< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/12/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا فيما سبق: ان من صلى في ساتر العورة وكان الساتر متصفا بصفة غصبية، فهل تصل صلاته ام لا؟ وقلنا بان تنقيح هذا الجهة يتوقف على تنقيح كبرى وهي: هل ان الصفات قابلة للملك بحيث يبذل بإزائها المال ام لا؟
وذكرنا ان هذه الكبرى تعرض لها الفقهاء في عدة موارد:
المورد الاول: هو الارش، قد يقال: بان ثبوت الارش للمشتري اذا وجد عيبا في المبيع يبتني على ان صفة الصحة صفة قابلة أن يبذل بإزائها المال، وقد سبق منع ذلك.
المورد الثاني: ما ذكره السيد الحكيم، في «منهاج الصالحين، مسألة 30، من مسائل خيار الغبن»: قال: اذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا مغيرا له، - كما لو افترضنا ان البائع باع المشتري سيارة باكثر من قيمتها السوقية، والمشتري بعد ان استلم السيارة ولم يكن يعلم بكونه مغبونا تصرف فيها بزيادة او نقيصة، ثم علم بانه مغبونا، وان له خيار الغبن ففسخ البيع، فرجعت السيارة لملك البائع، فالصفة التي احدثها المشتري في السيارة هل تبقى على ملك المشتري ام تبقى على ملك البائع بانتقال العين؟ - فتارة: يكون التصرف بالنقيصة، واخرى بالزيادة، وثالثة بالامتزاج بغيره....
الى أن قال: وان كان تصرف بالزيادة فاما ان تكون الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة، صياغة الفضة، وإما ان تكون الزيادة صفة مشوبة بالعين كصبغ الثوب، او تكون الزيادة عين منفصلة او متصلة. - فمحل بحثنا اذا كانت الزيادة صفة - فان كانت الزيادة صفة محضة، - اشترى السيارة فصبغها، اشترى الفضة فصاغها خاتما، ثم انكشف انه مغبون فسخ المعاملة فرجعت الفضة الى ملك مالكها، هل تكون الصفة التي احدثها على الفضة باقية على ملكه؟ ام تنتقل بانتقال العين الى ملك البائع؟. هذا فرع من فروع الكبرى التي نبحث عنها، هل ان الصفة قابلة لان تملك مستقلة عن العين بحيث يبذل بازائها المال مستقلة عن العين ام لا؟.
قال «قده»: فإن لم تكن لها مالية - الصفة - لعدم زيادة قيمة العين بها، فالمبيع للبائع، - يعني الصفة تكون للبائع -. - إذا افترضنا انه اخذ الفضة وحكّها فصارت فضة محكوكة، هذه الصفة لا توجب مالية للمبيع، هنا يقول: الصفة تكون ملكا للبائع، يعني تابعة للعين، فالمبيع للبائع ولا شيء للمشتري، لان هذه الصفة التي احدثها المشتري انما احدثها في ملكه - يعني يوم احدثها كانت العين ملكا له - وأي عمل يقوم به الانسان في ملكه فلا ضمان له، لأنه قام به في ملكه، لم يقم به للغير حتى يكون مضمونا على الغير، إذن هذه الصفة تتنقل مع العين للبائع. وكذا إذا كانت لها مالية - الصفة - ولم تكن بفعل المشتري، كما اذا اشترى العصا العوجاء فاعتدلت. فهذه صفة حدثت لكن ليس بفعل المشتري، او خلًا فزادت حموضته، فهذه الصفة وان كان لها مالية الا انها لم تحدث بفعل من المشتري، فبما انها لم تحدث بفعل من المشتري اذا فسخ المشتري المعاملة ورجعت العين الى ملك مالها فالصفة معها، بناء على قاعدة التبعية: «من ملك العين ملك صفاتها»، فهذه القاعدة وهي قاعدة «تبعية الصفات للعين في الملكية» قاعدة عقلائية بناء عليها تكون الصفة ملكا للبائع.
وإن كانت لها مالية: وأحدثها المشتري صاغ الفضة خاتما، صبغ السيارة صبغا جديدا، احدث صفة ذات مالية ثم فسخ، فلمن الصفة؟ هل نقول ان الصفة تكون لمالك العين بناء على قاعدة التبعية؟
أو نقول: بان الصفة ملك للمشتري: بناء على ما ذكره سيد المستمسك نفسه «ص287، ج5» من قيام المرتكز العرفي العقلائي على ان تولد شيء من شيء يوجب الحاقه به في الاضافة الى مالكه، - الصفة تولدت من عمل للمشتري والعمل ملك المشتري فالصفة ايضا ملك له، بناء على ان تولد شيء من شيء يوجب الحاقه به بالاضافة الى مالكه -. وان كانت له مالية وكانت بفعل المشتري، كانت الصفة للمشتري، وهذا ما ذكره الشيخ الاعظم «قده» في فروع خيار الغبن، واختاره المحقق النائيني تبعاً للشيخ الاعظم: أن الصفة للمشتري والعين للبائع.
ولكن ذهب في الجواهر واغلب الاعلام ومنهم سيدنا الخوئي: الى ان الصفة ليست ملكا لمن احدثها، ومنعوا من هذه القاعدة «ان تولد شيء من شيء يوجب الحاقه به في الاضافة لمالكه» في المقام.
قالوا لا تأتي هذه القاعدة، لأحد وجهين:
الوجه الاول: أن الصفة ليست مال، وانما المال هو في العين، والصفة حيثية تعليلية للمالية وليس حيثية تقييدية، بمعنى ان وجود الصفة تعطي العين مالية وليست هي المال، ولا يبذل بإزائها المال وإنما هي علة لاتصاف العين بالمالية او علة لزيادة المالية للعين، وإلا فالصفة نفسها ليست مالا ولا تقابل بالمال، مثلها مثل كثرة الشيء وندرته، فان الشيء اذا كان نادراً صارت له مالية زائدة، واذا كان كثير الوجود صارت له مالية قليلة. فالكثرة والندرة ليست مال وانما هي علة لاتصاف العين بزيادة المالية او نقصها. فبناء على ذلك لا ضمان لهذه الصفة، لأنه لا مالية لها، وانما المالية للعين، التي انتقلت للبائع، ومن ملك العين ملكها بتمام شؤونها وصفاتها، فالبائع ايضا ملك هذه الصفة، ولا يضمن للمشتري شيئاً لأن الصفة ليست مالا كي تكون مضمونة.
أشكل على هذا الوجه السيد الحكيم «ج3، مصباح المنهاج»: قال: وفيه ان لازم ذلك عدم ضمان نقص الصفة باتلافها. وكذلك في موارد ضمان اليد - لو ان غاصبا اخذ عينا ابقاها عنده الى ان تلفت صفتها بآفة سماوية لم يكن ضامنا للصفة بل يرجع العين فقط، لان الصفة ليست مالا والضمان في المال، فمقتضى كلامهم: ان الصفة لا تضمن لا باتلافٍ ولا بالتلف تحت اليد العادية - وهو مما تأباه المرتكزات العرفية جدا، بل لا يناسب ما تضمنته النصوص من ثبوت الارش بالمبيع المعيب، لان الانسان اذا اشترى شيئا فوجد فيه عيبا كان له الارش، فاذا كانت صفة الصحة لا تقابل بالمال لانها ليست مالا فمتقضى ذلك ان لا يثبت الأرش لمن وجد العيب، بينما هذا من الامور الضرورية الواضحة.
نقول: المناقشة غير واردة: فلا ملازمة بين ثبوت الضمان وكون الصفة مالا، فهؤلاء يقولون: الصفة ليست مالا، الصفة مجرد واسطة وعلة لاتصاف العين بالمالية. اما لو اتلف الصفة كان ضامنا، لو اغتصب عينا فتلفت الصفة تحت يده كان ضامنا، ثبوت الضمان شيء وأن الصفة مال شيء آخر، لا ملازمة بين الامرين. لأنه السر في الضمان أحد تصورين:
التصور الاول: ما ذكره المحقق الايرواني «قده»، «الحاشية على المكاسب، بحث قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، ج1، ص98»: قال: الضمان للمالية. والمالية صفة للعين، فالضمان لمالية العين، فلو أنه اتلف صفة للعين فقد اتلف مالية العين، ولانه اتلف مالية العين ضمن. لا لان الصفة مال صارت مضمونة، الصفة مجرد واسطة، لكن لما كانت اتلاف الصفة اتلافا للمالية كانت مضمونة لأن العين مع صفة المالية مضمونة، فسواء كان التلف للعين او كان التلف للمالية فهي امر مضمون.
إذن على مبنى المحقق الايرواني «قده» الذي يقول: محط الضمان دائما هو المالية. ويستدل على ذلك:
بمن اتلف مثليا وأتى بمثله لكن ليست له مالية لم يتحقق به تدارك الضمان. بيان ذلك:
مثلا: من اتلف «قالب ثلج» في مدينة حارة كالبصرة حيث لقالب الثلج مالية وقيمة معتد بها وضمنه في اردبيل فسلمه الى صاحبه والمدينة باردة جدا، فهل يتحقق بذلك الضمان؟ لا
هذا دليل على ان مصب الضمان ليس هو العين بل مصب الضمان هو المالية، ومع ذلك مع انه تدارك العين واتى بمثلها الا ان هذا المثل الذي دفعه لا يعد عند العرف ضمانا وتدراكا، مما يكون منبها على ان مصب الضمان المالية. فبما ان مصب الضمان المالية فاتلاف اي صفة اذا كان اتلافا لمالية العين كان داخلا في ادلة الضمان والا فلا.
التصور الثاني: ما يظهر من جملة من الاعلام منهم السيد الامام «قده»: «كتاب البيع، ج1، ص550»: قال: ليس مصب الضمان هو المالية فان المالية تابعة للرغبة، اذ متى يوصف الشيء انه مال، اذا كان محطا للرغبة النوعية، فكل شيء يعتبر محطا للرغبة لدى العقلاء يعتبر مالا، اذن المالية تابعة للرغبة، والرغبة تابعة للصفات المحققة للغرض، اي كل صفة او كل عين محققة لغرض فهي مرغوبة. فاذا رجع ما بالعرض الى ما بالذات رجعنا الى أن المناط في الضمان ما كان محطا لغرض كان له مالية او لم يكن له مالية. ليس المدار على المالية، المدار على الغرض، فكل عين هي محط لغرض او كل صفة هي محط لغرض فهي مضمونة من باب فوت الغرض بفوتها، لا من جهة المالية.
ولأجل ذلك: التزم بالضمان حتى لو لم يكن للصفة مالية. الا ان المضمون ليس الصفة. المضمون العين من حيثٍ. وبيان ذلك:
ظاهر قوله : «على اليد ما اخذت حتى تؤدي» ان ما يقع تحت اليد يكون مضمونا، وحيث إن العين إذا وقعت تحت اليد تقع بجميع صفاتها وحيثياها فالعين بجميع صفاتها وحيثياتها وصفاتها مضمونة. فاذا افترضنا ان الغاصب اخذ الفرس مرتاضا، لكنه ابقاه في الحبس شهرا الى أن فقد صفة الارتياض كان الغاصب ضامنا لكن ليس لصفة الارتياض، فهي ليست مالا، بل هو ضامن للفرس من هذه الحيثية، لأن موضوع الضمان ما وقع تحت اليد وما وقع تحت اليد الفرس بهذه الصفة، فالمضمون هو الفرس من هذه الحيثية. لذلك يقال: الفرس بصفة الارتياض قيمته كذا، الفرس لا بصفة الارتياض قيمته كذا. فالتفاوت الذي بين القيمتين يدفعه لا لانه ضمان لصفة الارتياض بل ضمان للفرس من حيث صفة الارتياض، وكذلك من حيث سائر الصفات.
إذن بالنتيجة: سواء بنينا على التصور الذي ذكره المحقق الايرواني او بنينا على التصور الذي ذكره السيد الامام «قده»، لا ملازمة بين ثبوت الضمان وكون الصفة مالاً بحيث تقابل بالمال، فالاشكال على الاعلام بأنه كيف تقولون: الصفة ليست مالا، ومن جهة اخرى تقولون بالضمان، هذا الاشكال غير وارد. واما مورد الارش فالكلام فيه واضح.
الوجه الثاني: أن الصفة وإن كانت مال الا انها انما تملك تبعا للعين ولا تنفك عن العين في الملكية. - الصفة لا تملك ملكية استقلالية بل تملك ملكية تبعية -، فهي حين حدوثها في العين بفعل المشتري صارت ملكا للمشتري، لان المشتري صار مالكا للعين، وبالفسخ خرجت عن ملك المشتري مع العين الى ملك البائع، فبما ان الصفة لا تملك مستقلا وانما تملك تبعا لملكية العين، لذلك وان كان للصفة مالية الا ان هذه الصفة لا تبقى على ملك المشتري بعد الفسخ. هذا كلام السيد الخوئي.
أشكل عليه السيد الحكيم في مصباحه: هذا مناف للارتكاز، ويمكن استيضاحه - الارتكاز - إذا احدث شخص صفة كمال في عين مملوكة لغيره او لتخيل طلبه منه، او لتخيل كون العين ملكا للعامل حيث يصعب جدا بعد الرجوع للمرتكزات العرفية البناء على هدر حرمة عمله وان الصفة تكون ملكا لصاحب العين.؟!.
فلو أن شخصا اعتقد ان السيارة ملكه، فقام وصبغها صباغة جميلة، او انه تخيل الطلب، تخيل ان مالك السيارة قال له اصبغ السيارة بينما هو قال له امسح السيارة. فبناء على كلامكم لا ضمان له في شيء لان الصفة تتبع العين في الملكية، وبما انه ليس مالكا للسيارة إذن ليس مالكا للوصف، فلا شيء له. وهذا مخالف للمرتكزات العقلائية، فاذا بنيتم على ان الصفة لا تملك الا تبعا للعين والمفروض ان العين ملك لغيره، فمقتضى ذلك: ان هذا الرجل لا شيء له. وهذا مخالف للمرتكزات العقلائية.
وكيف لا يتنافى ولازم ذلك أن تكون مضمونة على العامل لو فرط فيها او اتلفها.
إذ الأمر اعظم، لو افترضنا ان شخصا اعتقد ان الفضة فقام وصاغها خاتما، أنتم تقولون: صفة الخاتم لمالك الفضة، ولازم كلامكم: ان من اعتقد ان الفضة له فصاغها خاتما ثم محى هذه الصياغة ان يضمن هذه الصياغة لمالك الفضة، لأن الصفة تتبع العين في الملكية فمالك الفضة ملك الصفة عندما حدثت، وحيث أن هذه الشخص قد محاها واتلفها فمقتضى الاتلاف ان يكون ضامنا لها لمالكها، ولا يظن بأحد البناء على ذلك، بل حتى لو لم يكن عمله محترماً. افترضوا ان احداً غصب الفضة فصاغها خاتما، هل يلتزم احد ان لا شيء له؟!
فيقول «مدظله»: بان هذا واضح بعد الرجوع للمرتكزات العرفية وملاحظات الاثار واللوازم.
ان الصفة تملك استقلالاً كما تملك العين استقلالا فهو المناسب للمرتكزات العقلائية.
ولكن يلاحظ على ما افاده ما ذكره السيد الحكيم جده: في «المستمسك، ج5، ص287»: قال: هناك فرق بين ضمان العمل وضمان الصفة، - عمله لا يذهب هدرا، يعطى الاجرة عليه، اما الصفة فلا. وهذا ما عليه المرتكز العقلائي وليس شيئا اخر - فلو أنه تصور ان الفضة له فصاغها خاتما او تصور ان المالك امره بالصياغة فصاغها خاتما، ثم انكشف ان الفضة ليست له او ان المالك لم يأمره، فما قام عليه بناء العقلاء ان عمله لا يذهب هدرا لا ان الصفة ملكه. ومقتضى ان عمله لا يذهب هدرا هو اعطاؤه أجره على ما فعل.
هذا مع التسليم باستحقاقه للأجرة في الفرض والا فسيدنا أنكر ذلك، فان العامل من يتحمل خطأ نفسه.
فيلاحظ على ما افيد:
أولاً: المنع من دعوى وجود ارتكاز عقلائي على ان عمله مضمون، وعلى فرض تسليم الارتكاز فالمضمون عمله وليس الصفة، فلا ملازمة بين ضمان عمله وبين كون الصفة ملكا له.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo