< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا سابقاً: أنّ المسألة الثانية فيها صور ثلاث: وصل الكلام الى:
الصورة الثانية: وهي ما إذا كان في ساتر العورة في الصلاة خيط مغصوب. فقلنا: بأن جمعاً من الفقهاء ذهب الى أن هذا الخيط بمثابة التالف. ولأنه بمثابة التالف لا يكون وجوده في الساتر مضّراً بصحة الصلاة. وذلك: لوجوه ثلاثة:
الوجه الاول: أنّ التالف ليس بملك. لأن اعتبار الملكية لما هو تالف اعتبار لغو، فبما أن الخيط المغصوب تالف، والتالف لا ملكية له إذاً فقد عن كونه مغصوبا فالصلاة في ساتر خال من الغصبية. وسبقت مناقشة السيد الخوئي لهذا الوجه.
الوجه الثاني: ما اشار اليه سيد المستمسك «قده» وناقشه، وهو: ما أفاده «المستمسك، ج5، ص292»: أنّ الخيط المغصوب لا يجب رده، لأن في رده ضرراً، فمقتضى قاعدة «لا ضرر» عدم وجوب رده. وبيان ذلك:
أن المكلف لو اراد تخليص الخيط المغصوب من ساتر العورة ورده الى مالكه لتضرر نفس الخيط وسائر العورة معا، فيسقط وجوب الرد، فبما ان وجوب الرد ضرري فيسقط وجوبه بقاعدة لا ضرر، فإذا سقط وجوبه بقاعدة «لا ضرر» فهذا الخيط مال لا يجب رده. والمال الذي لا يجب رده ليس بمغصوب، لانه لا يجب رده. وانما تكون الصلاة فاسدة لو كان ساتر العورة مغصوبا، هذا الساتر ليس مغصوبا لان هذا مما لا يجب رده على مالكه، يعني بقاءه في ساتر العورة جائز شرعاً، فالخيط الذي لا يجب رده على مالكه لان ف يرده ضررا ومقتضى قاعدة «لا ضرر» عدم وجوب رده لا يعد مغصوبا إذ كيف يكون مغصوبا والشارع يقول لا يجب عليه رده بل يجوز له ابقائه.
ولكن السيد الحكيم «قده» اجاب عن ذلك:
ففيه أنّها لا تقتضي الخروج عن الملك ولا جواز التصرف فيه بغير اذن المالك.
لنفترض أن وجوب الرد ضرر عليه، وان مقتضى «لا ضرر» أن لا يجب عليه الرد، ولكن هذا لا يعني ان الخيط خرج عن ملك مالكه ولكن هذا لا يعني انه يجوز التصرف فيه من دون اذن المالك. إذاً فمناقشة هذا الوجه من الاستدلال:
أولاً: بأن قاعدة «لا ضرر» واردة مورد الامتنان، ولا امتنان على من بيده المال وإن كان لا يمكنه الرد، فكون المالك لا يمكنه الرد لا يعني ان «لا ضرر» شاملة له بلحاظ انه اقدم على الغصب، وحيث إنه اقدم على الغصب فحينئذ لا تشمله قاعدة «لا ضرر» لأنه ليس موردا للامتنان.
وثانيا: على فرض شمول «لا ضرر» له - كما افاد السيد الحكيم - على اية حال بامكانه ان ينزع الساتر. لانه ليس مضطرا للصلاة فيه، فمجرد انه لا يجب الرد شيء وجواز التصرف فيه بدون اذن مالكه شيء آخر، فالمال الذي لا يجب رده لا يعني انه مال يجوز التصرف فيه بدون اذن المالك.
إذاً بالنتيجة: لو وجد شخص مال لشخص بين يديه لا يجب علي رده لكن لا يجوز التصرف فيه من دون اذنه، فغاية مفاد «لا ضرر» ان هذا مال لا يجب رده، لا ان هذا مال يجوز التصرف فيه من دون اذن مالكه والحال انه ما زال على ملك مالكه.
الوجه الثالث: أن هذا الخيط بما انه تالف إذاً فهو مضمون، مقتضى كونه تالفا على مالكه اشتغال ذمة الغاصب بضمانه ببدله، فإذا كانت ذمة الغاصب مشغولة ببدله خرج عن ملك مالكه إذ لا يجتمع العوض والمعوض على ملك واحد. الخيط باق على ملكه وعوض الخيط له. لا يجتمعان.
فاذا قلنا بأن الخيط الموجود في الساتر الغصبي مضمون لكونه تالفا، فمقتضى كونه مضمونا خروجه عنملك مالكه، إذ لو لم يخرج عن ملك مالكه للزم أن يجتمع العوض والمعوض في ملك مالكه وهذا مما لا يعقل، فإذا خرج الخيط عن ملك مالكه بالضمان اصبح الساتر مباحاً خالياً من الغصبية.
وأشكل السيد الحكيم على ذلك ثم تراجع عن اشكاله: قال: في نفس «ص292»: إن الملحوظ في الضمان عوضية القيمة عن العين من حيث المالية، فهي جبر للخسارة المالية الواردة على المالك لا عوض عن العين في إضافة الملكية ليقتضي خروج العين عن ملك المالك.
محصّل كلام السيد الحكيم «قده»:
أولاً: بأنّ الضمان ليس من المعاوضات في شيء، فرق بين المعاوضة وعنوان الضمان.
الضمان: هو عبارة عن اشتغال الذمة ببدل التالف. فلو أن انسانا كسر كأس شخص فمعنى أنه ضامن يعني اشتغلت ذمته ببدله، أما انه لم تجري معاوضة بين هذا البدل وبين الكأس بحيث يخرج البدل عن ملكه ويدخل الكأس في ملكه، ليس الضمان الا اشتغال الذمة ببدل التالف لا ان الضمان معاوضة كما في البيع والاجارة وامثالها من المعاوضات.
ثانياً: لو فرضنا أنّ هناك نوعاً من المعاوضة بين البدل وبين التالف. اي: لو أرجعنا الضمان الى سنخ المعاوضة، فالضمان بدل عن اي شيء؟! هل هو بدل عن العين أو بدل عن مالية العين؟.
يقول سيّد المستمسك «قده»: الضمان بدل عن المالية وليس بدل عن العين، فاشتغال ذمة الغاصب ببدل الخيط، معناه: اشتغال بعوض عن مالية الخيط لا بعوض عن نفس الخيط، لأن المالك ما خسر الخيط وانما خسر ماليته، فمالية الخيط مبدلة لا اصل العين وبالتالي فالعين ما زالت باقية على ملك مالكها، وبالنتيجة الصلاة في هذا الخيط صلاة في المغصوب.
لكن تراجع عن هذا الاشكال في نفس «ص292»: قال «قده»: لكن الانصاف أن دعوى كون المرتكز العرفي في باب الضمان ذلك قريبة جدا.
يقول: لا يبعد أن يكون المرتكز العرفي بدل لنفس التالف، وبالتالي بما أنّك مشغول الذمة ببدله فالمالك ملك بدله فلا ملك له. لا يبعد قيام المرتكز العرفي - نحن لا نقول بان الضمان من المعاوضات - لكن بالنتيجة وان لم يكن الضمان من المعاوضات لكنه بمجرد ان يملك مالك الخيط بدله وقيمته على ذمة الغاصب خرج الخيط عن ملكه. هذا هو المرتكز العرفي. وبناء على ذلك: فالصلاة في هذا الخيط ليس صلاةً للمغصوب.
فإن قلت: العين التالفة لا تقبل الملك، - انتم تقولون ان الخيط تالف إذ لو كان تالفا لم يكن مضمونا -، مقتضى كون الخيط تالفاً أنّ المالك ملك بدله على ذمة الغاصب، - أنتم الآن تريدون ان ترتبوا عليها بحسب كلامكم: تقولون أن المرتكز العرفي يقول: ملك المالك البدل فخرج الخيط المبدل عن ملكه، إن قلتم بأنه يدخل في ملك الغاصب، فالتالف لا يقبل الملكية فكيف يدخل في ملك الغاصب؟!. إذا كان التالف لا يقبل الملكية فكيف يحلّ محل بدله في الملكية؟. فهذا المرتكز العرفي الذي ذكرتم أنّه قريب جدّاً: محصّله: أنّ الغاصب دفع البدل، فخرج المبدل عن ملك المالك، فدخل في ملك الغاصب والحال ان هذا البدل تالف فكيف يدخل في ملك الغاصب والتالف لا يقبل التملك؟! -. ولا غيره من العناوين اصلا. - العين التالفة لا يوصف بأنها ملك ولا يوصف بأنّها حق، فكيف يمكن دعوى ذلك مقتضى الارتكاز العرفي؟.
قلت: المدّعى: قال: هذه المعاوضة على نحو الاقتضاء لا على نحو الفعلية. - لا يعتبر في المعاوضة على نحو الفعلية، يكفي أن تكون على نحو الاقتضاء -. بيان ذلك: كما مرّ علينا في «الشرائع واللمعة»: أن الانسان إذا اشترى من ينعتق عليه مباشرة يصبح حرّاً، إذا اشترى الولد اباه انعتق عليه.
فهل دخل ابوه في ملكه؟ فدفع لزيد مبلغ مقابل ابيه، المبلغ خرج من ملكه الى ملك زيد هل دخل ابوه في ملكه؟. يقول: لا، لم يدخل في ملكه. إذاً كيف حصلت معاوضة؟. يقول: هو لا يدخل في ملكه اصلا، لا يعقل ان يملك الولد أباه ولو لحظة ولو آناً ما، هذا على نحو الاقتضاء لا على نحو الفعلية، بمعنى: أنّ بذل المبلغ بإزاء أبيه يقتضي أن يتملك أباه لكن لا أن يكون مملكا على نحو الفعلية مجرد اقتضاء، بل المبلغ بإزاء أبيه فيه اقتضاء لأن يدخل أبوه في ملكيته، لكن المتقضي يقابله المانع، فهناك مانع من دخوله في ملكية ولده وهو ما دل من الشارع على أن الولد لا يملك أباه. وهذا المقتضى كاف في انعتاق الاب. فمجرد بذل المبلغ مقتضٍ لتملك الأب وهذا المقتضي أثره انعتاق الاب، والا الاب لم يدخل في ملك الولد ولو آنا ما. إذاً المعاوضة حصلت لكن لا على نحو الفعلية، فالأمر كذلك في المقام:
فإن الغاصب عندما غصب الخيط وصار الخيط تالفا فاشتغلت ذمة الغاصب ببدل الخيط فبذل الغاصب البدل للمالك يقتضي تملك الغاصب للخيط لولا أن الخيط تالفاً. لو لم يكن الخيط تالفا لدخل في ملكه بالفعل، لكن تلفه منع من تملكه؛ فبذل المال في مقابله معاوضة، لكن معاوضة اقتضائية وليست معاوضة فعلية. اي: ان بذل المال يقتضي التملك لولا وجود المانع، والمانع هو كون الخيط تالفاً.
فإذاً بالنتيجة: حافظنا على المرتكز العرفي: قلنا: المرتكز العرفي في باب الضمان يرى أن البدل عوض عن العين وليس عوضا عن ماليتها، غاية ما في الباب أنّ العين لا تدخل في ملك الضامن لا لعدم المقتضي بل لوجود المانع وهو كون العين تالفة.
وهنا ملاحظتان:
الملاحظة الاولى: أن ما أفاده سيد المستمسك «قده» من أنّ المرتكز العرفي قائم على أن الضمان عوض عن العين لا عوض عن المالية غير واضح. فغاية المرتكز العرفي أن يقال: لا حق للمالك في هذه العين، بمعنى: لا سلطنة له على العين منعا أو جوازا بتعويضه، أي أنّ غاية ما قام عليه المرتكز العرفي أن المالك إذا عوض عن الخسارة بهذا العوض لا سلطنة لك بهذا الكأس بسطاً أو قبضاً. أمّا أنّ هذا الكأس مُلك من؟ وهل يدخل في ملك الضامن على نحو الاقتضاء. كما ذكر أو لا يدخل؟ هذا كله لا يقتضه المرتكز العقلائي. غاية ما قام عليه المرتكز العرفي أن الخسارة عوضت لا اكثر من ذلك، اما انه خرج عن ملك مالكه دخل في ملك الغاصب على نحو الاقتضاء؟ كل هذا مما لا شاهد عليه. غاية ما قام عليه المرتكز العرفي ان الخاسرة عوضت، لا اكثر من ذلك. أما ان الحق لمن والحق لمن؟ هذا لا يعينه المرتكز العرفي نحتاج الى ادلة أخرى الى شواهد أخرى. فدعوى أن المرتكز العرفي قائم على أن العوض عوض عن العين بحيث تخرج العين عن ملك المالك وتدخل في ملك الغاصب على نحو الاقتضاء لا على نحو الفعلية، هذا مما لا شاهد عليه.
الملاحظة الثانية: ما افاده سيد المستمسك: من أنّ المعاوضة على نحو الاقتضاء لا على نحو الفعلية. لو سلمنا طبعا ان الضمان من قبيل المعاوضات كما ادعاه: ان هذا من قبل المرتكز العرفي. المعاوضات عموما: هذا البحث ذكر في «باب البيع، وباب الاجارة» جميع المعاوضات سواء كانت بيع أو اجارة ليست متقومة بحلول العوض محل المعوض فيما هو فيه. هذا المسلك الذي ذهب اليه السيد الخوئي «قده» تبعا للمحقق النائيني: ان المعاوضة عبارة عن حلول العوض محل المعوض. نفس هذا التعريف للمعاوضة محل تأمل. ليست المعاوضة الا المقابلة بين المالين فقط. حلّ أحدهما محل الآخر أم لم يحل هذا أمر لا تقتضيه المعارضة أصلاً. بيان ذلك: لو أراد الحاكم الشرعي أو الفقيه الجامع للشرائط ان يعوض أو يبدل مثلا يبدل سهم سبيل الله من الزكاة بجسر للمؤمنين.
هل سيبل الله يملك سهما من الزكاة؟. يقول السيد الخوئي: لا، هذا مصرف وليس مالك، يعني الزكاة توزع الى اسهم، سهم من الزكاة ليس ملكا لاحد اصلا، وانما مصرفه سبيل الله. سبيل الله مصرف وليس مالك، إذاً ليس له مالكه هل للحاكم الشرعي ان يبيعه؟. يقول: نعم لا مانع. باع ما هو من الزكاة، عنده نقد زكوي الذي هو ليس ملكا لاحد وانما مصرفه سبيل الله اشترى الحاكم الشرعي مركبةً للمؤمنين أو جسراً يمرّ عليه المؤمنون. أين العوض واين المعوّض؟!، الثمن وهو العوض، ليس ملكا لأحد حتى يحلّ محله في الملكية، المعوض جسرا ليس ملكا وإنما مصرفه انتفاع المؤمنين به، فإذا كان العوض غير مملوك، والمعلوض غير مملوك، إذاً لم يحل احدهما محل الآخر، ليست المعاوضة عبارة عن حلول أحدهما محل الآخر في الملكية، وإنما المعاوضة مجرد مقابلة بين المالين. مقابل هذا النقد الزكوي جسر، مقابل هذا النقد الزكوي كتاب للمؤمنين.
إذاً بالنتيجة: دعوى أن المعاوضة عبارة عن حلول العوض محل المعوض. هذا غير مطرّد في تمام موارد المعاوضة. في فهناك بعض الامثلة للمعاوضة ليس فيها حلول العوض للمعوض في الملكية بل هل مجرد مقابل مال بمال.
فالنتيجة: لا نحتاج الى ان نقول: إن الضمان للتالف معاوضة، لكن معاوضة على سبيل الاقتضاء لا على سبيل الفعلية، بل نقول: ان الضمان للتالف معاوضة والمعاوضة غير متقومة بحلول العوض محل المعوض. بل المعاوضة يكفي في فعليتها المقابلة بين المالين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo