: نفي العقاب لا يدلّ على نفي الاستحقاق ونفي العقاب اعم من المقصود، وهو عدم الالزام لاننا نقول: إن الآية في صدد بيان ان المنفي وهو العقاب ليس من شان المتكلم ومما لا ينبغي له فإنّ المتكلّم لم ينف العذا ب ولم يقل لا أعذّب، بل قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ، فالنفي داخل على مادّة الكون، «فكأنه قال ان العقاب قبل بعث الرسل مما لا ينبغي ان يصدر من الله»، فاللسان من ألسنة الترخيص والإباحة ورفع المسؤولية عرفا.وقد يقال: إنّ المراد من العذاب المنفي هو الدنيوي الواقع في الأمم السابقة، وليس المنفي العذاب في الآخرة، وهذا الأخير هو المفيد في البراءة، والشاهد على كون المنفي العذاب الدنيوي للأمّم السالفة هو التعبير بصيغة الماضي وَمَا كُنَّا.والجواب:1ـ صحيح أنّ التعبير كان بصيغة الماضي إلّا إنّ هذا التعبير كانت نكتته هو نفي الشأنية فليس من شأنه أن يعاقب مطلقاً «عقاباً دنيوياً أو أخرويّاً»، إذ أن ما قبل الآية هو التحدّث عن يوم القيامة حيث قال تعالى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا*اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [3] ، وفي نفس الآية كان التحدّث عن قانونين أخرويين حيث قال تعالى: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [4] .فالقاعدة الأولى غير العاصي لا يعذّب بعذاب العاصي، وهذا قانون جزاء الآخرة، أمّا في الدنيا فإنّ غير العاصي قد يبتلى بعصيان العاصي للآثار الوضعية، كما إذا شرب الخمر فإنّه يؤثّر على أولاده، وقال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [5] .والقاعدة الثانية: عدم العذاب من دون إرسال رسل، وقد تعدينا من إرسال الرسل إلى مطلق البيان، وهذا كلّه يدلنا على أنّ الآية ناظرة إلى عالم الآخرة.ثمّ إنّ لنا أن ندعي أنّ كلمة «كنّا في مثل وما كنّا معذبين، وفي مثل كان المؤمن زانياً، وما كان المرجع ظالماً [6] »، منسلخة عن الماضوية وتستعمل غالباً لبيان ما لا ينبغي صدوره ونفي الشأنية، وإنّ المتكلّم لا يناسبه هذا الفعل أصلاً.2ـ وبهذه النكتة ينفى إشكال آخر وهو: أنّ الآية في صدد بيان فعلية العذاب، لا في نفي استحقاقه الذي هو مفيد في اثبات البراءة الشرعية.3ـ قد ندعي أنّ الآية إذا دلّت على نفي استحقاق العقاب الدنيوي إذا لم يبيّن لنا التكليف فإنّها تدلّ على نفي استحقاق العذاب الأخروي بالأولوية، فإنّ العذاب الدنيوي الذي هو أهون من العذاب الأخروي لكونه خفيفاً منقطعاً بخلاف الأخروي فعدم العذاب في الأقل الزائل من دون بيان يستدعي قطعاً عدم العذاب في القوي الدائم بدون بيان، فلاحظ.


[1] ـ سورة الإسراء: 15.
[2] ـ دروس في علم الأصول 1: 374 راجع نهاية الأفكار 3: 205 وراجع مصباح الأصول 2: 255.
[3] الأسراء: 13-14.
[4] الأسراء:15.
[5] الأنفال: 25.
[6] كما في قوله تعالى: «وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»، الكهف:15، وقوله سبحانه: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»، الأنفال:23، وكقولنا: ما كنت خائناً لصديقي، وما كنت عاصياً له.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo