< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا فيما سبق: كلام المحقق النائيني «قده». وكلامه محل تأمل من عدّة ملاحظات:
الملاحظة الأولى: أنه أفاد: اذا تعارض العام الشمولي، نحو: لا تكرم اي فاسق، مع المطلق الشمولي، نحو: اكرم العالم. فإن العام الشمولي مقدم. وذلك لأن دلالة العام على العموم، في قوله: لا تكرم اي فاسق، دلالة بالوضع. وبما أنّ دلالة العام على العموم في الوضع، فهي تنجيزية، بينما دلالة المطلق على العموم في قوله: اكرم العالم، دلالة تعليقية. لأنها معلقة على تمامية مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة: عدم البيان، والعام الشمولي المخالف بيانٌ. فيكون وارداً على المطلق الشمولي.
والملاحظة على ذلك: ان مدعى المحقق «قده» هل هو ان العام الشمولي رافع لحجية الاطلاق؟ ام مدعاه: ان العام الشمولي رافع لأصل الاطلاق؟. حيث إن كلامنا في الدليلين المنفصلين لا المتصلين، اي: اذا ورد أكرم العالم، وورد في دليل آخر لا تكرم اي فاسق. فالثاني: هل هو رافع لحجية الاول في مورد الاجتماع ام انه رافع لأصل الاطلاق؟.
فاذا كان مدعى المحقق «قده»: ان العام رافع للحجية لا للظهور. بمعنى: ان قول المولى: اكرم العالم، باقٍ على ظهوره في الاطلاق حتى بعد مجيء العام واجتماعهما في مورد. وإنما هل هذ الاطلاق حجة على المراد الجدي؟ هل أن هذا الظهور التفهيمي في الاطلاق كاشف عن أن المراد الجدي ثبوتاً هو الاطلاق؟ ام لا؟.
فقوله: لا تكرم اي فاسق رافع للحجية، اي: لا يبني المرتكز العرفي على الكاشفية عن الاطلاق ثبوتاً. فاذا كان هذا هو مدعاه: فيلاحظ عليه:
ان رفع الحجية يتوقف على القرينة عرفا، لان كل ظهور حجة في مفاده، ما لم تقم قرينة نوعية على خلافه، فاذا كان المطلق وهو اكرم العالم، ظاهرا في الاطلاق كان حجة في هذا الظاهر ما لم تقم قرينة في مورد الاجتماع على خلافه، وكون العام الشمولي وهو لا تكرم اي فاسق قرينة هذا هو اول البحث، فلابد من اثبات انه قرينة نوعية في رتبة سابقة كي يقال انه رافع لحجية ظهور المطلق في الاطلاق وهذا هو اول البحث.
واذا كان المدعى كما هو ظاهر التقرير: ان العام الشمولي رافع لاصل الاطلاق، اي ان الاطلاق كان وهما وخيالاً، فقوله: اكرم العالم، ظاهر ظهوراً بدويا في الاطلاق لما يشمل الفاسق، ولكن بعد مجيء العام الشمولي وقوله: لا تكرم اي فاسق، انكشف لنا أنه لم ينعقد الاطلاق من الاول. فهو رافع لأصل الاطلاق. بذريعة: ان ظاهر حال المتكلم هل هو بيان مرامه بشخص كلامه؟ ام أن ظاهر حاله بيان مرامه بجموع كلامه ولو كانت كلمات متفرقة. فلو قلنا بان المرتكز العرفي قائم على أن ظاهر حال كل متكلم انه في مقام بيان مرامه بشخص كلامه، اذاً فكما يقول صاحب الكفاية «قده»: بمجرد ان حصل المطلق وهو أكرم العالم، ولم يأت المتكلم بمقيد له انعقد الاطلاق. لأن ظاهر حال المتكلم بيان المراد بشخص الكلام، فاذا لم يعقب كلامه بالمقيد حتى انقضى وقت البيان فقد انعقد الاطلاق، ولا يكون العام الوارد بعد ذلك رافعا لاصل الاطلاق فان الاطلاق قد انعقد والشيء لا ينقلب عما وقع عليه.
واما اذا قلنا: كما يظهر من بعض تقريرات المحقق النائيني: ان المرتكز العرفي خصوصاً فيمن دابه التقنين والجعل: ظاهر حاله بيان مرامه لا بشخص كلامه، بل بمجموع كلماته. إذاً فمقتضى هذا الظاهر انه: اذا جاء المقيد المنفصل او جاء العام الشمولي بعد ذلك كشف لنا عن ان المتكلم الحكيم لم يكن في مقام بيان تمام مرامه بشخص كلامه السابق بل مرامه الآن بالمقيد او بالعام الشمولي.
فعندما يقال: إن انعقاد الاطلاق متوقف على مقدمات الحكمة ومنها: عدم البيان: فالمقصود انه متوقف على عدم البيان المتصل والمنفصل. فان كان هذا مدعى المحقق كما يظهر في بعض تقريراته: فقد سجل على كلامه: ان لازم هذا المبنى اجمال المطلق دائما في فرض الشك في مجيء المقيد. فمتى وردنا مطلق وحصل الشك هل أن له مقيد ام لا؟ هل سيجيء له مقيد ام لا؟ فلا يمكن العمل به. لان اصل انعقاد الاطلاق يتوقف على عدم البيان ولو كان منفصلا.
وبناء على ذلك: فأنه لا يمكن التمسك بالمطلقات ما لم يحرز المكلف أن لا بيان ولو منفصلا.
نعم، يمكن ان يقال: ان وجه تقدم العام الشمولي على المطلق الشمولي في مورد اجتماعهما: ان دلالة العام بيانية، ودلالة المطلق سكوتية والدلالة البيانة اقوى ظهورا من السكوتية، فيتقدم عليه من باب قرينية الاظهر على الظاهر. بيان ذلك:
ان المولى اذا قال: لا تكرم اي فاسق، كان لهذا الخطاب دلالات بيانية عديدة بعدد الأفراد، ففي الفاسق الذي هو مورد الاجتماع يوجد دلالة لفظية بيانية في هذا الخطاب تمنع من اكرامه. واما المطلق وهو قوله: اكرم العالم، الذي يتني ظهوره على مقدمات الحكمة: فدلالته على الشمول دلالة سكوتية لا بيانه، وذلك: لأن للمرتكز العقلائي في كل خطاب يصدر من متكلم لهم بناءان عرفيان:
البناء الاول: ان ما قاله يريده. والبناء الثاني: ما لم يقله لم يريده. فاذا جئنا لقوله: اكرم العالم، فبحسب بالبناء الاول ان ما قاله يريد: ان طبيعي العالم مصب للامر بالاكرام لكن هذا لا ينفي الخصوصية. واما البناء الثاني يقول: واما خصوصية كونه عادلا او غير عادل فغير دخيلة لان ما لم يقله لم يرده.
فانعقاد المدلول السلبي وهو: عدم دخل خصوصية العدالة في مصب الامر انما هو بالدلالة السكوتية لا بالدلالة البيانية، والا فمقتضى الدلالة البيانية ليس الا ان طبيعي العام مامور باكرامه، واما رفض خصوصية العدالة وان العدالة ليست دخيلة حتى يتعارض مع لا تكرم اي فاسق فهذا مستفادة من الدلالة السكوتية.
ففي المجمع - مورد الاجتماع - توجد دلالة سكوتية على ان خصوصية العدالة غير دخيلة. وتوجد دلالة بيانية على الفسق مانع من الاكرام. وحيث أن الدلالة البيانية اقوى ظهورا من السكوتية يقدم العام على المطلق تقدم الاظهر على الظاهر.
الملاحظة الثانية: أن المحقق النائيني «قده»: افاد: بان المطلق الشمولي مقدم على المطلق البدلي. فاذا قال المولى: اكرم عالماً. فهذا ملطق بدليل لان المأمور باكرامه صرف الوجود. فاذا بعد ذلك: لا تكرم الفاسق. فهذا مطلق شمولي يدل على شمول الحرمة لاكرام اي فاسق. فاذا اجتمعا في مورد، فهنا يقول المحقق النائيني بان المطلق الشمولي يتقدم على الاطلاق البدلي والوجه في ذلك:
ان المطلق البدلي في قوله: اكرم عالماً، متقوم بتساوي افراد العالم في صدق المأمور به عليها. والمطلق الشمولي يقول: لا تتساوى فان الفاسق يحرم اكرامه، فبذلك يكون المطلق الشمولي بيانا رافعا للمطلق البدلي في مورد الاجتماع.
وهذا ما أورد عليه:
أولاً: بما اصر عليه سيدنا «قده» من ان البدلية والشمولية ليست مستفادة من نفس الاطلاق وانما هاتان الخصوصيتان كون هذا بدليا وكون هذا شمولياً تستفاد من القرائن السياقية والحالية والا فنفس الاطلاق مؤداه واحد في جميع الموارد. اي أن مقتضى الاطلاق المبتني على مقدمات الحكمة في اكرم عالما او في لا تكرم الفاسق هو واحد وهو: ان الطبيعي محط الحكم. فاذا قال اكرم عالما، فغاية مقدمات الحكمة ان طبيعي الفاسق محط للنهي عن الاكرام. واما استفادة ان هذا بدلي اي على نحو صرف الوجود، وهذا شمولي يعني على نحو مطلق الوجود، فكل ذلك من القرائن السياقية لا من نفس الاطلاق. وبناء عليه فالامر دائر بين اطلاقين ولا مرجح لاحدهما على الاخر فالمطلق الشمولي اطلاق والمطلق البدلي اطلاق، اما البدلية والشمولية غير مستفادة من نفس الاطلاق فما هو المرجح لاطلاق على اطلاق في مورد الاجتماع؟.
وثانيا: بناءً على مسلك الميرزا «قده» من ان الأمر بالطبيعي له مدلول التزامي، وهو: تساوي الافراد في النسبة، اي: اذا قال المولى: اكرم عالماً. فله مدلولان: مطابقي وهو: ان طبيعي العالم محل للامر بالاكرام. والتزامي وهو: ان كل فرد من افراد العالم عادلا فاسقا هاشميا امويا متساوي النسبة في انطباق المامور به عليها.
إذاً فقوله اكرم عالما بالنسبة للمدلول المطابقي بدلي ولكنه بالنسبة للمدلول الالتزامي شمولي، لان مفاده بلحاظ المدلول الالتزامي أن كل فرد من العالم مصداق للطبيعي المأمور به وهذا اطلاق شمولي. فاذا جاء اطلاق شمولي آخر وهو قوله: لا تكرم الفاسق فالمورد - مورد الاجتماع - من تعارض اطلاقين شمولين لا من تعارض اطلاق شمولي واطلاق بدلي.
إلا ان يقال: إن هذا مبني على نكتة وهي ما بنى عليه سيد المنتقى والسيد الصدر والسيد الاستاذ: من ان المدلول الالتزامي - على فرض التسليم به - فهو ترخيص حيثي والترخيص الحيثي لا ينافى مع التحريم. فاذا قال المولى: أكرم عالماً، فإن مدلوله المطابقي: ان طبيعي العالم مامور باكرامه، ومدلوله الالتزامي الترخيص في تطبيق الطبيعي المأمور على كل فرد ترخيصا حيثيا، يعني: لك ان تطبق الطبعي المأمور به على هذا العالم فقط من حيث انه عالم ولكن هذا لا ينافي التحريم من جهة اخرى فغاية المدلول الالتزامي الترخيص من حيث وجاء حيث التحريم وهو قوله: لا تكرم الفاسق، فلا تنافي بينهما لان مفاد الاول: يجوز لك اكرامه من حيث انه عالم، ولكن هذا لا ينفي حرمة اكرامه من حيثيات اخرى. والدليل الثاني يقول: يحرم اكرامه وان كان عالما من حيث أنه فاسق، فلا محالة يكون مفاد الدليل الثاني واردا على الأول عرفاً.
فلعل النكتة في ذهن المحقق النائيني هي هذه وان لم يف تقرير كلامه بمرامه «قده».
الملاحظة الثالثة: افاد المحقق النائيني: بانه: على فرض التركيب الانضمامي: اي مثلا لو ركع المكلف في الفضاء المغصوب فقد صدر من المكلف وجودان: مقولة الوضع، وهو الركوع، ومقولة الأين وهو الكون في الفضاء المغصوب والتركيب بين المقولتين انضمامي لا اتحادي، لذلك: لا تعارض بين الأمر والنهي، لان متعلق كل منهما غير الآخر.
ولكن: لا تعارض بينهما ولكن بينهما تزاحم؛ اذ المكلف عاجز عن امتثال كلا الحكمين في آن واحد، فالمورد من موارد التزاحم لا من موارد التعارض. ولذلك يرد الاشكال عليه: انه اذا التزمنا بتعدد المتعلق وجوداً فمتعلق النهي وجود، ومتعلق الامر وجود فلا تعارض ولا تزاحم. لأنّ قوام التزاحم قصور القدرة عن الجمع بين الامتثالين لا قصور القدرة عن الجمع بينهما في آن، فان التزاحم قصور القدرة عن الجمع بين الامتثالين وهذا المكلف ليس قاصر القدرة عن الجمع بين الامتثاليين اذا بامكانه ان لا يصلي في هذا المكان الغصبي وفي الساتر الغصبي، إذاً التزاحم: إنما هو قصور القدرة عن الجمع بين الامتثالين لا قصور القدرة عن الجمع بين العملين في آن واحد. وبالتالي لا يتصور تزاحم الا اذا كان المكلف مضطرا كمن دخل الدار المغصوبة مضطرا، فالتزاحم لا يترتب مباشرة على القول بالتركيب الانضمامي، بمعنى ان نقول: بمجرد ان يكون بينهما تركيب اذاً هناك تزاحم..
الملاحظة الأخيرة: سلمنا مع المحقق ان التركيب الانضمامي بين المنهي والمأمور به يؤدي الى التزاحم، فعلاج التزاحم هو الترتب. فلماذا يحكم بعدم صحة الصلاة. فان علاج التزاحم بان يقال: لا تغصب فان غصبت فصلّ. وهذا اشكال مبنائي عليه لانه لا يرى الترتب في موارد اجتماع الامر والنهي ولو على نحو الترتيب الانضمامي.
هذا تمام الكلام في كلام المحقق النائيني.
ويأتي الكلام في المطلب الرابع، وهو من صلى بالمغصوب نسياناً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo