< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

وصل الكلام على المطلب الثالث: وهو: حكم من صلى بالمغصوب. عن جهل بالموضوع. سواء كان الجهل لشبهة حكمية أو لشبهة موضوعية.
مثلا: إذا كان يعتقد أن الثوب من الحبوة، فلبسه في الصلاة، ولكنه في الواقع ليس من الحبوة، فهذا من صلى بالمغصوب جاهلا بالغصبية لشبهة حكمية.
او لشبهة موضوعية، كما لو اعتقد ان هذا الثوب ثوبه ولكنه تبين انه ثوب جاره الذي لا يأذن باستخدامه. فهنا في مثل هذا الفرض ذكر سيدنا «قده» في موسوعته: «ج12، ص134»:
قال: لا ينبغي الشك في الصحة، - اي صحة صلاته -، لعدم صدور الفعل منه - وهو التصرف في المغصوب - على صفة المبغوضية، لانه صدر ممن هو معذور لاعتقاده ان الثوب له، فلا يمتنع انطباق الواجب عليه، لأن المانع من انطباق المأمور به على ما أتى به ان ما أتى به مبغوض، فإذا لم يكن مبغوضاً لكونه معذوراً في هذا التصرف فلا مانع من كونه مصداقا للمامور به.
ولكن يلاحظ على ذلك:
اولا: بانه لابد من التفصيل كما في فرض الجهل بالحكم بين القاصر والمقصر والا فعدم المبغوضية انما يتصور في فعل القاصر لا في فعل المقصر وان كان الجهل بالموضوع.
ثانيا: كما ذكرنا في المطلب السابق، وهو فرض الجهل بالحكم: هل ان مدرك اعتبار الاباحة هو اشتراط الاباحة شرعا فيكون مشمولا لحديث لا تعاد، ولا حاجة إلى ان يقال: انه ليس مبغوضاً وما ليس مبغوضاً يصلح أن يكون مصداقا للمأمور به، لا نحتاج إلى هذا التعليل بعد شمول حديث لا تعاد. واما إذا كان مدرك اعتبار الاباحة هو حكم العقل بأن المبغوض لا يصلح للمقربية أو لا يصلح لأن يكون مصداقا للمأمور بهن فحينئذ قد يتم كلام سيدنا «قده».
ولكن المحقق النائيني «قده» في «كتاب الصلاة، ج1، ص288»: قال: قد صرّح الاصحاب بصحة الصلاة لمن كان جاهلا بالغصب. وهو مبني على كون المقام من باب التزاحم لا من باب التعارض والا فلا وجه للحكم بالصحة حتى مع الجهل بالغصب إذا كان المقام من باب التعارض. وبيان ما أفاده المحقق النائيني بذكر أمور ثلاثة هو تعرض لها:
الامر الاول: ما هو المائز بين التزاحم والتعارض؟
فأفاد: إذا كان الملاك موجودا في كلا الطرفين المتنافيين، غاية ما في الباب ان المكلّف عاجز عن استيفاء الملاكين معاً، فمثلاً: إذا وقع التنافي بين انقاذ الغريق أو الصلاة في اخر الوقت، فإن لكل منهما ملاك، لكن المكلف عجز عن استيفاء الملاكين معا. فهنا يكون المقام من باب التزاحم.
وأما باب التعارض: فالمناط في التعارض عدم تحقق الملاك الا في احدهما، لا في كليهما، فإذا وقع التعارض بين اكرم كل عالم، ولا تكرم اي فاسق، في مورد الاجتماع فحتما لا ملاك لكليهما فاما ان المتوفر في مورد الاجتماع ملاك الوجوب أو ملاك الحرمة ولا يعقل اجتماع الملاكين، اي المحبوبية والمبغوضية، أو المصلحة التامة والمفسدة التامة.
ولأجل ذلك: يتقيد احد الدليلين بعدم مورد الدليل الاخر إذ لا يمكن ان يبقيا على اطلاقيهما، إذا فلا محالة يتقيد احدهما بغير مورد الآخر، فلو فرضنا مثلا: ان الهي في مور دالاجتماع مقدم على الأمر فلا محالة دليل وجوب اكرام كل عالم مقيد بأن لا يكون المورد مورد فسق، ومقتضى هذا التقيد ان لا ملاك للوجوب، إذ بعد تقيد دليل وجوب اكرام كل عالم بعدم كون المورد مورد فسق فمقتضى هذا التقيد الواقعي: انه لو كان المورد مورد فسق فلا ملاك اصلا للوجوب.
الامر الثاني: متى يقدم أحد المتعارضين على الآخر؟ بحيث يكون مقيدا للآخر.
ذكر الضابطة المحقق النائيني: قال: إذا كان احدهما عاما شمولياً والآخر مطلقا شموليا قدم عليه، وإذا كان احدهما مطلقا شموليا والاخر مطلقا بدليا قدم عليه والمثال لكل من الموردين.
المورد الاول: ما إذا قال المولى: اكرم العالم. ودلالة اكرم العالم على مطلوبية اكرام كل عالم بالاطلاق المبتني على تمامية مقدمات الحكمة، والا المولى لم يستخدم أداةا العموم بأن لم يقل أكرم كل عالم. وإنما قال اكرم العالم. فإذا كان الدليل الآخر: لا تكرم اي فاسق، باستخدم اداة العموم، كان الثاني في مورد الاجتماع مقدما. والسر في ذلك: أن دلالة العام الشمولي نحو: «لا تكرم اي فاسق» على العموم بالوضع لا بمدمات الحكمة، وبما انها بالوضع فدلالته على العموم لا تتوقف على عدم دليل منافي بل هي منجزة. بينما دلالة اكرم العالم على الشمول للاطلاق المبتني على مقدمات الحكمة، ومن المقدمات عدم وجود دليل منافٍ، فدلالة المطلق الشمولي تعليقية بينما دلالة العام الشمولي تنجيزية. فلاجل ذلك: يكون العام الشمولي بيانا صالحا لرفع الاطلاق الشمولي وليس العكس، فيتقيد به.
المورد الثاني: ما إذا قال المولى: اكرم عالما. فإن قوله اكرم عالما، انما يدل على جواز تطبيق المأمور به على اي عالم على سبيل البدل بالاطلاق إذ لولا الاطلاق المبتني على مقدمات الحكمة لما جاز التطبيق على اي عالم على سبيل البدل.
فإذا جاء دليل آخر وقال: لا تكرم الفاسق. ولم يقل لا تكرم الفاسق، فدلالة الدليل الثاني على الشمول ايضا بالاطلاق على الأول بالاطلاق لا بالوضع، مع ذلك يقدم الثاني على الأول. والسر في ذلك: أن دلالة المطلق الشمولي: نحو «لا تكرم الفاسق» على الشمول، وان كانت تعليقية اي مبتنية على مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة عدم وجود بيان مخالف الا ان المطلق البدلي وهو قوله «اكرم عالما» لا يصلح عرفاً أن يكون بياناً رافعاً للإطلاق الشمولي في قوله: «لا تكرم الفاسق»، والسر في عدم صلاحيته: ان لا تنافي بين الأمر باكرام طبيعي العالم المتحقق بصرف الوجود وبين النهي عن اكرام كل فاسق.
فإذاً حيث لا منافاة بين الأمر بإكرام الطبيعي الذي يتحقق بصرف الوجود وبين النهي عن اكرام فاسق، إذا لا يصلح الأمر بإكرام الطبيعي ان يكون بياناً رافعا للإطلاق الشمولي.
بينما العكس يصح: اي ان الإطلاق الشمولي في قوله: لا تكرم الفاسق صالح لأن يكون بياناً رافعاً للإطلاق البدلي في قوله: «اكرم عالماً». والسر في ذلك:
أن انعقاد الاطلال البدلي في قوله «اكرم عالما» يتوقف على تساوي الأفراد في انطباق المأمور به عليها، فإذا قال: اكرم عالما، فإن شمول هذا لأي عالم فرع تساوي افراد العالم في انطباق الطبيعي المأمور به عليها، فإذا جاءنا دليل يقول: لا مساواة بينهم. فإن الفاسق لا يكرم. كان الإطلاق الشمولي بياناً رافعا للإطلاق البدلي فيتقيد بغير مورده.
يقول المحقق النائيني: إذا متى حصل تعارض بين دليلين وكان أحدهما عامّاً شموليا دون الآخر، قُدِّم العام الشمولي، أو كان أحدهما مطلقا شموليا والآخر مطلقا بدليا قدم المطلق الشمولي عليه.
الامر الثالث: إذا عرفت ذلك فتطبيق هذه القاعدة على باب «اجتماع الأمر والنهي» كيف تتم؟.
فنذكر هنا تطبيقين ثم نأتي لمحل الكلام:
التطبيق الاول: ما إذا اجتمع الأمر والنهي في مصب واحد، كما لو افترضنا ان السجود متقوم بالاعتماد اي اعتماد الجبهة على المسجد، فهنا سوف يتعلق الأمر والنهي بمصب واحد، فالسجود مأمور به، ومنه اعتماد الجبهة على المسجد، واعتماد الجبهة على المسجد منهي عنه لكونه تصرفا إذا كان المسجد مغصوبا، فهذا الاعتماد مصب للامر والنهي.
فهنا: بناء على استحالة اجتماع الأمر والنهي لكون التركيب بين المامور به والمنهي عنه تركيبا اتحاديا، بمعنى: ان وجودهما في الخارج واحد مصداقاً، سوف يحصل التعارض بين الدليلين، اي قوله: «اسجد» وقوله «لا تغصب». فإذا قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي، وقع التعارض بين الدليلين، واذا وقع التعارض بين الدليلين قدم النهي على الأمر، لأن اطلاق الأمر بدلي واطلاق النهي شمولي، وقلنا بأن الاطلاق الشمولي رافع للاطلاق البدلي، فمقتضى ذلك: تقيد الأمر بالسجود في غير مورد النهي، «الغصب» ونتيجة هذا التقيد الواقعي ان لا ملاك للامر في مورد النهي، فمتى ما كان الاعتماد على المسجد غصبيا إذا لا ملاك فيه للامر، لأن الدليل فيه من الأول متقيد بغير الغصب. «هذا إشكال النائيني على الأعلام»: فإذا لم يكن فيه ملاك فكيف تقولون بانه يصح في حال الجهل؟ فكيف يقال: بأن من صلى على المسجد المغصوب جاهلا بالغصبية معتقدا ان هذه السجادة له فسجد عليها فيقال: صلاته صحيحة، كيف تصح صلاته والحال ان مورد الغصب لا ملاك فيه للامر كي يكون مصداقاً للمأمور به.
وأما إذا قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي: كما لو كان التركيب انضماميا لا اتحاديا. كما لو كان الركوع في الفضاء المغصوب، وركع في الفضاء المغصوب، فهنا وجودان لمقولتين: الوجود الاول: هو وجود الركوع، والركوع من مقولة الوضعن لأن الركوع عبارة عن الهيئة، والهيئة من مقولة الوضع، والغصب: وهو الكون في الفضاء المغصوب من مقولة الأين.
هيئة كون الشيء في المكان أين متى الهيئة في الزمان
إذاً هنا مقولتان: مقولة الوضع، وهي عبارة عن هيئة الركوع، ومقولة الأين وهي عبارة عن الكون في الفضاء المغصوب، والمقولتان متباينتان، فمقتضى تباينهما تغايرهما وجوداً فهناك وجودان. غاية ما في الباب ان الوجودين بينهما تركيب انضمامي لصدورهما لإعمال قدرة واحد.
ومقتضى ذلك: عدم استحال اجتماع الأمر والنهي، فمتعلق الأمر مقولة، وهي والوضع، ومتعلق النهي مقولة أخرى وهي الأين.
فاذا جاز الاجتماع فلا تعارض بين الدليلين وهما «اركع»، و«لا تغصب»، لأن التعارض فرع استحالة الاجتماع، فإذا لم يكن الاجتماع مستحيلا فلا تعارض، وإنما تزاحم، لأن التزاحم كما عرفناه في الأمر الأول وجدانهما لملاكين مع قصور القدرة عن استيفاء الملاكين في آن واحد. والمفروض ان مقولة الأين فيها مفسدة، لأنها غصب، ومقولة والوضع فيها مصلحة لأنها ركوعت، غاية ما في الأمر أن المكلف لا يقدر على استيفاء الملاكين في آن واحد فالمقام من باب التزاحم لا من باب التعارض.
فلأجل ذلك يقول المحقق النائيني: لابد من التفصيل بين فرض العلم وفرض الجهل، فإن كان المكلف عالما بأن الفضاء مغصوب ومع ذلك أتى بالصلاة في الفضاء الغصبي عالماً بالحرمة.
فهنا يقول المحقق النائيني: لا تصح الصلاة. والسر في عدم صحة الصلاة: أنّ المأمور به خصوص المقدور لأن القدرة أخذت بمتعلق التكليف بنفس التكليف. فبما ان المأمور به خصوص المقدور يعني الركوع المقدور، والممنوع شرعا كالممتنع عقلا فالركوع هذا ممنوع شرعاً لاستلزامه الغصب، إذ بين المقولتين «مقولة الوضع ومقولة الوضع» تلازم، فحيث إن الركوع ممتنع شرعا لاستلزامه الغصب فهو كالممتنع عقلا، والنتيجة: ان الركوع غير مقدور، واذا لم يكن مقدورا لم يشمله الأمر فهذا الركوع بلا امر. هذا في فرض العلم.
واما في فرض الجهل: بأن كان معتقدا أنّ الخيمة له وتبين ان الخيمة لغيره وان الفضاء مغصوب. يقول: المكلف في هذا الفرض قادر على الركوع، لأن المأمور به هو خصوص المقدور لكن المراد بالمقدور المقدور عرفاً. بأن يكون قادرا عرفا على المأمور به، والنهي غير المتنجز لا يسلب القدرة عرفاً. فصحيح أنه منهي عن الكون في الفضاء المغصوب، واقعا هو منهي، لكن هذا النهي غير متنجز في حقه لجهله واعتقاده ان الخيمة له.
فبما أن النهي الواقعي وان كان فعليا لكنه غير متنجز في حقه فغير المتنجز لا يسلب القدرة على العمل المامور به عرفاً. فالنتيجة: ان هذا المكلف قارد على الركوع.
فاذا اتى بالركوع في الفضاء المغصوب جاهلا بالغصبية صحة صلاته.
وتطبيق ذلك على محل كلامنا:
من صلى في الساتر الغصبي جاهلاً بالغصبية معتقدا ان الساتر له فصلى فيه.
فإن قلنا: بأن التركيب اتحادي، اي المنهي عنه نفس الستر والمأمور به هو نفس الستر فاجتماع الأمر والنهي محال، ونتيجة الاستحالة التعارض، ونتيجة التعارض تقديم النهي على الأمر، لأن المطلق الشمولي يتقدم على المطلق البدلي، ونتيجة ذلك تقيد الأمر بغير مورد النهي فمن صلى في الساتر الغصبي صلى بلا ملاك، فلا يشمله الامر. ولا تصح الصلاة عالما أو جاهلاً.
واما إذا قلنا بأن التركيب انضمامي، اي أن المنهي عنه هو الستر لكن المأمور به هو التقيد وليس القيد، اي أن شرط صحة الصلاة: كون المصلي مستور العورة لا الستر نفسه، إذا لم يجتمع الأمر والنهي في مصب واحد، وبالتالي فاجتماعهما ممكن وحيث أن اجتماعهما ممكن فالتركيب بينهما انضمامي، ومقتضى ذلك دخول المورد في باب التزاحم لا التعارض.
فإن كان عالما بالحرمة ومع ذلك صلى، لم تصح صلاته لعدم القدرة، وان كان جاهلاً فالنهي غير المتنجز لا يسلب القدرة، إذا صلاته صحيحة. هذا كله كلام ثبوتي.
الكلام الإثبات: وحيث تسالم الاصحاب على صحة الصلاة في الساتر الغصبي لمن يجهل الغصبية كشف تسالمهم عن قولهم بجواز اجتماع الأمر والنهي، وأن التركيب انضمامي لا اتحادي، وأن المقام من باب التزاحم، والا لو كانوا يقولون بالاستحالة لما حكموا بالصحة، ولو كانوا يقولون بالتركيب الاتحادي لما حكموا بالصحة، ولو كانوا يقولون بالتركيب الاتحادي لما حكموا بالصحة، ولو انهم حكموا بالتعارض ما حكموا بالصحة.
إذاً تسالمهم على الصحة كاشف قولهم بجواز الاجتماع في هذا المورد وان التركيب انضمامي وان المقام من باب التزاحم.
فلذلك يقول المحقق النائيني في الاشكال على سيد العروة، الذي فرّع على الفتوى هذا الفرع: قال: يشترط في الساتر الصلاتي الاباحة، لكن لو صلى بالمغصوب جاهلاً بالغصبية صحة صلاته. يشكل عليه: بانه انت إما قائل بالامتناع أو قائل بالجواز، هذا الفريع انما يصح إذا كنت قائلا بالجواز ودخول المقام في باب التزاحم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo