< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/11/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

كان الكلام في حكم: من صلّى بالمغصوب جهلاً بالغصبية. وذكرنا: أنّه لابّد من التفصيل بين القول بالامتناع فلا تصح الصلاة، وبين القول بالجواز فتصح. ووصل الكلام غلى المطلب الرابع: وهو من صلّى بالمغصوب نسياناً. فما هو حكم صلاته بناءً على اشتراط الإباحة في الساتر الصلاتي سواء كان الشرط شرعياً أو عقلياً؟.
فقد يقال: إن هنا تفصيلين:
التفصيل الأول: ما يظهر من عبائر المحقق النائيني «قده» في كتاب «الصلاة، ج1، ص291» من التفصيل بين المتحفظ وغير المتحفظ. فإن كان النسيان عن تحفظ منه بمعنى: أنه كان متحرزا عن الصلاة في المغصوب ولكن نسي اتفاقاً فصلى في المغصوب فصلاته صحيحة. وبين من نشأ نسيانه لعدم التحفظ اي لأجل عدم تحرزه وتحفظه عن الصلاة في المغصو نسي فصلى في المغصوب فصلاته فاسدة. والوجه في هذا التفصيل: احدى نكتتين:
النكتة الأولى: ان يقال: ان سياق حديث «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» سياق الامتنان والمعذرية للمكلف. فبما أنّ سياقه سياق المعذّرية فمقتضى ذلك اختصاص حديث لا تعاد بالمعذور أو بمن هو قابل للعذر هو المتحفظ ذون غيره.
ولكن قد يجاب عن ذلك: بأن مفاد سياق حديث «لا تعاد» ليس الا الارشاد الى حدود الجزئي والشرطية، فدليل «لا تعاد» بمقتضى نظره للأدلة الأولية وهي: أدلة الأجزاء والشرائط يرشد الى حدود الجزئية والشرطية، وأن الجزئية من أول الأمر أو الشرطية من اول الأمر في غير الفرائض لا تشمل فرض النسيان أو الجهل القصوري لا ان سياقه سياق المعذرية كي يقال: بأن مقتضى هذا السياق أن من ليس معذورا فهو خارج عن مفاده.
النكتة الثانية: إن حديث الرفع «رفع عن أمتي النسيان» لا يشمل غير المتحفظ، باعتبار أن حديث الرفع وارد مورد الامتنان، وغير المتحفظ ليس محلاً للامتنان، فلأجل ذلك: لا يشمله حديث الرفع، ومقتضى قصور حديث الرفع عن الشمول له بقاء الحرمة في حقه، ومقتضى بقاء الحرمة في حقه أن يكون ما صدر منه مبغوضاً والمبغوض لا يصلح مصداقا لما هو المأمور به.
ولكن يلاحظ على هذه النكتة:
أنّ مؤدى هذه النكتة شمول حديث الرفع للمتحفظ. ونتيجة ذلك ان لا حرمة في حق المتحفظ، ولكن ارتفاع الحرمة شيء وثبوت صحة صلاته شيء آخر. فإن صحة صلاته لا يكفي فيها انتفاء الحرمة أو معذوريته بل لابد من اثبات أن ما صدر منه من العمل قابل للمقربية، وسيأتي: ان القبيح ليس صالحا للمقربية ولو لم يكن محرماً.
فهذا ما يتعلق بالتفصيل وهو التفصيل بين المتحفظ وغير المتحفظ.
فقد يُدّعى: أنه لا فرق بين أن يكون الناسي متحفظا أو غير متحفظ فإن مقتضى إطلاق حديث لا تعاد شموله لكليهما.
التفصيل الثاني: ما صدر عن المشهور من التفصيل بين الغاصب وغير الغاصب. فإن كان من صلى في الساتر الغصبي هو الغاصب، فإن صلاته لا تصح. وأمّا إذا كان من صلى في الساتر الغصبي من اعتقد انه ملكه فصلى فيه فتبين أنه ليس بملكه وهذا الاعتقاد عن نسيان منه ان هذا لغيره. والوجه في التفصيل بين الغاصب وغيره احدى نكتتين:
النكتة الأولى: ما اشاره اليه سيدنا «قده» في «ج12، ص135» قال: إن الغاصب وان لم يكن عمله محرّماً إذ لا يعقل شمول الحرمة للناسي فإن تكليف الناسي لغو لا اثر له فلا يعقل شمول الحرمة للناسي اصلا وبالتالي فما صدر منه وهو الصلاة في الساتر الغصبي ليس عملا محرما ولكن مع ذلك هو مبغوض والوجه في مبغوضيته ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وان كان ينافيه خطابا، فهو أنما نسي وصلى في المغصوب بسبب عدم مبالاته لغصبه، وبالتالي: فالنسيان امتناع بسوء الاختيار وهو وإن كان منافيا للخطاب حيث لا يعقل تكليف لكنه لا ينافي العقاب فهو غير معذور ما دام هذا الامتناع بسبب سوء اختياره. فبما ان عمله مبغوض وغير معذور فيه فالمبغوض لا يصلح للمقربية أو ان يكون مصداقا لما هو المأمور به.
النكتة الثانية: قد يدعى: أن المبغوضية ملازمة للحرمة فاذا زالت الحرمة زالت المبغوضية كما افاد المحقق النائيني في «كتاب الصلاة» ان العقوبة على المبدا لا تعني العقوبة على العمل نفسه، فلنفترض أنّ هذا المكلف لم يبالي بالغصب ونتيجة عدم المبالاة نسي فصلى في المغصوب فهو غير معذور في عدم المبالاة لا في صلاته في المغصوب، فإن صلاته في المغصوب عمل معذور فيه لا عقوبة عليه فيه وليس مبغوضاً. ولكن، انتفاء المبغوضية لا يعني انتفاء القبح، فعمله يعد قبيحا لدى العقلاء ما دام صادرا بسوء الاختيار، وان لم يكن مبغوضا شرعا ولا محرما فعلا ولكنه قبيح بنظر العقلاء، والقبيح لا يصلح للمقربية أو لا يصلح ان يكون مصداقا للمامور به أو ان حديث لا تعاد منصرف عنه.
إذاً فالنكتة في التفصيل بين الغاصب وغيره ان ما صدر من الغاصب قبيح.
ولكن مقابل هذا التفصيل: ادعي عدم الفرق بين الغاصب وبين غيره، وذلك بأحد وجوه:
الوجه الأول: دعوى اطلاق حديث الرفع فإن مقتضى اطلاق رفع عن امتي النسيان ان لا فرق بين كون الناسي غاصبا أم غير غاصب وهذا ما ذكره سيد المستمسك في «ج5، ص284»: فأفاد: أما ناسي الغصب فمقتضى حكم العقل الحاقه بالجاهل فتصح صلاته مع القصور وتفسد مع التقصير، - هذا إذا نظرنا للبناء العقلائي -، لكن مقتضى اطلاق حديث الرفع الصحة مطلقا، فإن متقضى حديث الرفع ان ما صدر منه من عمل ليس محرّماً سواء كان هو الغاصب أم غيره فاذا لم يكن محرما فلا مانع ان يكون مقرّباً أو مصداقاً لما هو المأمور به. وتقييد الحديث بالقاصر بالنسبة الى الجاهل - يعني الذي خرج عن حديث الرفع الجاهل المقصّر - لقيام الأدلة الأدلة القطعية ومنها الاجماع على عدم معذورية الجاهل المقصّر وتقييد الحديث بالقاصر لا يعني تقييده بالنسبة للناسي. فغاية ما خرج عن اطلاق حديث الرفع الجاهل المقصر لقيام دليل الإجماع، وأما الناسي فسواء كان غاصبا أم لم يكن غاصبا فهو ما زال باقيا حتى إطلاق حديث الرفع.
فالبناء على الصحة مطلقا ولو كان مقصرا غاصبا عملاً بالحديث الشريف في محله.
خلافا لاطلاق جماعة كالعلامة في جملة من كتبه وولده والشيخ الثاني في البروض وغيرهم على ما حكي عنهم من الحكم بالبطلان مطلقاً.
ولكن في كلام سيدنا «قده»: «ص135» مناقشة لكلام المستمسك حيث قال: وهذا بخلاف غير الغاصب فإن مقتضى حديث الرفع - بالنسبة لغير الغاصب - الذي هو رفع واقعي في غير ما لا يعلمون، فإن مفاد حديث الرفع بالنسبة الى ما لا يعلمون رفع ظاهري وبالنسبة الى فقرة النسيان رفع واقعي، يعني الحرمة تزول واقعاً. الذي هو رفع واقعي في غير ما لا يعلمون مقتضى حديث الرفع: تخصيص حرمة الغصب لغير الناسي، فلا حرمة فيه - في الناسي - كما لا مغوضية حتى واقعا، كي تكون مانعا من صلاحيتة التقرب وصيرورته مصداقا للواجب، ومنه تعرف أنه لا مجال للتمسك بالحديث في القسم الأول اعني الناسي الغاصب إذ هو «الرفع» بمناط المنّة على نوع الأمة ولا امتنان على نوع الأمة في الرفع عن الغاصب كما هو ظاهر.
فمدعى سيدنا «قده»: بما أن الرفع في حديث الرفع امتناني على النوع ولا امتنان في حق الغاصب فهو خارج موضوعا في حديث الرفع فلا معنى للتمسك بإطلاقه كما ذهب اليه سيد المستمسك «قده».
ولكن، إنّ مقتضى ورورد حديث الرفع مورد الامتنان لا يمنع من شموله للناسي القاصر، فرفع الحرمة عنه واقعا ليس مخالفا للامتنان على نوع الامة، فإن المدار في جريان الحديث ان لا يكون الرفع في حق احد خلافا للامتنان في حق غيره، هذا هو المدار. ومن الواضح ان رفع الحرمة عن الغاصب حال الصلاة ليس منافيا للامتنان في حق غيره كي يقال بأن حديث الرفع لا يشمله، إذاً لا مانع من شمول حديث الرفع للناسي الغاصب.
ومقتضاه: الشمول لكليهما بل قد يقال: ان منظور حديث الرفع خصوص الغاصب، لأنّ ارتفاع الحرمة عن الناسي غير الغاصب عقلي وليس امتنانيا، فإن من نسي الموضوع فارتفاع الحرمة عنه بحكم العقل، إذ لا يعقل تكليفه ما دام ناسيا، فإذا كان تكليف الناسي غير الغاصب غير معقول لأنه لغو فارتفاع الحرمة عنه بحكم العقل لا بحديث الرفع، وبما ان حديث الرفع وارد مورد الامتنان فوروده مورد الامتنان ظاهر في أن المقتضي لثبوت الحرمة موجود، وهو كونه غاصبا لكن الشارع امتنانا عليه رفع الحرمة عنه.
فلو لم نقل باختصاص حديث الرفع بالغاصب فلا اقل انه القدر المتيقن.
الوجه الثاني: التمسك باطلاق حديث «لا تعاد» فإن مفاد حديث لا تعاد ان من لم يخل بالفريضة فصلاته صحيحة ومن صلى بالمغصوب نسيانا من لم يخل بالفريضة فصلاته صحيحة سواء كان هو الغاصب أو غيره.
وهذا الاطلاق نفسه ما ذكره سيدنا «قد» «ص136»: قال: فالناسي للغصب ان لم يكن هو الغاصب فلم يصدر منه اي محرم بمقتضى حديث الرفع. فلا خلل في صلاته بوجه وإن كان هو الغاصب فالفعل وان صدر منه مبغوضاً ومستحقا للعقوبة الا ان غايته انه اخل بالشرط فكأنه صلى عاريا ناسياً، إلّا أنّ غاية ما في الباب الاخلال بالشرط اعني الستر، فكأنه صلى عاريا ناسيا، إذ لا يزيد عليه، ومثله محكوم بالصحة بمقتضى حديث لا تعاد، فالاقوى وفاقا للمتن هو الحكم بالصحة في كلتا الصورتين - غاصبا أو لم يكن غاصبا -، لكن بمناط: ففي غير الغاصب لشمول حديث الرفع وفي الغاصب لشمول حديث لا تعاد له.
ولكن قد يُشكل على عدم الشمول حديث «لا تعاد» للغاصب بوجوه:
الوجه الأول: أنّ سياق حديث لا تعاد سياق المعذرية والتسهيل وحيث إن الغاصب ليس محلاً للمعذرية لم يشمله حديث لا تعاد.
وقد أجبنا عن ذلك بما سبق: بأن حديث لا تعاد مجرد ارشاد لحدود الجزئية والشرطية.
الوجه الثاني: وهو ما اشار اليه المقرر الشيخ البروجردي «قده» «ص136» في التعليق على كلام أستاذه الخوئي: بأن حديث لا تعاد في مقام البيان من جهة الشرط أو الجزء وليس في مقام البيان من سائر الجهات فمفاد حديث لا تعاد بمقتضى سياقه ان من اخل بجزء أو بشرط عن عذر كانت صلاته صحيحة، وأمّا من أخل بالمقربية أو العبادية من دون اخلاله بجزء أو بشرط فليس الحديث متكفلا لبيان حكمه فهو أصلا ليس في مقام البيان من هذه الجهة كي يتمسك بإطلاقه لإثبات صحة الصلاة وان كان المصلي غاصباً. هذا ما ذكره المقرر البروجردي: حيث قال: ما أفاده «السيد الخوئي» في بحثه الشريف عدل عنه في الطبعة الأخيرة من تعليقته الأنيقة وحكم في الصورة الثانية - وهي ان يكون غاصبا - بالبطلان، نظرا إلى ان سياق حديث لا تعاد سياق من أخل بشرط أو الجزء وليس في مقام بيان سائر الجهات كي يتمسك به لاثبات صحة الصلاة حتى ولوم كان المصلي غاصبا.
لكنه «الشيخ البروجردي» اشكل على هذا الكلام: «ص136»:
ولقائل ان يقول: اما ان المبغوضية مانع أو ان المقربية شرط. - لماذا تقولون من صلى بالستر الغصبي فصلاته فاسدة، مرجع كلامكم الى انه إما أن المقربية شرط أما أن المقربية مانع -، وبالنتيجة من صلّى بالساتر الغصبي نسيان فقد اخل اما بالشرط أو بالمانع شموله له، فمن صلى في الساتر الغصبي نسيانا اما اخل بشرط المقربية أو أخل بالمانعية وكلاهما من سنن الصلاة فيكون مشمولاً لحديث لا تعاد، فلا فرق بين ان يكون غاصبا أو غير غاصب.
هل هذا الكلام صحيح: ان مرجع الحكم بفساد الصلاة فيمن صلى في المغصوب إلى أنّ المقربية شرط أو المغضوية مانع فهو مرفوع بحديث لا تعاد.
نقول: هذا الكلام غير صحيح. والوجه في ذلك:
اولا: إن حديث لا تعاد في مقام بيان حكم الاجزاء والشرائط بعد المفروغية عن الصلاتية والعبادية اي بعد المفروغية عن كون ما هو فيه صلاة وعبادة إذا اخل بجزء أو بشرط ولم يكن من الفرائض كانت صلاته صحيحة.
واما إذا كان عمله هدما لأصل عنوان الصلاتية أو هدما لعنوان المقربية فهذا خارج عن موضوع حديث لا تعاد، ولذلك من محى صورة الصلاة نسيانا كأن يصفق نسيانا فإن صلاته لا يمكن تصحيحه بحديث لا تعاد، فإن سياق «لا تعاد الصلاة» بعد المفروغية عن صدق عنوان الصلاتية والعبادية.
وثانيا: إن حديث لا تعاد محفوف بالمرتكزات العقلائية والمرتكز العقلائي لا يرى القبيح مقرّباً، فمقتضى احتفاف حديث لا تعاد بالمرتكزات العقلائية عدم شمول حديث لا تعاد له، وإن كان حديث لا تعاد في مقام البيان من تمام الجهات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo