< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ما زال الكلام في شرائط لباس المصلي، ووصل الكلام الى: الشرط الثاني: وهو شرط الإباحة.
فهل يعتبر في ثوب المصلي أن يكون مباحاً أم لا؟.
وقد تعرّض سيدنا «قده» في «ج12، من موسوعته، ص131»: الى الوجوه التي استدل بها على اشتراط الإباحة في ثوب المصلّي:
الوجه الأول: أنّ الحركات الصلاتية من القيام والقعود والركوع والسجود تصرفٌ في الثوب، فإذا كان هذا التصرف غير مأذون فيه كانت هذه الحركات الصلاتية تصرفاً غصبياً، وبما أن التصرف الغصبي مبغوض والمبغوض لا يصلح لأن يكون مصداقاً للواجب، فمقتضى ذلك فساد الصلاة.
وقد أشكل سيدنا «قده» على هذا الاستدلال بإشكالين:
الإشكال الاول: ان هذه الحركات ليست من الصلاة، فهناك فرق بين مقولة الفعل وبين مقولة الوضع، فما هو من الصلاة ومتعلق للأمر هو الهيئة كهئية الركو وهيئة السجود، وما هو حركة لبدن المصلّي كقيامه من الركوع الى السجود إنما هو من المبادئ والمقدمات وليس من الصلاة، فالصلاة متقومة بمقولة الوضع اي الهيئة كهئية الركوع أو السجود، وما هو مقولة الفعل كالنهوض أو القيام أو القعود، فهو مجرد مقدمات موصلة ورابطة بين اجزاء الصلاة، فلأجل ذلك ما هو المبغوض غير ما هو الواجد، فما هو المبغوض هو الحركات وهي ليست من الصلاة، وما هو الواجب هو الهيئات وليست مبغوضة لعدم كونها تصرفا غصبيا. وهذا الاشكال متين لا غبار عليه.
الإشكال الثاني: لو سلّمنا أن هذه الحركات من الصلاة أي أن النزول من الركوع الى السجود من الصلاة والنهوض من السجود الى القيام من الصلاة، مع ذلك لا يرد هذا الاستدلال، والوجه في ذلك: أن هنا حركتين لا حركة واحدة، حركةً للبدن وحركةً للثوب الذي تلبس به البدن، واحدى الحركتين علة للأخرى، اي ان حركة البدن علةٌ لحركة الثوب، نظير العلقة بين حركة اليد وحركة المفتاح، فهما حركتان، والعلاقة بينهما علاقة العليّة والسببية، فحركة اليد سبب لحركة المفتاح، فمع وجود حركتين خارجاً وإن لم يقع تمييز بينهما بحسب الاشارة الحسية الا ان ما هو المبغوض غير ما هو الواجب، فما هو الواجب الحركة بلحاظ البدن ولو لم يكن عليه ثوب، وما هو المبغوض هو حركة الثوب الناشئة عن حركة البدن، فحيث لم يتحد معلق الأمر مع متعلق النهي فلا وجه لأن يقال: إن ما هو مبغوض لا يصلح ان يكون مصداقاً للواجب لأنهما حركتان.
ولكن قد يتأمل في هذا الإشكال الثاني:
بانه مع التنزل والتسليم بأن الحركة من الصلاة فهنا يقع السؤال: هل أن هناك حركتين؟ أم حرمة حركة واحدة لشيئين؟. مثلا:
حركة السفينة بمن فيها حركة واحدة، وإن كان المتحرك بهذه الحركة الواحدة عدة اشياء في عرض واحد، وحركة السيارة بمن فيها حيث ان من فيها ثابت حركة واحدة مضافة لعدة اطراف لا انها حركات متعددة يكون بعضها علة للبعض الآخر.
ويقع السؤال ثانيا: على فرض أن الحركة متعددة وأن الثانية معلولة للأولى كما قيل بالنسبة الى حركة المفتاح وحركة اليد، هل أن المرجع في تحديد متعلق الأمر هو العقل؟ أم النظر العرفي؟.
فإن قلنا بأن المرجع في تحديد متعلق الأمر هنا هو العقل. فإن العقل يدرك وجود حركتين، حركة للبدن، وهي بمثابة العلة، وحركة للثوب وهي بمثابة المعلول، فما هو المبغوض غير ما هو الواجب.
واما إذا قلنا بان المرجع في تحديد متعلق الوجوب أو الامر النظر العرفي، فان النظر يرى ان هذين العنوانين وهما حركة البدن وحركة الثوب ليس تحليل عقلي ليس الا والا فهما وجود واحد، نظير ان يقول المولى: تصدق، والصدقة خارجاً ملازمةٌ لوقوع المال المتصدق به في يد الفقير، فهل يقال بأن هنا وجودين: احدهما وضع المال في يد الفقير، والآخر: احتواء يد الفقير للمال المتصدق به؟، وأن احد الوجودين غير الآخر؟!. أو أنّ المدار على النظر العرفي الذي يرى أنّ متعلق الامر هي الصدقة وهذه صدقة، اي أن الصدقة عرفاً هو هذا الوجود الواحد المتقوم باحتواء اليد للمال المتصدَّق به. فما بني عليه الإشكال في كلام سيدنا «قده» مبنائي والا فهو محل تأمل.
الوجه الثاني: من وجوه الاستدلال على اشتراط الإباحة:
أنّ المكلّف مأمور بنزع هذا الساتر الغصبي لانّ نزعه إيصال الى مالكه وإيصال المال لمالكه واجب، فنزع الساتر الغصبي مأمور به، وبما أن النزع إبطال للصلاة حيث يشترط في صحتها ستر العورة فنزع ساتر العورة ابطال لها، لأنّ المشروط عدم عند عدم شرطه، فالنزع الذي هو مأمور به هو في الواقع ابطال للصلاة، فمع كون النزع ابطالاً للصلاة لا يعقل الأمر بالصلاة حينئذٍ، ولو على سبيل الترتب، إذ لا معنى لأن يقول المشرّع للمكلّف ابطل صلاتك فإن ابطلتها فصل، فإن الجمع بين هذين الأمرين جمع بين الضدين.
فالنتيجة: أنّه يُعتبر في الساتر أن يكون مباحاً، إذ لو كان مغصوبا لكان المكلف مأمور بنزعه، والنزع إبطال، ولا يعقل مع الأمر بالإبطال شمول الأمر بالصلاة لما هو إبطال لها.
وهنا أشكل سيدنا «قده»:
بأن الأمر بنزع الساتر الغصبي، ليس أمرا بالإبطال، وإنما هو بذات المبطل، وجوهر الاستدلال مبني على أن المأمور به هو عنوان الإبطال، والحال بأنه غير مأمور به، بل ما تعلّق به الأمر هو: أوصل هذا الثوب لمالكه وذلك بنزعه، فمتعلق الأمر إيصال المال لمالكه لا أن متعلق الأمر هو إبطال الصلاة، ولأجل ذلك فالأمر بالصلاة ترتباً بناء على عدم الإيصال ليس أمرا بالضدين بل هو امر معقول، بان يقول المولى: اوصل هذا الثوب لمالكه فإن لم توصله فصل، فإن هذا ليس ترتبا محالا إذ ليس امرا بالجمع بين الضدين.
الوجه الثالث: للاستدلال: ما تكرر في كلمات الاعلام: من أن الصلاة في الساتر الغصبي مجمع للأمر والنهي، وبيان ذلك:
أن ستر العورة بهذا الثوب منهي عنه، لكون نفس الستر غصباً مع غمض النظر عن الحركة فيه، فإن نفس الستر هو تصرف والتصرف غصب، فنفس الستر منهي عنه، والمفروض ان نفس الستر واجب إذ يشترط في صحة الصلاة ستر العورة، فما هو متعلق الامر هو متعلق النهي، اي ان بين المتعلقين بحسب تعبير المحقق النائيني تركيبا اتحاديا، فالستر متعلق للنهي لكونه غصبا والستر متعلق للامر لكونه شرطا للصلاة. وحيث لا يعقل اجتماع الامر والنهي لمتعلق واحد، اي لا يعقل أن يكون المبغوض مصداقاً لما هو المأمور به. فلا محالة تكون الصلاةُ باطلةً.
وهذا الاستدلال ارتضاه سيدنا «قده» في «باب الحج، في ثوب الاحرام» فقال: «ج29، من موسوعته، ص39»: ويعتبر في الساتر الاباحة - ساتر العورة اثناء الطواف - والاحوط اعتبار جميع شرائط لباس المصلي فيه. هذا في متن «المنسك». ثم أتى للشرح قال: قد عرفت أنه لا دليل على اعتبار ستر العورة في الطواف.
قال: قد عرفت انه: لا دليل على اعتبار ستر العورة في الطواف، «ولا يطوفن بالبيت عريان» هذا نهي تكليفي. يعني الطواف بالبيت عرياناً مبغوض لا أنه فاسد، النبي في حجة الوداع اصدر عدة أوامر منها: «ولا يطوفن بالبيت عريان». لأن هذا كان متعارفاً في الجاهلية ان يطوفوا عراة يعتبرون ذلك اقرب الى الله. فالنبي قال: «ولا يطوفن بالبيت عريان». فغاية ما يستفاد من ذلك: انه محرم تكليفا، لانه احياء لهذه العادة الجاهلية. أما ان الطواف فاسد هذا لا يستفاد منه.
لكن، على تقدير ان المستفاد من هذه الكلمة: «ولا يطوفن بالبيت عرايان» الإرشاد الى الشرطية. وهو أنه يشترط في صحة الطواف ستر العورة على تقدير هذ الاستفادة. على تقدير ذلك هنا يقول سيدنا «قده»:
ولكن بناءّ على اعتباره - اعتبار الستر - لابد ان يكون الساتر مباحاً، وإلا بطل طوافه، قال: لأن الستر المأمور به لا يمكن ان يكون بالمحرّم. والمحرّم لا يكون مصداقا للواجب، فاذا كان الساتر محرما ومغصوبا خرج عن كونه مأمورا به.
فاذاً ارتضى الاستدلال «قده» في مسألة الطواف. ولكن «قده» أشكل على الأستدال في باب الصلاة، مع تأخر بحثه في الحج عن بحثه في الصلاة: حيث أفاد «قده» في «بحث الصلاة»: بأن موقع الامر غير موقع النهي، فإن ما هو المنهي عنه عملية الستر، فإن عملية التسر تصرف والتصرف غصب والغصب مبغوض، ولكن ما هو المأمور به ليس الستر، وإنما المأمور به تقيد الصلاة بكون المصلّي مستور العورة. فما هو الشرط المأمور به أمراً ضمنيا في الصلاة: التقيد. اي تقيد المصلّي لكونه مستور العورة، أو تقيد الصلاة بكون المصلي مستور العورة. وما هو المنهي عنه: القيد. فاختلف ما هو المبغوض عمّا هو الواجب، فكيف يقال: بأن المبغوض لا يصل ان يكون مصداقاً للواجب؟!.
ونفس هذا الإشكال الذي اشكل به سيدنا «قده» على الاستدلال، اشكل به السيد الشهيد على استاذه الخوئي في «الأصول»، وأشكل به الشيخ الفياض على استاذه في باب الحج وهو قد ذكر الإشكال بنفسه في باب الصلاة: فقال «قده» ص132:
إنّ النهي عن الغصب وإن لم يكن بنفسه موجبا لفساد العبادة نظرا الى أنّ الشرط العبادي تقيد الصلاة به، حيث انه - التقيد - جزءٌ منها لا ذات القيد لخروجه عنها، فما هو جزءٌ من الصلاة هو التقيد، وما هو الستر هو القيد وهو خارج عن الصلاة، فلا جرم كان الأمر بالقيد - الامر بالستر - توصليا مقدمياً، مقدمة لحصول التقيد المأمور به، فلا مانع من اتصافه - اتصاف القيد - بالحرمة لان الأمر به مجرد أمر توصلي مقدمي من غير فرق في ذلك بين الشرائط المتقدمة والشرائط المتقارنة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo