< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 استدراك لما قبل التطبيقات:
 ولكن الصحيح: هو أن القرعة ليست كالبيّنة، لأنهم قالوا: «كما تقدّم منّا»بأنها آخر الأصول العملية أو هي أصل عملي في مورد الجهل والشك والحيرة فهي أصل عملي لرفع الحيرة وليس لها نظر إلى المحافظة على تعيين الواقع المجهول.
 وحينئذٍ فان لم يدلّ دليل على جواز الترخيص في بعض أطراف العلم (العلم الإجمالي) فتجب الموافقة القطعية «كما تحرم المخالفة القطعيّة» وان وجد ترخيص في بعض الأطراف للعلم الإجمالي فنأخذ به وحينئذٍ نجوّز المخالفة الاحتمالية، فلاحظ.
 أقول: ان القرعة التي قلنا أنها تقف حجر عثرة في وجوب الاحتياط في جميع إطراف العلم الإجمالي بالتكليف ليس المراد منها:
  • القرعة في مواد التنازع كما في صحيح عاصم بن محمّد عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث: بعث رسول الله (صلّ الله عليه واله) أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى اليمن... فقال رسول الله(صلّ الله عليه واله) «ليس من قوم تقارعوا وفوّضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحقّ». إذ هذه أجنبية عما نحن فيه لعدم ورودها لبيان تشريع القرعة ، بل وردت لبيان ضمان تسديدها وإصابتها للواقع إذا ابتنت على تفويض الأمر لله تعالى من قبل المقترعين ، بعد الفراغ عن مشروعيتها في الجملة من دون أن يكون لها إطلاق في ذلك ((وهذه القرعة تنظر إلى الواقع للمحافظة عليه بعد تشريعها)).
 على ان مورد التنازع لا يرجع في شيء منه للاحتياط حتّى في مورد العلم الإجمالي حتّى يكون تشريع القرعة منافيّاً للعلم الإجمالي.
 بينما موردنا هو إننا نريد أن نعرف في موارد العلم الإجمالي هل يرجع إلى الاحتياط ام لا يرجع، بل يرجع إلى أصل عمليّ آخر يرخّص في جميع الإطراف أو في بعضها على الأقل؟!
 وليس المراد من القرعة هو القرعة المتضمن تشريعها في المجهول التي تدلّ عليها حسنة محمّد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن شيء فقال: كل مجهول ففيه القرعة . فقلت: إن القرعة تخطيء وتصيب؟ قال: كلما حكم به الله فليس بمخطئ (باب13 من كيفية الحكم ح11). وهذه القرعة أيضاً تنظر للواقع للمحافظة عليه))
 ولكنّ عموم هذا الحديث يستلزم كثرة التخصيص لوجوب الخروج عن هذا العموم في موارد:
 1ـ موارد الأصول الشرعية عند الشك في أصل التكليف إذا كان لها حالة سابقة.
 2ـ موارد الأصول الشرعة عند الشك في أصل التكليف إذا لم تكن حالة سابقة (البراءة) الشرعية أو عقلية.
 3ـ اشتباه درهم الودعي بين شخصين كما لو أودع زيد عندنا درهما وخالد درهما واختلطا ثم ضاع أو سرق أحدهما.
 4ـ ميراث الغرقى أو المهدوم عليهم.
 5ـ الخنثى المشكل.
 6ـ اشتباه القبلة والثوبين والانائين المشتبهين.
 7ـ كل ما دلّ فيه دليل على عدم الرجوع إلى القرعة وهو مجهول.
 إذن ما المراد من القرعة؟
 هو القرعة التي وردت في موارد خاصة وتنقسم إلى قسمين:
 أ) قسم من المشتبهات لا تعيّن فيه للأمر المقترع فيه ، كما لو أوصى بعتق ثلث مماليكه() إذ يوجد علم إجمالي بوجوب عتق اما هذا الثلث أو ذاك الثلث او الثلث الثالث . وكما إذا نذر عتق أول مملوك ، فملك أكثر من واحد() فأيضاً هنا علم إجمالي بوجوب تحقق واحد منهم يدور أمره بين هذا او ذاك المباين له . وهنا يمكن جريان الاحتياط بالنسبة للورثة ، كما يمكن الاحتياط بالنسبة للناذر.
 ب) قسم من المشتبهات تعيّن الأمر المقترع فيه واقعاً ، ولكن لا تجري فيه الأصول الشرعية ولا العقلية ومثاله:
 ما لو وطء جاريةً جماعةٌ فولدت من أحدهم(). وكذا من لو انهدمت دار وبقي صبيان أشتبه الحرّ منهما بالعبد(). ومورد الراعي الذي نزا على شاة واشتبهت من هذا القسم.
 وقسم (أ) يختصّ بما إذا لزم من الاحتياط ضرر مالي معتدّ به ، بل الاحتياط فيه إتلاف لمال كثير.
 وقسم (ب) موردنا أيضاً إذا طبقنّا الاحتياط بترك جميع القطيع وتحريم اللبن واللحم ووجوب الإحراق فيه ضرر مالي معتدّ به، بل فيه إتلاف للمال الكثير. ولكن قسم من أمثلة (ب) لا يمكن فيه الاحتياط كما في الولد من أحد الواطئين واشتباه الحرّ بالعبد.
 وهذه الموارد تكون القرعة تشريعاً فيها مع إمكان الاحتياط «وهذه القرعة ليس لها نظر إلى المحافظة على الحكم الواقعي المجهول بل هي أصل عملي ووظيفة عملية» وذلك لعدم وجود حكم واقعي في (أ)، ولأن ميزان الإمارات التي تحافظ على الواقع غير موجود هنا إذ لا تطابق القرعة الواقع «على فرض وجوده» كثيراً بل ولا قليلاً نادراً.
 ولكن الكلام هنا : هل هذه الموارد الخاصة تبرّر الخروج عن القاعدة «أصالة الاحتياط» إذا أمكن الاحتياط في الانائين والثوبين المشتبهين؟
 الجواب: إذا بررت ذلك لزم من ذلك فقه جديد، ولذا قالوا: بان القرعة يقتصر فيها على ما وردت فيه ولا يلتزم بها في كل أمر مشتبه.
 ومع هذا إذا اجري الترخيص في القرعة في مورد العلم الإجمالي بأصل التكليف ولكن دار بين المتباينين، فحينئذٍ لا يجب الاحتياط ، وإن لم يجر الترخيص في احد الإطراف فالاحتياط واجب. إذن العلم الإجمالي سيكون مقتضيا للتنجيز في وجوب الموافقة القطعيّة .
 وقد يقال: هذا كلّه صحيح ان لم نقل ان جريان القرعة لا يشمل ما نحن فيه من الشبهة الحكيمة، بل هو مختصّ بالشبهات الموضوعية حيث ادّعى المحقق الخراساني الإجماع على عدم الرجوع إلى القرعة فيها، كما ان ظاهر غير واحد ممن تأخر عنه هو المفروغيّة عن ذلك ، فلاحظ.
 ومع هذا نقول: إن بحثنا ليس مختصّاً بالشبهات الحكمية بل يشمل الشبهات الموضوعية وان كان بحثها في الفقه عادة ويتعرّض لها هنا استطرادياً أيضاً . فلاحظ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo