< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

كان الكلام في اشتراط الاباحة في ساتر العورة في الصلاة. وذكرنا الكلام تارة: فيما هو مقتضى القاعدة، وأخرى: في مفاد الادلة لفظية أو لبّية، وقد انتهى الكلام حول تحديد ما هو مقتضى القاعدة. والكلام فعلاً في المقام الثاني: وهو مفاد الأدلة، والمدعى الاستدلال به على شرطية الاباحة في الساتر الصلاتي: تارة يكون دليلا خاصا وأخرى دليلا عاماً. فهنا قسمان من الأدلة:
القسم الأول: الدليل الخاص، وهو: هل أن لدليل شرطية الستر دلالة على شرطية الاباحة أم لا؟. فقد أفيد بأن شرطية الاباحة مستفادة من نفس دليل شرطية الستر ولو بضميمة قرينة، وتقريب هذا المطلب ببيانات ثلاثة:
البيان الأول: ما ذكره المحقق الهمداني في «ج10، ص354» وتبعه سيد المستمسك في «ج5، ص282»: من دعوى الانصراف. حيث ادعي انصراف من دليل شرطية ستر العورة لخصوص الساتر المباح. ومقتضاه: أنّ الساتر الغصبي ليس مصداقاً للشرط من الأساس.
ولكن اشكل على ذلك المحقق الهمداني: ببيان:
أن الأمر بستر العورة ليس حكما مولوياً وإنما هو إرشاد لحكم وضعي وهو: شرطية ستر العورة لصحة الصلاة. فحيث إن مفاد الأمر بالستر: الإرشاد الى الشرطية وهي حكم وضعي فلا وجه لانصرافه عرفا الى الفرد المباح تكليفا، فإنه لا ربط بين الحكمين. فما دام مفاد الامر بالتسر حكما وضعياً فلا وجه لانصرافه الى الستر المباح تكليفا. وبالتالي: فأن دعوى الانصراف دون قرينة واضحة.
البيان الثاني: ما افاده سيدنا «قده» في موسوعته: «ج12، ص232»:
إنّ الشرط المقارن - مثل شرطية ستر العورة في الصلاة - له خصوصية وهو أنه: يفهم العرف من ضم دليل النهي الى دليل الشرط اختصاصه بغير الفرد المنهي عنه، فاذا ورد الامر بالصلاة مشروطة باللباس - ستر العورة - وورد النهي عن التصرف بلباس خاص لكونه حريراً أو ذهباً أو غصباً، كان المتفاهم العرفي من ضم احد الدليل للآخر تقيد إطلاق الأمر بالصلاة المشروطة باللباس بغير مورد النهي، ونتيجة ذلك: اختصاص المامور به باللباس المباح، فالمقرون بغيره لم يكن مصداقاً للمامور به. وملخص كلامه: ليست دعوى الانصراف كما في كلمات المحقق الهمداني وانما مدعاه انه: إذا ضم دليل النهي عن التصرف في اللباس لكونه مغصوبا الى دليل الامر بالصلاة مشروطة باللباس كان مقتضى ضمهما فهم العرف اختصاص الامر بالصلاة مشروطة لغير الفرد المنهي عنه، فهذا الاختصاص مستفاد من الجمع العرفي بين الدليلين.
وأشكل عليه سيدنا «قده»: بأنه ان ما يم هذه الجمع العرفي لو كان مصب النهي عين مصب الامر. كما إذا افترضنا ان ما هو الشرط في صحة الصلاة نفس اللبس، اي نفس الستر، فيقال حينئذٍ: بأن المولى أمر بالصلاة مشروطة باللبس، ونهى عن لبس خاص وهو اللبس الغصبي. فهنا إذا انصب النهي على مصب الشرط فالعرف يرى تنافيا بينهما لانهما اجتمعا على مصب واحد وحل هذا التنافي بالجمع العرفي ومقتضى الجمع العرفي تقييد دليل الامر بدليل النهي.
وأمّا إذا افترضنا ان مصب النهي هو الستر، بينما مصب الأمر هو التستر، يعني التقيد، اي أن مصب النهي: نفس الستر الخارجي، بينما مصب الامر: الصلاة المتقيدة بكون المصلي مستور العورة، فلم يجتمعا في مصب واحد كي يتنافيا كي يجمع العرف بينهما بتقييد دليل الامر بدليل النهي.
ويضاف الى كلامه: بل على فرض تعلقهما بمصب واحد، كما إذا افترضنا انهما متعلقان بالستر الخارجي مثلاً، إلا أن الجامع العرفي بالتقييد انما يتم لو كان العنوان واحداً كما إذا اختلف العنوان، فاذا قال: يجب عليك ان تصلي في لباس، وقال في دليل آخر: لا تلبس الحرير، فهنا يتم الجمع العرفي بتقييد دليل الامر بدليل النهي وان كانت النسبة بينهما عموماً من وجه، لاننا لا نبحث عن التقييد الصناعي، وإنما بنبحث عن تقييد بمقتضى الجمع العرفي بين الدليلين، فاذا كان العنوان واحداً فهذا جمع عرفي.
أما إذا كان العنوان مختلفاً: كما إذا امر بالصلاة في اللباس لكن ما نهى عنه هو الغصب، لا اللباس وان كان من مصاديق الغصب هو التسر باللباس المغصوب، الا ان مصب الشرط غير مصب النهي عنواناً. فمع اختلاف العنوان لا يرى الجمع بينهما بالتقييد جمعا عرفياً.
النكتة الثالثة: ما ذكره سيدنا «قده» في «المحاضرات، في بحث اجتماع الامر والنهي، في ثمرة بحث الاجتماع»: من أن الأمر بالصلاة في الساتر مثلاً أمر بالمتعلق على نحو العنوان الأولي. فإن الصلاة في ساتر عنوان اولي، بينما النهي عن الغصب نهي عن المتعلق بالعنوان الثانوي، ومتى اجتمع دليلان - الكبرى - وكان احدهما بالعنوان الثانوي والاخر بالعنوان الاولي كان مقدما عليه اي ما كان بالعنوان مقدما بالاجتماع على ما كان بالعنوان الاولي، ونتيجة هذا التقديم هو اختصاص متعلق الامر بغير مورد النهي، مثلا: إذا قال المولى «أحلت لكم بيهمة الانعام». وقال في دليل آخر: «لا تتناول المغصوب» فاذا اجتمعا في مورد وكانت البهيمة غصبيةً فان العرف لا يرى تعارضا بين الدليلين، بل يرى: أن الدليل بالعنوان الثانوي مقدم على الدليل بالعنوان الأولي، ومقتضاه اجتناب هذه البيهمة لكونها غصبيةً. فكذلك الامر بالمقام.
ولكن قد يشكل على هذا الكلام:
أولاً: بأن مصب الحرمة ليس هو عنوان الغصب. وإنما مصب الحرمة التصرف في مال الغير دون اذنه وعنوان الغصب مجرد مشير الى ما هو المحرّم حقيقةً، فبما أن مصب الحرمة هو التصرف في ما الغيب دون إذنه لكون التصرف هتكا أو أي شيئا آخر، إذا فكما ان مصب الامر عنوان اولي فهو عنوان الصلاة فأن مصب النهي ايضا عنوان اولي وهو التصرف في مال الغير دون اذنه. فما هو وجه تقديم الثاني على الاول بدعوى ان الثاني عنوان ثانوي والاول عنوان اولي؟.
وثانيا: لو سلمنا بأن مصب النهي هو عنوان ثانوي، فهذه الكبرى انما تتم في خصوص شرطية الاباحة والا لا تصلح كبرى عامة لموارد اجتماع الامر والنهي إذ قد يكون المنهي عنه احيانا عنواناً اولياً كالنهي عن لبس الحرير مثلا، أو لبس الذهب.
ثالثا: وهو المهم، افاد السيد الاستاذ «دام ظله» بانه: لا يوجد ارتكاز عرفي على هذه الكبرى المدعاة، وهي: تقديم ما كان بالعنوان الثانوي على ما كان بالعنوان الل أولي ومقتضى ذلك تقديم ما دل على حرمة الغصب على ما دل على الأمر بالصلاة في الساتر مثلا.
وأما تقديم دليل نفي الاكراه أو نفي الاضطرار أو نفي الحرج على الادلة الاولية، فإنما هو بمناط الحكومة، لا بمناط كون العنوان عنوانا ثانويا وذاك عنوان اولي. وانما بلحاظ الحكومة المتقومة بالنظر، حيث إن دليل نفي الاكراه أو نفي الاضطرار أو نفي الحرج ناظر للأدلة الأولية قدّم بملاك النظر لا بملاك كونه عنواناً ثانوياً.
واما المثال الذي ذكره سيدنا «قده»: من ان دليل «حرمة الغصب» يقدم على دليل «حلية بهيمة الانعام» عند اجتماعهما فلاجل ان دليل الحلية مفاده اللا اقتضاء ودليل الحرمة مفاده الاقتضاء. ولا تنافي بين اللا اقتضاء والاقتضاء عرفا بلا حاجة الى دعوى التقديم. فإن مفاد دليل «حلية الانعام» ان لا مقتضي لحرمتها، وهذا لا يتنافى مع اقتضاء الحرمة بوجه آخر ككونه غصبا ككونها نجسا وما اشبه ذلك.
ولكن عند مراجعة كلام سيدنا قده» يظهر التأمل فيما افيد، والسر في ذلك:
أن منظور سيدنا «قده» في تقدم العنوان الثانوي على العنوان الاولي فيما إذا كان العنوان الأولي متعلقا للحكم الترخيصي لا مطلقاً. فاذا قال المولى: «أحلت لكم بيهمة الانعام الا ما يتلى عليكم» فإن هذا حكم ترخيصي متعلق بالعيمة، واذا قال: «لا تغصب أو لا تتناول المغصوب»، فان العرف يرى ان الثاني ناظر للأول، والسر في النظر: أن الأول حكم حيثي، اي: ان مفاده حلية لحم الغنم من حيث كونه غنما لا من جميع الجهات، وهذا لا تنافى مع حرمته من حيث كونه نجسا أو غصبا أو موطوئاً. فمصب كلامه عندما يقول ما كان بالعنوان الثانوي مقدم على ما كان بالعنوان الاولي عرفا عند اجتماعهما هو: ما إذا كان العنوان الاولي مصبا لحكم ترخيصي فلا يستفاد منه اكثر من الحلية الحيثية، وبالتالي لا تتنافى مع التحريم بوجه من الوجوه، وهذا هو المقصود بكون العنوان عنواناً ثانوياً.
ولذلك التزم السيد الخوئي «قده» بالتعارض: فيما إذا كان الدليلان إلزاميين، وان كان احدهما بالعنوان الاول والآخر بالعنوان الثانوي. كما إذا قال المولى: اكرم كل هاشمي وقال: لا تكرم الفاسق. واجتمعا: فإن الدليل الثاني ليس حاكما وناظراً بل معارض.
واما تطبيقه في المقام، فهو مما خفي حيث أفاد كما هو ظاهر سياق كلامه: ان الامر بالصلاة مقترن بالترخيص التكليفي في التطبيق، فاذا قال المولى: صل متسترا فان هذا الامر بالصلاة بقيد التستر متقوم بالترخيص التكليفي في تطبيق هذا الطبيعي المأموربه على أي فرد. فقول المولى: لا تغصب، ليس ناظرا للامر بالصلاة، وانما ناظ ر للترخيص في تطبيق الطبيعي على المأمور به، وبالتالي فسوف يكون تقديم لا تغصب على قوله: أنت مرخص في تطبيق الطبيعي المأمور به على أي فرد كتقديم لا تغصب على حليّة بهيمة الانعام. وما ذكره «قده» بالنحو الذي ذكرناه تام.
هذا كله بلحاظ الدليل الخاص على اشتراط الاباحة.
القسم الثاني: الدليل العام. والدليل العام هو عبارة عن مجموعة روايات استدل بها على شرطية الاباحة في الساتر:
الرواية الاولى: «المحاسن، ج1، ص254»: صحيحة عمر ابن يزيد، عن أبي عبد الله، قال: «وكل عمل تعمله لله فليكن نقيّاً من الدنس».
بدعوى: ظهور قوله «فليكن»، الارشاد الى شرطية النقاء من الدنس في صحة العمل. وحيث ان الغصب دنس، فمقتضى ذلك اشتراط صحة الصلاة بعدم الغصب.
ويجاب عن ذلك:
على فرض التسليم بالصغرى وهي: ان الصلاة في الساتر الغصبي دنس فإن غاية قوله: «فليكن نقيا من الدنس». أي الارشاد واما انه ارشاد الى الشرطية في الصحة فهذا اول الكلام. فعله ارشاد الى الشرطية في القبول، ان لا يكون عملك مقبولا عند الله الا بنقائه من الدنس، فمجرد ظهور الأمر في الارشاد لا يعني استفاد اشتراط الصحة من ذلك.
الرواية الثانية: رواية «تحف العقول»: عن أمير المؤمنين علي في وصيته لكميل: قال: «يا كميل انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول».
الرواية الثالثة: مرسلة الصدوق التي اسندها في الكافي، عن اسماعيل ابن جابر عن ابي عبد الله : قال: «لو أن الناس أخذوا ما أمرمهم الله فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فانفقوه فيما امرهم الله به ما قبله منهم».
بدعوى: ان مفاد هاتين الروايتين بالساتر الغصبي غير تامة شرعاً.
ولكن يلاحظ على الاستدلال بهما مضافاً الى ضعف سندهما:
أن منظورهما جهة القبول لا جهة الصحة. وعلى فرض ان منظورهما جهة الصحة فيرد على الاستدلال على الثانية ان موردها الانفاق ولبس الساتر الغصبي ليس انفاقاً عرفاً. وهذا ما اشكل به المحقق الهمداني «قده».
ثم قال: إلا أن يقال: بأن ظاهر السياق «لو أن الناس اخذوا ما أمرهم الله فانفقوه فيما نهاهم ما قبله منه» ظاهر انه لا خصوصية لعنوان الانفاق، حيث ان المستفاد بحسب المناسبات العرفية الارتكازية: ان المنظور هو الطاعة والمعصية وليس للانفاق خصوصية. فمفاد هذه الرواية: مفاد قوله: «لا يطاع الله من حيث يعصى».
وبناءً على ذلك فيقال: بما أن المرجع في وحدة الحيث وتعدده هو نظر العرف فالعقل وان كان يرى حيثين: الحيث الاول: هو عملية الستر باللباس المغصوب، والحيث الثاني: كون المصلي مستور العورة. الا انهما بنظر العرف حيث واحد، فيصدق عرفا مفاد هذا الدليل «لا يطاع الله من حيث يعصى». ومقتضاه: ان لبس الساتر الغصبي في الصلاة ليس مصداقا للطاعة فليس امتثالا للمامور به. الا ان الاشكال في السند.
وعلى فرض عدم تمامية هذه الادلة اللفظية تصل النوبة للدليل اللبي وهو الاجماع، حيث ادعي: من قبل صاحب «الحدائق»: أن ظاهر الاصحاب التسالم على شرطية الاباحة حيث لم يعلم مخالف صريح من قدماء الاصحاب على ما نسبه الكليني في «الكافي» الى الفضل بن شاذان.
وحيث يحتمل في الاجماعات المدركية بلحاظ الادلة السابقة، فليس دليلاً ناهضاً.
لذلك سيدنا «قده» في «شرح العروة» قال: لا دليل ولكن الاحوط وجوبا اشتراط الاباحة في ساتر العورة. الا ان الغريب في الفتوى - في تعليقته على العروة - افتى باشتراط الاباحة في الساتر. قال: على الاحوط في غير الساتر والمحمول، ولا يبعد عدم الاشتراط فيهما - في غير الساتر والمحمول - واما في الساتر يفتي بشرطية الاباحة وكذلك كلامه في المنهاج.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo