< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/01/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

وصل الكلام إلى:
الشرط الثالث: من شرائط لباس المصلّي، وهو اشتراط أن لا يكون من الميتة. والكلام في هذا الشرط من عدّة جهات:
الجهة الأولى: لا خلاف بين علماء الإمامية في عدم صحة الصلاة في الميتة، ولعلّ مدرك هذا الاتفاق: النصوص الواردة، منها: صحيح ابن أبي عمير، عن غير واحد عن أبي عبد الله : في الميتة، قال: «لا تصلّي في شيء منه ولا في شسع».
بتقريب: أنّ ظاهر النهي المتعلّق بالمركّبات الاعتبارية: الإرشاد إلى الفساد، ومقتضى اطلاق هذه الرواية: أن لا فرق بين كون الميتة من حيوان محلّل الأكل أم حيوان محرم الأكل، كما لا فرق في الميتة بين أن تكون طاهرة أو نجسة كما لو كانت لحيوان ليس له نفس سائلة. كما أن مقتضى هذا الاطلاق أن لافرق في مبطلية جزء الميتة بين أن يكون هذا الجزء مما تحله الحياة أو لاتحله الحياة ما دام مصداقا لجزء الميتة، كما أن مقتضى هذا الاطلاق أن لافرق بين كون الملبوس ساتراً للعورة، أم ليس ساتراً، إذ يصدق على الجميع أنه صلّى فيه، نعم، قد يتأمل في شمول الرواية للمحمول، فلا كلام في شمول الرواية للملبوس، لصدق الصلاة فيه، إنّما هل تشمل ما إذا كانت الميتة محمولاً لا ملبوساً، هذا سيأتي الكلام فيه.
كما لا فرق بين كون الملبوس جلداً أو غير جلد، وإن نصّت بعض الروايات على الجلد، كما في صحيحة محمد ابن مسلم: «سألته عن الجلد الميّت، أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا، ولو دبغ سبعين مرة».
فإن مفاد هذه الرواية: أن الدباغة لا تصحح الصلاة في الميتة وإن قلنا أنّ الدباغة مطهرة. وورود هذه الرواية في الجلد لأنّها مورد سؤال السائل وإلا فلا مفهوم لها ومقتضى إطلاق صحيحة ابن ابي عمير هو الشمول لغير الجلد. هذه هي الجهة الأولى.
الجهة الثانية: ما هو المستفاد من النصوص. هل المستفاد منها: أنّ المجعول شرطية التذكية؟ أم أن المجعول مانعية الميتة؟.
وقد أفاد سيدنا «قده» في «المستند، ج12، ص149»: بأنّه لا يحتمل أن يكون المجعول كليهما. بمعنى: أنّ الشارع كما جعل التذكية شرطاً جعل الميتة مانعاً فإن هذا غير محتمل. وعلّل ذلك «قده» حيث قال: بداهة أنّ أحد الاعتبارين - يعني اعتبار الشرطية في بالتذكية او اعتبار المانعية للميتة - يغني عن الآخر فإنّ ما ليس ميتة مذّكى وما ليس مذّكى ميتة واستلزام عدم وجود احدهما لعدم الآخر وبالعكس، سواء قلنا إنّ التقابل بينهما تقابل التضاد أو تقابل الملكة والعدم فلا محالة اعتبارهما معاً لغو، إذ يكفي في اعتبار احدهما في ترتب الاثر الشرعي وهو بطلان الصلاة، فسواء اعتبر التذكية شراطاً أو اعتبر الميتة مانعاً على أية حال، الصلاة في ما ليس مذكّى مما من شأنه أن يذكى باطلاً، فبما أن الأثر الشرعي واحد، فاعتبارهما معا لغو، إذاً ينبغي البحث عما هو المعتبر منهما والا اعتبارهما معا لغو. إذاً الأمر دائر بين أن يكون المستفاد من الأدلة شرطية التذكية أم أن المستفاد من الأدلة مانعية الميتة؟
فإذا نظرنا لمثل قوله: «لا تصلّي في شيءٍ منه - من الميتة - ولا في شسع» فظاهره مانعية الميتة.
وإذا نظرنا إلى موثقة ابن بكير: حيث قال فيها: «فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه والبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّا الذبح أو الذابح»، فقد يقال بأن ظاهرها اشتراط التذكية.
والثمرة المترتبة على هذا البحث في أن الميتة مانع أو التذكية شرط هو موارد الشبهة المصداقية، فإذا شككنا أن هذا جلد ميتة أو جلد مذكّى على نحو الشبهة المصداقية. فإذا قلنا بأن المجعول هو شرطية التذكية، فمقتضى قاعدة الاشتغال أن لا يصلي في هذا الجلد، والسر في ذلك: ان الشك في الجلد شك في المحصّل، لانه أمر في الصلاة في ساتر مذكّى، ولا يحرز هذا المأمور به في الصلاة بالجلد المشكوك، إذاً بالنتيجة: تجري قاعدة الاشتغال، بل قد يقال تجري استصحاب عدم وقوع صلاته في المذكّى.
وأما إذا قلنا بأن المجعول الشرعي هو مانعية الميتة، بمعنى أنّ لكل ميتة ميتة مانعية، أي أن كل مصداق للميتة خارج فهو مانع من صحة الصلاة، فهناك مانعيات عديدة بعدد افراد الميتة، فمقتضى ذلك: إذا شككنا في أنّ هذا الجلد الخارجي جلد ميتة أو جلد مذكى فهو شك في المانعية لأنّ الشارع جعل مانعيات عديدة بعدد الافراد، فلا ندري أن هذا الفرد جعلت له المانعية ام لم تجر له المانعية، فيجري استصحاب عدم جعل المانعية له. أو البراءة عن مانعيته.
فالثمرة المترتبة على البحث في أنّ المجعول الشرعي هو شرطية التذكية أو مانعية الميتة الاثر الشرعي يظهر في الشبهة المصداقية.
الجهة الثالثة: لو لم يكن عندنا دليل يعيّن لنا أحد الأمرين كما لو عجزنا عن استظهار أي من الأدلة هل هو المانعية أو هو الشرطية، فوصلت النوب الى الأصل العملي، فهل يمكن تنقيح النتيجة بالاصل العملي بأن نثبت ببركة العملي المانعية أو الشرطية أو لا؟. أفاد سيدنا «قده»: أنّه لا يمكن بالأصل تنقيح هذا البحث لا بالأصل الحكمي ولا بالأصل الموضوعي، وبيان ذلك:
أنه تارة نقول بأنّ تقابل الميتة والمذكّى تقابل الضدين، أي أن الميتة والمذكى كلاهما أمر وجودي، فالمذكّى ما زهق روحه استناداً للذبح الشرع. والميتة ما زهق روحه استناداً لأمر غير شرعي. فهما أمران وجوديان بينهما تضاد بحيث لا ثالث لهما.
وتارة نقول: بأن تقابلهما تقابل الملكة والعدم، فالتذكية هو ملكة وعدهما هو الميتة. فإن قلنا بالأول: أي أن تقابل الميتة والمذكّى تقابل الضدين، فحينئذٍ لا يجري اصل حكمي ولا يجري اصل موضوعي، أما عدم جريان الاصل الحكمي هو البراءة عن جعل الشرطية هذا اصل حكمي، البراءة عن جعل المانعية، هذا اصل حكمي، أو استصحاب عدم جعل الشرطية للتذكية، واستصحاب عدم جعل المانعية للميتة. هذه أصول حكمية لا تجري في المقام للمعارضة، لأننا نعلم إجمالاً بجعل أحدهما، فبما أننا نعلم إجمالاً أنّ الشارع إمّا منع الميتة أو اشترط التذكية فمقتضى منجزية العلم الاجمالي تعارض الاصول في اطرافه فالبراءة عن جعل المانعية معارضة لجعل الشرطية واستصحاب عدم جعل المانعية معارض باستحصحاب عدم جعل الشرطية ومع تعارض الاصول فلا ثمرة. هذا بلحاظ الاصل الحكمي.
وأما بلحاظ الاصل الموضوعي: أي استصحاب عدم التذكية، لدينا جلد في الخارج نشك في تذكيته نستصحب عدم تذكيته، عندما كان جلداً لحيوان حي لم يكن مذكّى فالآن غير مذكّى. أو نشك أنّ عنوان الميتة اتصف به أم لم يتصف به نستصحب عدم اتصافه. نقول: ايضاً لا تجدي هذه الأصول الموضوعية، لأنها لا تثبت، فإن استصحاب عدم التذكية لا يثبت اتصافه بعنوان الميتة. حيث إنّ الميتة عنوان وجودي وعدم التذكية أمر عدمي فاستصحاب عدم التذكية لا يثبت ان هذا الجلد متصف بعدم الميتة وإن كان بينهما ملازمة عقلية فإن عدم التذكية ملازم للميتة، لكن هذه الملازمة ملازمة عقلية وليست شرعية فاستصحاب عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة والعكس أيضاً. لا ندري أنّ هذا اتصف بعنوان الميتة أم لا؟ فنستصحب عدم اتصافه بالميتة، استصحاب عدم اتصافه بالميتة لا يثبت انه مذكّى وإن كان بينهما ملازمة خارجية. إذاً الاصل الموضوعي أيضاً لا ينفعنا في المقام.
فكما أن الاصل الحكمي لا ينقّح حكم المسألة كذلك الأصل الموضوعي لا ينقّح حكم المسالة، فهذا المسألة وهي: «ما إذا دار الامر بين جعل المانعية أو جعل الشرعية» لا نقدر أن ننقحها بالأصل العملي.
فلا محالة مقتضى منجزية العلم الإجمالي هو أن نجتنب الجلد المشكوك في كونه ميتة أو مذكّى. هذا كله إذا قلنا بأن تقابل الميتة والمذكى تقابل التضاد.
وأما إذا قلنا بانه تقابل الملكة والعدم، ليست الميتة إلّا عدم التذكية. فبناءً على ذلك هل يمكن إثبات الميتة باستصحاب عدم التذكيّة أم لا؟.
فهنا تعرّض لهذه الشبهة سيّدنا «قده» فقال: قد يقال: بما أنّ تقابل العناوين تقابل الملكة والعدم اذاً مرجع البحث الى شيء واحد، اي مرجع اعتبار المانعية لاعتبار الشرطية؛ لأنّ لدينا تذكية، عدم التذكية هو الميتة، فلو أن الشارع اعتبر المانعية لعدم التذكية، فإن اعتبار المانعية لعدم التذكية اعتبار لعدم عدم التذكية. لأنه إذا كان عدم التذكية مانع والمانع دائماً يعتبر عدمه في الصلاة، مثلاً الضحك مانع من صحة الصلاة، إذاً المعتبر في الصلاة عدمه. فأي شيء يعتبر يفترض مانعاً فالمعتبر في الصلاة عدمه. فإذا قلنا بأن الشارع اعتبر المانعية للميتة والميتة هي عدم التذكية، إذاً النتيجة: أن الشارع اعتبر عدماً لعدم التذكية. واعتبار عدم العدم اعتبار للوجود، يعني اعتبر التذكية فيرجع القول باعتبار المانعية للقول باعتبار الشرطية، فلا يبقى معنى للبحث.
إنّما يتصور البحث بناءً على أنّ تقابلهما تقابل الضدين، وإلا إذا قلنا بأن تقابلهما تقابل الملكة والعدم فالبحث غير متصور، فإن الشارع اعتبر التذكية شرطا، هذا واضح. لكن إذا اعتبر الميتة مانعاً فهذا يعني اعتبر عدم التذكية مانعاً، ومعنى اعتبار عدم التذكية مانعا انه اعتبر عدمه في صحة الصلاة، واعتبار عدم العدم اعتبار للوجود.
ولأجل ذلك إذا شككنا في أن هذا الجلد مذكى أم لا؟ فكيفينا استصحاب عدم تذكيته، لأن بالنتيجة استصحاب عدم التذكية ينفي عدم تحقق الشرط. فالصلاة فيه باطلة.
لكن سيدنا الخوئي «قده»: قال: بأنه حتى لو قلنا بأن تقابلهما تقابل الملكة والعدم مع ذلك يصح البحث، لأن المراد بعدم الملكة ليس العدم المطلق بل عدم خاص وهو العدم في المحل القابل الذي يعد في الصفات، فمثلاً ليس العمى مطلق عدم البصر، بل العمى الأتصاف بعدم البصر لا عدم الاتصاف بالبصر، فعندما تسمع اهل الحكمة يقولون: أن عدم الملكة له حظ من الموجود، لا يعني انه من الموجودات، إذ لا يعقل أن يكون العدم موجوداً وأنما مقصودهم بأنّ له حظاً من الوجود إلى أن مرجع اعدام الملكات إلى الصفات. فعندما يقال: عمى ليس المراد به عدم الاتصاف بالبصر بل المراد به الاتصاف بعدم البصر، وبناء على ذلك فإن من يقول: بأن الميتة هي عدم التذكية وأنّ تقابلها مع التذكية تقابل العدم والملكة فليس مقصوده بالميتة مطلق عدم التذكية بل مراده بالميتة اتصاف الحيوان الذي زهقت روحه بالتذكية.
فعدم التذكية صفة من الصفات، لا عدم صفة. وبناء على ذلك يتضح الجواب عن الشبهة:
أولاً: بأنّه ليس مرجع جعل المانعية للميتة إلى اعتبار عدم عدم التذكية حتى يكون اعتباراً في الشرطية بل مرجع اعتبار المانعية للميتة الى اعتبار الاتصاف بعدم التذكية مانعاً. وهذا غير عدم التذكية مطلقاً. إلى اعتبار أنّ اتصاف الحيوان بعدم التذكية مانع؛ لا أن مرجعه إلى اعتبار عدم عدم التذكية.
ثانياً: استصحاب عدم التذكية لا ينفعنا، لأنّ استصحاب عدم التذكية الذي كان ثابتاً حال الحياة لا يثبت حياة ما زهق روحه بعدم التذكية إلا من باب الأصل المثبت.
فتلّخص بذلك: أنّ سيّدنا «قده» يقول: لا يمكن تنقيح نتيجة البحث وهو هل أنّ المجعول شرطية التذكيّة أم أن المجعول مانعية الميتة لا بأصل حكمي ولا بأصل موضوعي قلنا بأن التقابل تقابل الضدين أو قلنا أن التقابل تقابل الملكة والعدم. فلا محالة إذاً مقتضى منجزية العلم الاجمالي اجتناب ما هو المشكوك. فافهم وتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo