< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

كان الكلام في أنه هل يمكن العمل بإطلاق معتبرة «جعفر أبن محمد أبن يونس» الدالّة على جواز الصلاة في مشكوك التذكية. وذكرنا أن المناقشة في العمل بإطلاق هذه الرواية من جهات ثلاث:
الجهة الاولى: هل أن القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع من العمل بإطلاقها أم لا؟ سبق بحث ذلك.
الجهة الثانية: هل أن هذا الاطلاق مقيد بصحيحة الجعفري، وصحيحة اسحاق ابن عمار أم لا؟.
ووصل الكلام الى هذه النقطة: وهي: هل تصلح معتبرة اسحاق ابن عمار بواسطة مفهوم الشرط فيها بتقييد معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس أم لا؟.
وقد أفيد في كلمات سيدنا الأستاذ «دام ظله»: أن معتبرة جعفر بما أنها خطاب ترخيصي وارد في مقام الافتاء فهو آبٍ عن التقييد بالمقيد الإلزامي المنفصل. ونتيجة لهذا الإباء عن التقييد يحمل مفاد موثقة إسحاق على الكراهة. فيكون مفاد قوله ع: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا باس» أنه: إذا لم يغلب عليها المسلمون ففي الصلاة فيه بأس. أي كراهة.
قال: ويؤكد ذلك أي ويؤكد ان الصلاة في غير ما صنع في بلد الإسلام امر مكروه وليس أمراً ممنوعاً إطلاق صحيحة الجعفري، حيث حثّ الامام فيها على الفراء المشترى من السوق، من غير حاجة الى الفحص والسؤال، بينما إذا كان البائع مسلماً مع كون الفراء مصنوعا في بلاد الكفر أو أن البائع كافر مع كون الفراء مصنوعا في بلد الاسلام أو بلد الكفر، فإن هذا كله غير ملحوظ، بل قال في صحيحة الجعفري: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية؟ أيصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم أن الدين أوسع من ذلك». فهذا الحثّ على الصلاة في الثوب المشترى من السوق من دون حفص عن حال البائع: هل هو مسلم أم كافر هل المبيع هو الثوب المصنوع في بلاد الكفر؟ أم المبيع هو الثوب المصنوع في بلاد الاسلام؟، فالحثّ على الصلاة من دون فحص ظاهر ان اشتراط كون الثوب مصنوعا في بلاد يغلب عليها المسلمون امر راجح وليس أمراً لازما.
ويلاحظ على ما أفيد:
أولاً: إذا قلنا بأن الاطلاق الترخيصي الوارد في مقام الافتاء يأبى التقييد بالمقيد الإلزامي المنفصل. فغاية ذلك تعارضهما لا حمل المقيد المنفصل على الكراهة والندب، فإن حمله على الكراهة والندب يحتاج الى قرينة وشاهد. مجرد أنّ الاطلاق الترخيصي لا يقبل التقييد بالمقيد المنفصل لا يفضي الى القول بالكراهة، خصوصا مع ظهوره في بيان الحكم الوضعي، فإن ظاهر قوله: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وما صنع في ارض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إن كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس». فإن ظاهر جواز الصلاة في ما صنع في أرض الإسلام هو الصحة والفساد وليس الحكم التكليفي من رجحان أو من غير ذلك.
ثانياً: ما أفيد من أنّ «صحيحة الجعفري» لها إطلاق لجواز الصلاة فيما يشترى من سوق المسلمين، مع غمض النظر عن كون البائع مسلماً أو كافرا أو كون المصنوع مصنوعا في ارض الاسلام أو غيرها محل تأمل.
أولاً: لا نحرز أن هذه الرواية في مقام بيان إمارية السوق كي يتمسك بإطلاقها، بل لعل الإمام اجاب على ما هو مفروض في السؤال حيث قال السائل: «إني اشتري الفراء من السوق؟ قال: يجوز الصلاة فيه» لا أن الإمام في بيان إمارية السوق حتى يتمسك بإطلاقه.
وثانياً: على فرض أنّ الامام في مقام بيان أمارية السوق فالإمارية هي في اطار الامارية العقلائية، بمعنى ان إمارية السوق على وقوع التذكية إنما تتم فيما إذا انحفظت هذه الإمارية عرفاً، واما لو علم ان هذا المشترى من السوق من بلاد غير المسلمين بأن كان البائع كافرا وكان مجلوبا من بلاد غير الاسلام، فإن كاشفية السوق حينئذ عن التذكية كاشفية غير عرفية، لان البائع كافر والمبيع مجلوب من بلاد غير المسلمين، فمجرد بيعه في سوق المسلمين لا يعطي للسوق امارية وكاشفية عرفية كونه مذكّى. فهذه الرواية حتى لو كانت في مقام بيان امارية التذكية لا اطلاق لها لفرض تكون كاشفية السوق عن التذكية كاشفية غير عرفية.
ثالثاً: لو سلّمنا، فإنّ المفروض ان هذه الرواية واردة في مقام الافتاء، ومقتضى مبنى السيد الأستاذ «دام ظله» أن الرواية الواردة في مقام الافتاء تتأثر بالقدر المتيقن في مقام التخاطب والقدر المتيقن في مقام التخاطب ما يشترى من السوق مع كون البائع مسلما أو كون المبيع مجلوباً في بلاد الإسلام. والا فما دامت ورادة في مقام الافتاء لا يحرز اطلاقها لأكثر من ذلك.
فتخلّص بذلك:
أنّ الصحيح أنّ اطلاق «معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس»: الذي قال: «لا بأس بالصلاة في مشكوك التذكية» مقيد بما ورد في معتبرة «اسحاق ابن عمار» حيث قال: «وإن كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس». نعم، ليست مقيدة بصحيحة الجعفري، لأن قيد السوق لم يرد في كلام الامام وانما ورد في سؤال السائل فلا ظهور له في الاحترازية كي يكون مقيداً، وعلى فرض ان السائل ساقه للاحتراز مع ذلك الجواب لا مفهوم له كي يقيد به اطلاق معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس. وهذا مضى بحثه.
بعد الفراغ من الجهتين السابقتين: الجهة الاولى: ان نفترض ان معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس مطلقة، ولا يضر بإطلاقها القدر المتيقن في مقام التخاطب. الجهة الثانية: هل هي مقيدة بمعتبرة اسحاق ابن عمار أم لا؟ لنفترض أنها ليس مقيدة بمعتبرة جعفر.
يصل الكلام الى:
الجهة الثالثة: هل لها معارض، بل نفترض ان اطلاقها تام، ومقتضى اطلاقها انه يجوز الصلاة في مشكوك التذكية بلا قيد. هل لها معارض أم لا؟. والمعارض المتصور هو: موثقة أبن بكير. في موثقة ابن بكير قال: «محمد ابن يعقوب عن علي ابن ابراهيم عن أبيه عن أبن أبي عمير عن أبن بكير، قال: سأل زرارة ابا عبد الله عن الصلاة في الثعالب والفَنْك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله : أنّ الصلاة في وبر كلِّ شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره مما احلَّ الله أكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه _القيد في صدر الرواية أن يكون من حيوان محلل الأكل_ فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح، أو الذابح وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أم لم يذكّه».
فالكلام فعلاً في أنه: هل بين هذه الرواية وبين معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس تعارض أم لا؟، حيث إنّ مفاد معتبرة جعفر جواز الصلاة في مشكوك التذكية. ومفاد موثقة أبن بكير: اشتراط التذكية، فلابد من احراز التذكية، حيث قال: «إذا علمت أنه ذكّي قد ذكّاه الذبح». فقد يقال: ان بينهما تعارض ومقتضى التعارض هو تقديم وترجيح موثقة ابن بكير لشهرتها ومعروفيتها بين الاصحاب، حيث إن المشهور بنى على اشتراط التذكية، فالشهرة العملية لموثقة ابن بكير. وهنا أجاب السيد الأستاذ «دام ظله» كما في تقرير السيد المهري لبحثه في «الصلاة في اللباس المشكوك» هنا أجاب عن الاستدلال بهذه الرواية بوجهين:
الوجه الاول: لا يحرز صدور الفاظ هذه الرواية عن الامام كي نعتمد على هذا اللفظ في اثبات شرطية التذكية بحيث تكون معارضة لإطلاق معتبرة جعفر، فما هو الوجه للتشكيك في صدور هذه الالفاظ عن الامام ؟. قال: كما نبّه عليه المحدّث الكاشاني في «الوافي، ج5، ص65» وأشار اليه السيد البروجردي «قده» في بعض تقريراته: وذلك من خلال عدّة عبارات: عدة عبارات إذا قرأناها نجد اضطراباً في المتين يمنع من احراز صدور هذه الالفاظ عن الامام .
العبارة الاولى: «زعم انه إملاء رسول الله وهو: أن الصلاة في وبر كلِّ شيءٍ حرامٍ أكله فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد». فقال: إن الاضطراب في العبارة واضح، «الصلاة في كل شيء فالصلاة في وبره فاسد» فإسناد هذه العبارة الى الرسول مع أنه افصح العرب مشكل جداً، بل نجزم بوقوع تصحيف في العبارة، ولعلَّ منشأ ذلك أن الراوي هو ابن ابي عمير، لأنّه روى عن ابن بكير، وقد ذكر في أحواله «ابن ابي عمير» أن كتبه تلفت في زمان حبسه، وبعد ان ارادوا تصحيحها تعرض اسماء بعض الرواة الى الحذف، فأبدلوه بكلمة «رجل، أو عن بعض أصحابنا»، أو كما في رواية الخمس: «الخمس على خمسة أشياء، وذكر أربعة ثم قال: ونسي أبن أبي عمير الخامس».
وأما المتون لم تكن مقروءة _يعني متون هذه الراوية ما قرأت_ فقد أثبتوها بالتصحيح القياسي، يعني قاسوا هذه الرواية على نظائرها من الروايات فصححوا الفظاها ورقعوها من باب التصحيح القياسي. ولذلك نجد بقرينة التطبيق أي تطبيق الإمام الكبرى المأخوذة من النبي على مورد السؤال، لان الامام سأل فأخرج الكتاب، سأل عن «الثعالب والفنك والسنجاب من الوبر» تجوز الصلاة فيه أم لا؟ فأخرج الكتاب الوارد عن النبي وطبّقه على مورد السؤال. فنجد أن الصحيح - بمقتضى تطبيق الامام الكبرى على مورد السؤال_ بموجب التصحيح القياسي أن الرواية هكذا اصلها: «إنّ الصلاة في كلِّ شيءٍ وبرٍ حرام أكله فاسدة». ومع ذلك لا يحصل الوثوق بصدورها عن النبي . هذه المناقشة في العبارة الأولى وان اضطرابها مانع من الوثوق بصدورها.
الجواب عن ذلك:
أولاً: هناك فرق بين الغلط والتكرار، فلو كانت الفقرة مشتملة على استعمال غلط أو مشتملة على استعمال نشاز لدى المعهود لدى المحاورات العربية لكان ذلك مانعا من الوثوق بصدورها عن النبي . وأما التكرار فهو أمر متعارف في مقام التعليم إذ لعل ما صدر عن النبي في مقام التعليم لان املاء منه. فقال: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وكل شيء منه فاسد» لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره.
فان للنبي مقامين: مقام الخطابة، ومقام التعليم. فكونه يختار افصح الكلم في مقام الخطابة لا يعني انه كذلك في مقام التعليم فالتكرار متعارف في مقام التعليم، لذلك اشتمال هذه الفقرة على نوع من التكرار لا يضر بسلامتها أو لا يمنع من الاعتماد عليها كخطاب وارد عن النبي .
ثانياً: على فرض أن هذا التكرار مانع من الوثوق بصدور هذا اللفظ عن النبي فغاية الامر ان الراوي نقله بالمعنى، ونقل الراوي بالمعنى معتمد في مقام الاستنباط، إذا كان الراوي من علية الرواة المعروفين بالضبط، فمعروفيته بالضبط قرينة على الوثوق بأن ما عبّر عنه حاك عن ما صدر وعن المراد الجدي للامام نظير ما في صحيحة الفضلاء الواردة في باب التقية الذي قبلها الكل وبنوا عليها: كما في «باب 25، ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث 2» قال: «إنّ التقيّة في كل شيء يضطر اليه ابن ادم فقد احله الله له».
فإن هذا ليس منسجما بحسب الاستعمال العربي ان يقول: «ان التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله له» بل المنسجم مع التعبير ان يقول: التقية فيما يضطر اليه ابن آدم جائزة. ومع ذلك رواها الفضلاء. فبما أن الراوي معروف بالضبط كابن ابي عمير عن ابن بكير. فمقتضى ذلك: ان لا يمنع مجرد التكرار من إحراز أن ما عبّر به الراوي حاكٍ عن المراد الجدي للمعصوم.
ثالثاً: سلمنا، فإن ادنى الملابسة لا تكفي في الاشتقاق، فيقال: لذي الوبر انه وبر، ولذي الحجر أنه حجر، ولذي البقر أنه بقر، هذا ليس مسوغاً، فإن الاشتقاق يحتاج الى مسوغ قياسي أو مسموع لا مجرد أن له ادنى ملابسة بشيء مصحح لأن يشتق منه صفة مشبه فيقال: ذي الوبر وبر، ونقول مقتضى التصحيح القياسي في الرواية: إن الصلاة في كل شيء وبر حرام أكله فالصلاة....».
العبارة الثانية: هي قوله: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما احل الله اكله».
الاشكال الوارد على هذه العبارة: ان ظاهر العبارة: أن المشار اليه بلفظ «تلك» هي الصلاة التي وقعت فيما لا يؤكل لحمه، فكيف يقول الامام هذه الصلاة التي وقعت فيما يؤكل لحمه ستكون صحيحة إذا صليتها فيما يؤكل لحمه؟!، فإن الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه. فإذا افترضتم ان الصلاة وقعت فيما لا يؤكل لحمه، فكيف يقول: لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما قد أحل الله أكله.
الجواب عن هذا الاشكال بوجهين:
الوجه الاول: إنّ هذا مجرد تعبير كنائي عن اشتراط حلية الأكل، نظير ما ذكر في الآية المباركة: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ». فإنه لا إشكال انه ليس المراد ما هو ظاهر الآية: من أن اشتراط الوضوء إذا قام الإنسان الى الصلاة، بل يقولون: التعبير بالقيام مجرد كناية، فكأنه قال: الصلاة مشروطة بالوضوء. وأما التعبير بالقيام فهو تعبير كنائي عرفي، كذلك الامر في المقام: قوله: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله» مجرد تعبير كنائي عن اشتراط حلية الأكل في ثوب المصلي.
الجواب الثاني: ذكره في هذا التقرير «ص24»: يمكن أن يقال: إن المراد بالإشارة تلك، ليس هو نفس المشار اليه، يعني ليس الصلاة الواقعة خارجاً، بل المراد طبيعي الصلاة بنحو الاستخدام البديعية: وهو أن يرجع الضمير الى ما ينتزع من المذكور سابقا لا الى نفس المذكور سابقاً. فلذلك في المقام لعله من باب الاستخدام، يعني هناك مصدر متصيد مما سبق وهو عنوان «الصلاة» واسم الاشارة يعود الى طبيعي الصلاة، فلا يكون هذا الاشكال وارداً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo