< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ما زال الكلام في كبرى: «من باع شيئا ثم ملكه». فهل يحكم بصحة بيعه من دون حاجة للاجازة، أو بصحة بعيه مشروطا بالاجازة؟ أو ببطلان بيعه؟. وقد ذكرنا انه استدل على البطلان بوجه ثبوتي واثباتي: ووصل الكلام الى:
الوجه الاثباتي: وهو الاستدلال بالروايات الشريفة على بطلان هذا البيع سواء تعقبته الاجازة أو لا. وهذا ما افاده سيدنا «قده» في «كتاب البيع، ج36، ص31» قال: فالمتحصّل: ان بيع ما ليس بملك باطل لأجل الروايات المتقدمة وإطلاقها يشمل كلتا حالتي الاجازة بعد الملك وعدمها. هذا إذا باعه على نحو التنجيز. وأما إذا باعه معلّقاً على اشتراءه، بأن قال: أبيعك هذا الكتاب ان اشتريته، أو باعه منجزا ولكن علّق اللزوم على أجازته بعد الاشتراط، فقال ابيعك اياه بيعا فعليا ولكن التزامي بهذا البيع اذا اشتريته فاجزته. فهل تشمله الاخبار المتقدمة؟ ما إذا باعه معلقا على شرائه او علق اللزوم على اجازته.
ذكر الشيخ الانصاري: ان المتيقن من الاخبار الناهية: «لا تبع ما ليس عندك» هو صورة التنجيز - هو ان يبيعه بيعا منجزاً - دون ما علقه على الشراء أو علقه على اجازته، فلا مانع حينئذٍ من الالتزام بالصحة، فلو قال بعتك هذا الكتاب ان اشتريته، أو بعتك هذا الكتاب ان اشتريه واجزت البيع. فلا مانع من الالتزام بالصحة فيهما.
السيد الخوئي علّق على كلام الشيخ الاعظم في نفس الصفحة: قال: ولا يخفى ان صورة التنجيز وان كانت متيقنة - اي ان القدر المتيقن من روايات النهي - فرع التنجيز، الا ان كونها كذلك لا يمنع من التمسك باطلاق الروايات، صحيح ان القدر المتيقن فرض التنجيز، لكن هذه الروايات مطلقة تشمل فرض التتنجيز وفرض التعليق، وهو يقتضي الحكم بالفساد مطلقا سواء باعه على نحو التنجيز أو التعليق على الاجازة بعد الشراء، ولعله ظاهر.
مقتضى اطلاق هذه الروايات هو الحكم بفساد بيع من باع ثم ملك. ولا يجدي في الصحة الاجازة بعد الملك. ولكن قد أجيب عن الاستدلال بهذه الروايات بعدة وجوه:
الوجه الاول: ما افاده المحقق الايراوني «حاشية المكاسب، ج2، ص293»: قال: حتى لو سلمنا أن عبارة «ما ليس عندك» كناية عن عدم الملك، لان هناك خلافا في معنى العبارة. هل ان ما ليس عندك يعني ما ليس ملكك أو ما ليس مقدورا لك. فلنفترض ان معناها ما ليس ملكه لك، ولكن ظاهر سياق الرواية ان السر في فساد هذا البيع ليس هو عدم الملك بل السر في فساده أنه معرضية الغرر، لأنه إذا قال له «اشتر ذاك المتاع وانا اشتريه منك» فلو اشتراه منه قبل شرائه فلعله لا يتمكن ان يشتري ذاك وإذا اشترى قد لا يتمكن من تسليمه، فيكون الشراء السابق معرضا للغرر، فالسر في ان الإمام يقول: «لا تبع ما ليس عندك» أو قوله: «لا بأس اشترها ولا تواجه البيع قبل ان تشتريها» فإن السر في ذلك ليس هو كون غير مملوك. بل السر ان هذا البيع معرض للغرر، وفوت القدرة على التسليم، فبما ان ظاهر سياق هذه الروايات الشريفة: ان منحى النهي هو معرضية البيع للغرر وليس منحى النهي هو انه ليس بمملوك، فلو كان هناك وثوق بأن هذا المبيع سيقع في ملكه بعد ذلك وانه سيسلمه له فلا مانع من صحة المعاملة. فلو فرضنا ان الأب قريب الموت والولد وضع الساعة بين يدي المشتري، فحصل للمشتري وثوق بأن المبيع سيدخل في ملك البائع وانه يستلمه منه، فحينئذٍ لا دليل على فساد المعاملة.
الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ الاعظم «قده» وركّز عليه سيدنا الخوئي «قده» في كتاب «الاجارة» حيث انه في كتاب «البيع» سلم بدلالة الروايات على الفساد لكنه منع من ذلك في كتاب الاجارة وناقش في دلالتها على الفساد وتبنى ما ذكره الشيخ الاعظم «قده»: من ان لكل معاملة نوعين من الصحة، صحة معلقة وصحة منجزة. وبعبارة أخرى: صحة فعلية وصحة تأهلية، فوقوع البيع نفسه فيه استعداد للصحة، اي متى ما صدر البيع من عاقل ملتفت كان البيع صحيحا - يعني مؤهلاً لان يكون نافذا - فالصحة الثابتة مبجرد صدور البيع صحة تأهلية فإذا تمت الشرائط وانتهت الموانع صارت الصحة فعلية، والأخبار التي قرأناها لا تنفي الصحة عن بيع ما لا يملك مطلقاً، وإنما تنفي الصحة المنجزة - أي بيع ما ليس يملك ليس بنافذ فعلا، لا أنه ليس صالحا للنفوذن فلو تعقبه الملك صار مالكا، فغاية ما يفيد في هذه الروايات النفي الوارد في هذه الروايات نفي الفعلية لا نفي الشأنية والتأهلية، وبعبارة اخرى: ان هذه الاخبار تنفي صحة البيع الفعلي المنجز ولا تنافي دلالته على صحتها لكن معلقا، فهو فاسد بلحاظ التنجيز صحيح بلحاظ التعليق، لا مانع من ذلك.
وقد يستدل على ذلك بما في صحيحة يحيى ابن الحجاج: قال: «ولا تواجبه البيع قبل ان تستوجبها» فإن ظاهر هذا التعبير: يعني إن نفوذ هذا البيع فعلاً فرع الاستيجاب، فما لم تستوجب لا يكون هذا البيع واجباً - يعني نافذاً بالفعل -. والا هذا لا ينفي الوجوب الشأني والتأهلي. بعض الاعلام وهو سيد المستمسك «قده» في «منهاج الفقاهة»: قال: واضح ان البيع الذي لم تتم شرائطه ليس بنافذ فعلاً، هذه الروايات كلها: النبوي «لا تبع ما ليس عندك»، رواية يحيى ابن الحجاج: «لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبها»، رواية «إنما البيع بعد الشراء» كلها تريد ان تقول: البيع الذي لم تتم شرائطه ليس بنافذ فعلاً، فبما أنها قضية واضحة لدى العقلاء أنّ المعاملة التي لم تستتم شرائطها ليست بنافذة فعلا، فلا حاجة الى بيانها في نصوص عديدة. إذاً بما ان النصوص تصدت للبيان وأكدت عليه فهذا ان منظورها اما مطلب اجنبي عن محل الكلام او ان منظورها نفي الصحة الشأنية، اي ان بيع ما ليس يملك غير صالح للنفوذ ولو بعد الاجازة.
وقد يقال: بان هذه الامور وان كانت واضحة الا ان ورود الروايات من باب الامضاء والارشاد الى ما عليه المرتكز العقلائي الواضح مما هو معهود لدى الشارع لا انه مما ليس بمعهود فقد حرّم الشارع الظلم وأوجب العدل واوجب النفقة على الاولاد، ألا انه بينها في مقام بيان الارشاد اليها والتأكيد عليها.
الجواب الثالث: ما ذكره المحقق الاصفهاني قال: إنّ سعة المطلق محدودة بالحالات الطارية على ذات المطلق، فلابّد من أن تكون ذات المطلق محفوظة بالنسبة للخصوصيات، فالرقبة برغم انقسامها لمؤمنة وكافرة إلا ان عنوان الرقبة يجب ان يكون محفوظا في القسمين حتى يتحقق الاطلاق. محصّل كلامه: أنّ المولى إذا قال: اعتق رقبة، فمعنى الاطلاق: نفوذ هذا الحكم وهو لزوم العتق في تمام حالات الرقبة مع انحفاظ ذات الرقبة، فيسري هذا الحكم لحال كون الرقبة مؤمنة او كون كافرة لان ذات الموضوع منحفظ، فسواء كانت مؤمنة أو كافرة فهي رقبة، ولكن لا يسري هذا الحكم للحر فإنه خارج موضوعا بمعنى ان ذات الموضوع غير منحفظة فيه، وبناء على ذلك: فإذا قال المولى: لا تبع ما ليس عندك فمقتضى ذلك دوران النهي عن البيع مدار صدق هذا العنوان وهو أنه ليس عندك فما دام يصدق على هذه السلعة أنها ليست عندك فالبيع لا ينفذ، فهذا - إذا كان هذا مفاد الدليل - لا يعني انه لو صارت السلعة ملكا فإن البيع لا يصح، فالآن بعتك ساعة ابي قبل وفاته، حين البيع كانت الساعة مصداقا ل «ما ليس عندك»، فلم يكون البيع نافذا، لأن الحكم يدور مدار صدق الموضوع، ولكن بمجرد موت الاب اصبحت الساعة مصداقا لما يملك لا ما لا يملك، فصدق على البيع انه بيع ما يملك لا بيع ما لا يملك، فكان نافذاً.
إذاً فلا يستفاد من هذه النصوص اكثر من الحكم الما دامي لا الحكم المطلق، بمعنى عدم النفوذ ما دام عنوان الموضوع صادقا، فإذا تبدل ذلك تبدل الحكم. فإن موضوع الفساد في هذه الطائفة من الأخبار: بيع ما ليس عندك، وهما جاريان - البيع والفساد - ما دامت الخصوصية - وهي عدم كونه ملكاً - فإذا زالت الخصوصية بقيام البائع بشراء البيع بحيث عد مالكا انتفى ذلك لانقلاب البيع الاول الى ضده او نقيضه. كان بيع ما لا يملك اصبح بيع ما يملك. هذا تمام الكلام في الكبرى: وقد ظهر بذلك: أنّ بيع ما ليس عندك صحيح، لأنّ الشبهة الثبوتية غير تامة.
والأدلة التي استدل بها على البطلان اثباتا ناظرة لنفي الصحة الفعلية لا الصحة الشأنية كما ذكرناه في الجواب الثاني.
أما من ناحية الصغىرى: وهي: ما لو باع الزكوي ثم ادى الزكاة من مال آخر، او باع المال المتعلق للخمس ثم أدى الخمس من مال آخر، فهل في هذه الصغرى روايات خاصة بحيث نبني على الصحة حتى لو لم تتم كبرى «من باب ثم ملك».
فقد افاد الاعلام ان هنا رواية خاصة بباب الزكاة، الا وهي صحيحة عبد الرحمن: روى الكليني بإسناده عن عبد الرحمن بن ابي بعد الله: «الوسائل، أبواب زكاة الانعام، باب 12، حديث 1»: «قلت لأبي عبد الله رجل لم يزكي ابله او شاته عامين فاباعها، على من اشتراها ان يزكيها ام لا؟ قال: نعم، تؤخذ منه - من المشتري - زكاتها وتبع بها البائع او يؤدي زكاتها البائع».
فإن ظاهر الفقرة الثانية: انه متى ما ادى البائع زكاتها تلقائيا تدخل في ملك البائع آنا ما وتخرج عنه الى ملك المشتري، فإنه حين البيع لم يكن يملكها، فالبائع عندما باع المال الزكوي لم يكن ملكا له، ولكن بعد ان باعه دفع الزكاة من مال آخر، الإمام يقول: بمجرد ان يدفع الزكاة من مال آخر البيع تلقائيا ينفذ، هذا دليل على انه يملكها آنّاً ما فتخرج عن ملكه الى ملك المشتري بلا حاجة الى الاجازة.
ثم يقول سيدنا «قده» في «الموسوعة، باب الزكاة، ج23، ص382»: وهي واضحة الدلالة، حيث جعل فيها: بدل الأخذ من المشتري أداء البائع، - فيظهر انه متى ادى البائع فلا شيء على المشتري - وظاهره: ان تمام العين ملك طلق الى المشتري من غير حاجة الى اجازة البائع الذي صار مالكاً، فالأظهر هو الاستقرار في ملك المشتري من غير حاجة الى الاجازة.
فهنا يعقب السيد الخوئي: فإن قلنا بعدم الخصوصية لباب الزكاة وباب الخمس فهذه الرواية من الادلة على أن من باع ثم ملك صح بيعه بلا حجة الى الاجازة. واما اذا احتلمنا الخصوصية للحق الشرعي زكاة او خمساً، او احتملنا الخصوصية لباب الزكاة فهذا تخصيص لتلك القاعدة. بمعنى اننا حتى لو بنينا على تلك القاعدة: من باع شيئا ثم ملكه فإن بيعه فاسد او ان بيعه يتوقف على الاجازة الا في الزكاة فأننا نبني على صحة البيع بمجرد الاداء من مال آخر. وبالتالي: لو صلى في هذا المال الزكوي بعد أدائه من مال آخر او صلى فيما هو متعلق للخمس بعد أدائه من مال آخر فالصلاة صحيحة لانها في الملك وليست في المغصوب. تم الكلام في شرطية الاباحة في ساتر العورة.
ويأتي الكلام في: أن لا يكون ساتر العورة من أجزاء الميتة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo