< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 اما القول الثالث والرابع: فهما مبنيان على جريان البراءة الشرعية المستفادة من حديث الرفع لأن الوجوب غير معلوم فيكون مرفوعاً والحرمة غير معلومة فتكون مرفوعة، ولا مانع من شمول الحديث للمقام لأن المخالفة العملية والالتزامية غير لازمتين. وكذلك تجري البراءة العقلية لأن العقاب على خصوص الوجوب في صورة ترك الفعل في المقام عقاب بلا بيان لأنه مجهول، والعقاب على خصوص الحرمة في صورة اتيان الفعل في المقام عقاب بلا بيان لأنه مشكوك، والعقاب بلا بيان قبيح بحكم العقل فتجري البراءة العقلية بالنسبة للوجوب والحرمة، ولا يلزم منهما الترخيص في المخالفة القطعية( [1] ).
 فأدلّة البراءة النقلية قابلة للجعل هنا بحيث إنّ الشارع له أن يجعل الإلزام بالفعل في مثل دوران الأمر بين المحذورين فقدّم جانب الوجوب إذ احتمال الوجوب أولى بالمراعاة، وكذلك يتمكّن أن يقول: إذا دار الأمر بين المحذورين فقدّم جانب التحريم لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، وحديث الرفع يرفع كلّ حكم من غير أن يكون لرفع الثانية دخل أصلاً، فالوجوب بخصوصه في مقام الدوران بين المحذورين غير معلوم فيشمله رفع ما لا يعلمون، وكذلك التحريم بخصوصه غير معلوم فيشمله رفع ما لا يعلمون.
 إذن الوضع هنا ممكن فالرفع ممكن، فلا يرد إشكال الميرزا النائيني القائل بأنّ وضع التكليف في هذا المورد مستحيل، فالرفع أيضاً كذلك.
 ثم قال السيد الخميني ما خلاصته: لمّا كانت البراءة الشرعية والعقلية جارية في خصوص كل واحد من الوجوب والحرمة فكل واحد من الفعل والترك متساويان ولا ترجيح في البين، فالعقل يحكم بالتخيير بينهما في مقام العمل، في الرتبة المتأخرة من البراءة( [2] ).
 هذا ولكن لنا ان نقول: بعدم جريان البراءة هنا، فإن العلم الإجمالي على ثبوت التكليف تام ولكن لا يؤثر هذا العلم الإجمالي هنا لأنه لا يقتضي وجوب الموافقة القطعية ولا حرمة المخالفة القطعية ولا وجوب الموافقة الاحتمالية لأحدهما معيّناً، لأن الأول والثاني غير ممكن، والثالث ترجيح بلا مرجح، وهذه كلها أحكام عقلية تبرهن على أن هذا العلم الإجمالي لا ينجّز شيئاً من الإلزام أبدا.
 وحتى احتمال الوجوب والحرمة لا يكون منجّزا عقلاً بما هو طرف من العلم الإجمالي يستمد منجزتيه من العلم الإجمالي وهذا تقدم، ولكن احتمال الوجوب والحرمة في أنفسهما مستقلاً فتجري فيهما البراءة العقلية ولكن لا بملاك عدم البيان بل بملاك الاضطرار وعدم إمكان إدانة العاجز عقلاً من تحصيل الموافقة القطعية، وهذا هو التخيير العقلي.
 وكذا لا تجري البراءة الشرعية، لاننا نقطع بعدم الحليّة«أي نعلم بالإلزام».
 واما رفع ما لا يعلمون فالمراد منه رفع الحكم المشكوك، فالحكم الثابت في المقام واحد فالرفع أيضاً واحد، وحيث ان الرفع الظاهري في مقابل الوضع الظاهري، فيدلّ الحديث على الرفع الظاهري إذا عُقل الوضع الظاهري، أما هنا فانّ الأمر يدور بين المحذورين فلا يعقل الوضع أي لا يمكن الاحتياط، إذن لا يعقل الرفع أيضاً.
 وأمّا معقولية الوضع كما تقدّم من السيد الخوئي للوجوب أو للحرمة عند دوران الأمر بين المحذورين فهو صحيح لكن بشرط أن يكون عندنا حكمان مشكوكان، ولكن فيما نحن فيه عندنا حكم واحد في لوح التشريع مشكوك فيه، وحينئذ لا نحتاج إلّا إلى رفع واحد، لأنّ الموجود إمّا هو الوجوب أو الحرمة وهنا لا يمكن الوضع «أي الاحتياط» لأنّ الحكم أحدهما فلا يمكن الرفع أي البراءة عنهما لأنّ الواقع لا يخلو عن أحدهما، فظاهر رفع ما لا يعلمون هو رفع حكم واحد مشكوك وجوده الواقعي، فوضع الاحتياط ممكن وحينئذ يكون الرفع ممكناً، أمّا هنا فإنّ الوضع والاحتياط غير ممكن لأنّ الأمر لا يمكن فيه الاحتياط، إذن الرفع والبراءة غير ممكنة، فلاحظ.
 وأما الخامس: فقالوا به لكون دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة.
 وهذا مردود بعدم الأولوية بنحو الإطلاق إذ رُبّ واجب أهم من الحرام، عند المزاحمة.
 وبعبارة أخرى: إنّ هذه الجملة وهي «دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة» ليست خبراً ولو غير معتبر حتّى يقال بإمكان التعبّد به، وليست آية قرانية حتّى تكون حجة علينا، بل هي عبارة مشهورة، وربّ مشهور لا أصل له.
 ثمّ على تقدير تسليمها فهي تتمّ فيما إذا كانت هناك مصلحة معلومة ومفسدة معلومة ودار الأمر بينهما، بينما ما نحن فيه فإنّ المفسدة والمصلحة محتملتان ولا تأتي هذه القاعدة هنا وذلك لأولويته ممّا إذا دار الأمر بين احتمال الحرمة واحتمال الإباحة، فلا يعتنى باحتمال الحرمة مع أنّه احتمال مفسدة لا يعارضه احتمال مصلحة، فكيف إذا انظمّ إلى احتمال المفسدة احتمال المصلحة؟! فعدم الاعتناء باحتمال المفسدة حينئذ أولى، فلاحظ.
 والخلاصة: إذا لم تجر البراءة هنا فيحكم بالتخيير عقلا ومن دون التزام بحكم ظاهري شرعا وهو مختار المحقق العراقي لأن العلم الإجمالي يستحيل ان يكون منجزّا لأن تنجيزه لوجوب الموافقة القطعية غير ممكن لأنها غير مقدورة وتنجيزه لحرمة المخالفة القطعية ممتنع أيضاً لأنها غير ممكنة، وتنجيزه لأحد التكليفين المحتملين بالخصوص دون الآخر غير معقول لأن نسبة العلم الإجمالي إليهما نسبة واحدة. والبراءة لا تجري كما تقدم، فالتخيير عقلي بملاك الاضطرار.


[1] ـ راجع أنوار الهداية 2: 178 و 179 وراجع مصباح الأُصول 2: 328 ـ 329.
[2] ـ راجع أنوار الهداية 2: 174 ـ 175.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo