< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

كان الكلام: في شرطية الإباحة في لباس المصلّي؛ وما هو المدرك لشرطية الإباحة في لباس المصلّي. وقد ذكرنا: أن هناك عدة وجوه في كلمات الأعلام لإثبات هذه الشرطية.
الوجه الأول: ما أشار إليه سيد المستمسك «قده» من أنّ حركة المصلّي من القيام إلى الركوع ومن الركوع الى السجود تصرفٌ في الساتر المغصوب، وبما أنّ هذه الحركة تصرفٌ غصبي فهي أمرٌ مبغوض، والمبغوض لا يصلح أن يكون مصداقاً للواجب، فهذه الحركة لا تصلح أن تكون مصداقاً لامتثال المأمور به.
فالمورد من موارد اجتماع الأمر والنهي، بلحاظ أن هذه الحركة كالهوي من القيام الى الركوع صلاةٌ، لكونها مأموراً بها للأمر الضمني، وهي في نفس الوقت غصب، لكونها تصرفاً في ملك الغير، وحيث لا يُعقل أن يكون المبغوض المنهي عنه مصداقاً للمأمور به فلا محالة لا يكون ما صدر امتثالاً، وهذا معناه فساد الصلاة. فهذا وجه عقليٌ لاشتراط الإباحة؛ أي: من أجل ان يقع جميع أفعال الصلاة امتثالاً لما هو المأمور به فلابد من كون الساتر مباحا كي تحقق الامتثال.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأجوبة:
الجواب الأول: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في «ج12، من موسوعته»: ان هذه الحركة ليست من الصلاة في شيء فإن ظاهر هذه الاوامر الصادرة من المشرع كالأمر بالركوع والأمر بالسجود أنّ المامور به الهيئة، فإن الركوع عرفاً هو عبارة عن الهيئة المعينَّة، كما أن السجود عرفاً هو هيئة، هيئةٌ حاصلةٌ من وضع الجبهة على الارض. فبما أنّ ظاهر الأوامر أنّ المأمور به في الركوع والسجود هو الهيئة، أي هذا هو ما يفهمه العرف من الأمر بالركوع والسجود، فلا محالة الهوي من القيام الى الركوع ومن الركوع الى السجود ومن السجود الى الجلوس، كل ذلك خارج عن حقيقة الصلاة، فهنو وان كان مبغوضا لكونه تصرفاً في ملك الغير الا انه ليس مامورا به لخروجه عن حريم الصلاة، فبما انه ليس مصداقا للمأمور به فلا محالة لا معنى لأن يقال: إنّ المبغوض لا يصلح أن يكون مصداقا للمأمور به، لأنّه ليس مامورا به. إذا فالامر بالركوع والسجود يشمل هذه الهيئة وإن كانت عن هوي غصبي، وإن كانت عن حركة غصبية، فهذا نظير اقتران الصلاة بمحرم كالنظر للمرأة الأجنبية اثناء الصلاة، حيث إنه لا أثر له في فساد الصلاة.
ولكن، في مقابل هذا الكلام الذي قلناه: ذهب جمع الى أن الحركة أو بعضها دخيل في الصلاة، وبالتالي فالاشكال وارد، فالذين قالوا بدخالة الحركة في الصلاة ما هو مدركهم؟:
نأتي الى كلام سيد المستمسك «قده»:
الوجه الأول: لاثبات ان الحركة من الصلاة من المأمور به: ما أشاره اليه المحقق الهمداني «قده» في «مصباح الفقيه، ج12، ص413»: قال: إنّ الأمر بالركوع كما في قوله «اركع واسجد» ظاهر في الركوع بالمعنى الحدثي لا بالمعنى الاسم المصدري، فقوله: إذا قرات فاركع واذا ركعت فاسجد، ظاهر الامر عرفا ان الركوع هو احداث الهيئة والسجود هو احداث الهيئة، فالمعنى الحدثي للركوع والسجود هو الظاهر من الاوامر لا ان الظاهر منها هي نتيجة كونه منحنيا أو كونه واضعاً جبهته على الأرض، فبما أن ظاهر الأمر بالركوع والسجود هو المعنى الحدثي، والركوع الحدثي متقوم بالهوي، ولو ببعضه، ولو بمرتبة من الهوي، ولو بدرجة من الانحناء حتى يتحقق احداث الهيئة، فمقتضى ذلك: عود الاشكال مرة اخرى. حيث إنَّ الركوع الحدثي متقوم بدرجة من الهوي فتلك الدرجة من الهوي ركوع فهي مأمور به وغصب لأنّها تصرف في الساتر المغصوب، ومقتضى استحالة أن يكون المبغوض مصداقاً للمأمور به هو فساد الصلاة.
الوجه الثاني: ما أشار اليه سيد المستمسك «قده»: «ج5، ص280»: ذكره بعنوان «فإن قلت»: ومحصله:
إنّ ظاهر الامر بالركوع والسجود هو مطلوبية الحدوث، لأنّ هناك قاعدة عرفية عامة وهي: «متى ما تعلّق الامر بماهية معينَّة لم يصدق الامر على البقاء وإنّما مصداقه العرفي هو الحدوث»، فإذا قال المولى: اغتسل من الجنابة وكان المكلف تحت الماء قبل ان ينوي الغسل فاراد بتحريك رجليه ويديه تحت الماء ان يحقق غسل الجنابة، فإن العرف يقول: ما احدث الغسل، وإنما استيعاب الماء لبدنه بقاء للاستيعاب السابق وليس حدوثا، فالأمر بقوله: اغتسل للجنابة ظاهر في أنه احداث الغسل بعد عدمه ولا يشمل مرحلة البقاء. كذلك الامر بالركوع والامر بالسجود ظاهر في احداث ذلك بعد عدمه.
المقدمة الثانية: بعد المفروغية عن أن المطلوب حدوث الركوع، الحدوث ليس دفعيا وانما هو تدريجيا، فلو كان الحدوث لحظيا دفعيا لربما ما ورد هذا الوجه لكن حدوث الركوع تدريجي، لأنّ هذه الهيئة نتيجة حركة تدريجية يعبر عنها بالهوي، فبما أن المطلوب الحدوث والحدوث تدريجي، فمقتضى ذلك: صدق الركوع المأمور به من حين الشروع في الهوي، لا اقل بدرجة من درجاته.
فيرد عليه حنيئذٍ: إن ما كان مبغوضاً لا يصلح أن يكون مصداقاً للمأمور به.
لكن سيد المستمسك «قده»: «ص281» ناقش في ذلك، فقال:
لو سُلّم ما ذكر - في المقدمة الاولى بأنّ ظاهر الامر هو الأمر بالحدوث - فإن ما يقتضيه كون بعض مراتب الانحناء الى المرتبة الخاصة التي هي حد الركوع الواجب ولا يقتضي كون الحركة المحصلة لجميع المراتب صلاة ليجيء الاشكال فالانحناء من اوله المتصل بالانتصاب الى اخره المنتهي الى حد الركوع اجزاء صلاتية، إلا أنه ليس عين الحركة المحصلة له في الخارج، بل غيرها.
يقول: سلّمنا معكم أن الامر بالركوع ظاهر في الحدوث وان الحدوث تدريجي وان مقتضى كون الحدوث تدريجيا هو ان الهوي من الانتصاب الى حد الركوع اجزاء صلاة، لكن الانحناء شيء والحركة المحصلة للانحناء شيء اخر، هناك وجدان: أنحناء وحركة محصلة للانحناء وليس وجوداً واحداً. فهذا الانحناء من الانتصاب الى حد الركوع هو هيئات عديدة، كل درجة من الانحناء هيئة جديدة، فكل مرتبة من الانحناء هيئة جديدة، وكل هيئة تعتمد على حركة مولدة لها. فما هو من الصلاة اي أنحناء اي الهيئات الحاصلة من الهوي من حين الانتصاب الى حين الركوع، هذا ما هو من الصلاة، وما هو المبغوض هو الحركات المولدة لهذه الهيئات. فلم يجتمع ما هو المبغوض مع ما هو المصداق المأمور به.
فهذا الاستدلال لو سُلّمت مقدمته الاولى وهي: ان الامر بالركوع والسجود ظاهر في الحدوث، إلا أن غاية ما يتقضيه: أن مراتب الانحناء من الصلاة، أما انه لا يقتضي ان الحركة المحصلة لهذه المراتب من الصلاة، والمفروض ان ما هو المبغوض هو الحركة وما هو المأمور به هو الانحناء. فلم يجتمعا في مصب واحد.
كما ذكرنا امس: هل ان المرجع في تحديد متعلق الامر النظر العقلي أو النظر العرفي؟
فإذا قلنا بأن المرجع في تحديد متعلق الامر النظر العقلي فكما أفاد «قده».
وأما إذا قلنا بأن المرجع هو النظر العرفي: فالنظر العرفي الذي لا يرى ميزاً حسيّاً بين الهوي المولد للانحناء وبين الانحناء نفسه، فيرى: أن الأمر بالركوع إذا كان أمراً بالانحناء فالحركة المولدة لهذا الانحناء من حريم المامور به، فمقتضى كونها من حريم المامور به أن المبغوض لا يصلح أن يكون مصداقا للمأمور به. إذا فالصحيح من الجواب: ما فهمناه من كلام سيدنا «قده»: ان الامر بالركوع وان كان ظاهرا في الحدوث ولا يشمل البقاء، إلا ان الركوع عرفا هو نفس الهيئة. فليس المطلوب في الركوع سوى حدوث الهيئة بعد عدمها وحدوث الهيئة بعد عدمها يحصل بعد انقضاء آخر مرتبة من الهوي وحصول الهيئة حصولاً لحظيا دهرياً. فهذا الحصول الدفعي اللحظي للهيئة هو حدوث للركوع بعد عدمه. وبالتالي: فالحركة السابقة على حد الركوع حركة مولدة للركوع أما انها ليست من الصلاة. لأن النظر العرفي يرى ميّزا بين الهيئة وبين الهوي المولد لها بنظر العرف: من مقولة الفعل، والهيئة الحاصلة بنظر العرف: من مقولة الوضع، وكل منهما غير الاخرى، إذاً فلا محالة تكون هذه الحركة المولدة للركوع خارجة عن حقيقة الصلاة.
فإن قلت: بأنه يعتبر في الركوع المأمور به ان يكون عن قيام، إذ لو كان هذا الركوع عن جلوس، بأن قام الى الجلوس الى حد الركوع لم يصدق عليه أنه ركوع، فالركوع العرفي متقوم بكونه عن قيام، وهذا يقتضي دخل الهوي في حقيقة الركوع.
الجواب: أنّ ما هو دخيل في حقيقة الركوع مسبوقيته بالقيام، والمسبوقية بالقيام لا تقتضي دخل الهوي في حقيقة الركوع بل يكفي في حقيقته ان هذه الهيئة متصفة بمسبوقية القيام في مقابل ان تكون مسبوقة بالانحناء أو الجلوس مثلا.
المدرك الثالث: ما ذهب اليه المحقق عبد الكريم الحائري في «كتاب الصلاة، ص47»، وتعرض له شيخ حسين الحلي في كتاب «أصول الفقه، مبحث اجتماع الأمر والنهي، ج4، ص103»:
قال: إن جعل الحركات مركز التكليف - بأن نقول نفس الحركات مأموراً بها - باعتبار كون الهيئات - وهي هيئة الركوع والسجود - نتائج الى تلك الحركات ونسبة النتائج الى تلك الحركات كنسبة اسماء المصادر الى المصادر، أو نسبة العناوين الثانوية المتولدة من العناوين الأولية كتولد الطهارة من افعال الوضوء، فالمكلّف به فيما نحن فيه تحصيل هيئة الركوع وهو - التحصيل - متحد مع الهوي والهوي متحد مع الأصل، فلا محالة المأمور به هو المنهي عنه.
ولكن المحقق الحلي «قده»: قال: هناك خلط في التعبيرات، فهناك ثلاثة عناوين بينها فرق، فرق بين نسبة المقدمة للنتيجة، ونسبة العنوان الأولي للثانوي، ونسبة المصدر لاسم المصدر.
فما هو الفرق بين هذه الامور الثلاثة؟: مقدمة ونتيجة؟، عنوان اولي وثانوي؟، مصدر واسم مصدر؟.
اما المراد بالامر الاول: عندما يقال: مقدمة ونتيجة: فهناك وجدان، أحد الوجودين علة للوجود الآخر، مثلاً: المشي الى الدرس الكون في الدرس وجود والمشي اليه وجود آخر، ونسبة الثاني الى الأول نسبة العلة للمعلول. فهذان وجدان.
الامر الثاني: العنوان الاولي والعنوان الثانوي، وجود واحد ذو عنوانين بلحاظين: مثلاً: رمي الرصاص والقتل، إذا رمى شخصا برصاص رمية قاتلة فتعقبها الموت، فهذه الرمية بالعنوان الأولي يقال: رمي، بلحاظ تعقبها للموت يقال: قتل، فهو وجود واحد، وهو الرمي، هذا الوجود الواحد تعنون بعنوانين، بعنوان اولي بلحاظ نفسه، فيسمى رمياً، بعنوان ثانوي بلحاظ قياسه لما تعقبه. فمورد العنوان الأولي والثاني ما كان وجوداً واحداً متصفاً بعنوانين بلحاظين.
الامر الثالث: مصدر واسم المصدر: فهما وجود واحد كالثاني. وليس له عنوان، بل عنوان واحد، غاية ما في الباب ان لوحظ بالنسبة الى جهة الصدور سمي مصدر، وان لوحظ بلحاظ نفسه سمي أسم مصدر، مثلا: الضرب، نفس هذا الوجود الواحد، هو مصدر واسم مصدر، هو مصدر ان لوحظ جهة فاعله، ويكون اسم مصدر إن لوحظ في حدِّ ذاته.
لذلك: لو كانت نسبة الهوي للركوع من قبيل المصدر لاسم المصدر أو من قبيل العنوان الأولي للعنوان الثانوي لتم كلام الشيخ الحائري لكنها نسبة المقدمة للنتيجة اي نسبة العلة للمعول فهما وجدان، وإذا كانا وجودين فالأمر بالمعلول لا يعني الأمر بالعلة، والأمر بالنتيجة لا يسري الى الأمر بالمقدمة. فتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo