< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 أقول: إنّنا في هذه الصورة يوجد عندنا علم إجمالي بتكليف إلزامي ونحتمل لأمرين: الأوّل: الوجوب، الثاني: الحرمة، وهذا العلم ليس فيه قصور من ناحية البيان، ولكن قام البرهان على استحالة تأثير هذا العلم أنّه لا يمكن أن يكون منجّزاً لوجوب الموافقة القطعية، ولا يمكن أن ينجّز حرمة المخالفة القطعية، ولا يمكن أن ينجّز أحد الطرفين معيّناً، إذ الأولان مستحيلان، والثالث ترجيح من دون مرجّح، لأنّ نسبة العلم إلى الطرفين إلى حدّ سواء، فترجيح أحدهما على الآخر مستحيل.
 وهنا اختلفت كلمات الأصحاب من حيث جريان البراءة العقلية أو الشرعية أو عدم جريانهما وجريان التخيير العقلي أو التفصيل في جريانهما على أقوال:
 1 ـ الحكم بالإباحة شرعا، والتخيير بينهما عقلاً (اختاره المحقق الخراساني)( [1] ).
 2 ـ الحكم بالتخيير عقلاً من دون التزام بحكم ظاهري شرعا (اختاره المحقق العراقي)( [2] ).
 3 ـ جريان البراءة عقلاً وشرعاً (اختاره المحقق الخوئي والشيخ الأنصاري)( [3] ).
 4 ـ جريان البراءة شرعاً وعقلاً والحكم بالتخيير عقلاً (اختاره الإمام الخميني)( [4] ).
 5 ـ تقديم احتمال الحرمة لكون دفع المفسدة أولى من جلي المنفعة، (نسبه الشيخ الأنصاري إلى بعض الأصحاب)( [5] ).
 فتكون النتيجة باستثناء القول الخامس هي التخيير من ناحية عمل المكلّف.
 وسرّ هذا الاختلاف هو أنّ احتمال الوجوب واحتمال الحرمة لو لوحظ كلّ واحد منهما بما هو طرف للعلم الإجمالي فهنا لا يمكن التنجيز لاستحالته، إذ لا يمكن تنجيزه بلحاظ الموافقة القطعية ولا بلحاظ المخالفة القطعية، وتنجيز أحدهما دون الآخر معيّنا مستحيل أيضاً لأنّه ترجيح من دون مرجّح، فلا بدّ من القول بالتخيير العقلي وانكار البراءة العقلية.
 وإذا لوحظ كلّ واحد منهما مستقلّا فهنا يكون الاحتمال غير مقتض للتنجيز وذلك، لأنّ الاحتمال في نفسه لا يقتضي التنجيز، وعلى فرض اقتضائه التنجيز فهو يتزاحم مع المقتضي الثاني ويستحيل تأثيرهما معاً، وتأثير أحدهما دون الآخر ترجيح من دون مرجّح، فتجري البراءة العقلية.
 مناقشة الأقوال:
 اما الإباحة الشرعية المستفادة من قوله (): «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه...»( [6] ). حيث قال المحقق الخراساني بشمول الحديث للمقام من دون منع عنه عقلا وشرعاً، فهو باطل لأن المراد من الحلال ان كان معناه الأعم الشامل للواجب كان مؤداه إثبات جنس الحليّة لا خصوص الوجوب أو الإباحة، وإن كان المراد منه الحلال بمعناه الأخص (الإباحة) فلا يشمل المقام، على ان الإباحة فيه قطعية الانتفاء( [7] ). فيمتنع أن يعبدّنا بما يعلم بعدم ثبوته( [8] ).
 وعلى هذه المناقشة لا مجال للقول بالإباحة الا أن نفسر الحليّة في الحديث بالإباحة الشرعية الظاهرية فتدبر.
 أقول: فإذا فسّرنا الحلية بالإباحة الشرعية الظاهرية فأيضاً لا يصحّ الاستدلال بهذا الحديث على البراءة الشرعية لأنّ حديث «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام» غير شامل لما نحن فيه ثبوتاً، إذ لا يمكن انحفاظ الحكم الظاهري عند الشكّ، لأنّنا نعلم بأنّ الفعل إمّا حرام وإمّا واجب وعلى كلا التقديرين لا يكون حلالاً، فنحن نقطع بعدم الحلية في هذا المورد، ومع القطع هذا كيف يعقل جعل الحليّة الظاهرية؟!!
 وخلاصته: إنّ الإباحة الشرعية الظاهرية غير معقولة، لأنّ التعبّد بالوظيفة العملية غير معقولة، لأنّ التعبّد بالوظيفة العملية لا بدّ فيها من احتمال مطابقتها للواقع، وهنا لا يوجد هذا الاحتمال لأنّ الأمر يدور بين الوجوب والحرمة.
 أو قل: إنّ أدلة البراءة الشرعية لا يشمل المقام لأنّها منساقة إثباتاً إلى أنّها علاج مولي لحال التزاحم بين الأغراض الإلزامية والترخيصية في مقام حفظ الواقع المشكوك بتقديم الغرض الترخيصي على الإلزامي أمّا هنا فهو تزاحم بين غرضين إلزاميين وليست أدلة البراءة ناظرة إليه.


[1] ـ راجع الكفاية: 355.
[2] ـ راجع نهاية الأفكار 3: 292 ـ 293.
[3] ـ راجع مصباح الأُصول 3: 328.
[4] ـ راجع انوار الهدية 2 / 173 و 174 و 179.
[5] ـ راجع فرائد الأُصول 2: 185.
[6] ـ وسائل الشيعة: باب 4 مما يكتسب به، ح 4.
[7] ـ راجع مصباح الأُصول 2: 331 ـ 332، وفوائد الأُصول 3: 445.
[8] ـ إنّ هذا القول يراد منه الإباحة التي هي حكم شرعي وليس المراد منه البراءة، فالمراد منه أنّه إذا قطعنا بعدم صدور نصّ من الشارع ونحتمل الحظر كما نحتمل الإباحة فالأصل هو الإباحة، وعلى هذا سيكون النصّ الوارد بكلّ شيء حلال حتّى تعلم أنّه حرام دالاً على أصالة الإباحة لا البراءة الشرعية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo