< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

سبق وأن ذكرنا: أن فيما يستفاد من مقبولة «عمر ابن حنظلة» بناءً على تمامية سندها: أما لوثاقة عمر ابن حنظلة بدلالة ما رواه يزيد ابن خليفة على وثاقته مع ثبوت وثاقة زيد ابن خليفة برواية صفوان عنه، على بعض المباني.
واما لاشتهار عمل الطائفة بالمقبولة، بحيث كانت الشهرة منشئاً للوثوق بصدورها. ذكرنا ان المستفاد منها عدة مباني تعرضا إلى ثلاث مباني.
وحيث إن بعض الأخوة رغب في عرض بيان السيد الأستاذ «دام» فيما يستفاد من المقبولة: فنعرضه مع المباني الأخرى:
ومحصل ما أفاده «دام ظله» عدة أمور:
الامر الاول: ان هناك فرقا بين الريب والشك، فليس الشك عرفاً ولغة يُعبّر عنه بالريب، والشاهد على اختلاف معنى الريب والشك حيث إن الريب بمعنى سوء الظن الناشئ عن منشأ معين، لا أن الريب بمعنى الشك. والشاهد على ذلك من الكتاب، وكتب اللغة، والاستعمالات العرفية:
اما من الكتاب: فكما في قوله عزّ وجلّ: ﴿وإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾. فإن وصف الشك في المريب دال على أنّ الريب ليس بمعنى الشك.
وكذلك في قوله: عز وجل: ﴿وإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾. فإن ظاهرها ان الشك اوجب سوء الظن، ولذلك عبر عنه بالمريب.
وقوله عز وجل: ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾. أو قوله عزّ وجل: ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أم ارْتَابُوا﴾. أي أساءوا الظن.
وأما بلحاظ ما في اللغة: فقد ذكر في «لسان العرب»: الريب والريبة: الشك والظن والتهمة. فالريبة والريب يُعبّر بهما بالتهمة، اي سوء الظن. وكذا في ما نقله ابن الاثير.
وأما بحسب الاستعمالات العرفية: فلا يطلق على الشك ريب، مثلاً: إذا شككت في ان هذا الكتاب هل هو كتاب المكاسب أم لا؟ فلا يقال عندي ريب بالكتاب. أو اني شككت في ان هذا الشخص الذي امامي هو زيد أو عمر، لا يقال عندي ريب فيه. مما يدل على ان الشك مغاير لغة وعرفاً لمعنى الريب.
فالريب: بمعنى التهمة وسوء الظن، وليس بمعنى الشك.
الامر الثاني: إذا تعارض خبران، يحصل علم اجمالي بكذب احدهما كما إذا دل أحد الخبرين على حرمة صوم عاشوراء ودل الخبر الاخر على مطلوبية صوم عاشوراء فانه نتيجة التعارض يحصل علم اجمالي بكذب احدهما، والعلم الاجمالي بكذب احدهما منشأ للريب، اي منشأ لسوء الظن في احدهما لا بعينه بأن يتهم عدم صدور احدهما، فلذلك: حيث ان سوء الظن ناشئة عن منشأ وهو العلم الاجمالي بكذب احدهما عبر عن سوء الظن بانه ريب، فهناك ريب في احدهما.
وبناءً على ذلك: فإذا توفر في أحدهما مزية يتميز بها على الآخر أوجبت هذه الميزة صرف الريب عن واجبها إلى الاخر فيكون محل الريب هو الاخر لا ذو المزية وهذا ما دلت عليه المقبولة في قوله: : «ويترك الشاذ الذي ينظر إلى ما كان ينظر في روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عيه فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي الذي ليس بمشهور، فإن المجمع عليه لا ريب فيه». أي ان شهرة الرواية ميزة تصرف الريب عن المشهور إلى غيره، فالمشهور مما لا ريب فيه، اي ليس محلاً للتهمة وسوء الظن الناشئ عن العلم الإجمالي بكذب أحدهما. ونتيجة ذلك: ان مفاد المقبولة «مقبولة عمر ابن حنظلة» ليس الترجيح بالشهرة لأنه لها موضوعية. أو الترجيح بموافقة الكتاب لان له موضوعية، أو بمخالفة العامة. لأن له موضوعية، لا موضوعية لهذا المرجحات، بل جميع هذه المرجحات تندرج تحت ضابط واحد وهو ما يصرف الريب عن واجده إلى الآخر.
فالسر في الترجيح بالشهرة أو بموافقة الكتاب أنها ميزة تصرف الريب عن ذيها إلى الآخر فتكون مصداقا إلى ما لا ريب فيه.
ومما يدل على ذلك: قوله في آخر المقبولة: «فإن الوقوف في الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة» فإنه ظاهر في انه ما لا ميزة له مصداق للشبهة، فهو محل للريب وانما يخرج عن الشبهة والريب إذا كان ذا ميزة.
الامر الثالث: قال: بأن المقبولة ليس مفادها الترجيح التعبدي، وانما هي إرشاد إلى كبرى عقلائية ارتكازية وهي: إذا تعارضت امارتان _سواء كانت الامارتان خبرين، فتويين، قولي خبريين، بوصلتين، شهرتين_ فهناك مرتكز عقلائي على انه متى ما كانت احدى الامارتين واجدة لمزية تصرف الريب عنها إلى الأخرى قُدّمت.
ولذلك بنى الفقهاء على تقديم فتوى الاعلم عند الاختلاف، فإنه إذا تعارضت فتوى الاعلم مع غيره دخل ذلك ضمن المرتكز العقلائي في تعارض الامارتين، وحيث ان احدى الامارتين واجدة لمزية وهي الاعلمية صرفت هذه الميزة الريب عن فتوى الاعلم إلى فتوى غيره.
وبالتالي: فبناء على هذا المبنى له «دم ظله» لا يقتصر في الترجيح على المنصوص من المرجحات، بل كل مزية تؤدي إلى صرف الريب كما في الشهرة العملية وان لم تنص عليها المقبولة. كما في المتن، فإن جمال المتن يوجب ان واجد هذا المتن مما لا ريب فيه بحيث يصرف الريب عن الطرف الاخر. هذا ما افيد بحسب تقرير كلامه «مد ظله».
ويلاحظ على ما افيد:
أولاً: إن الريب عرفا وان لم يكن بمعنى عدم العلم، فليس كل عدم علم ريب، ولكنه ليس بمعنى سوء الظن والتهمة، وانما هو عبارة عن الشك الموجب للحيرة، لا الشك الموجب لعدم العلم، وإنما الشك الموجب للحيرة والتردد،.
ولذلك نرى شواهد الكتاب على هذا، مثلا قوله تعلى: ﴿َذلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيه﴾ بمعنى انه لا شك فيه، لا انه لا سوء ظن فيه.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾. أو قوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾». يعني امر حتما واقع وليس موردا للشك،
وايضا قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾. وأيضاً قوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾. وقوله عز وجل: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾.
ومما يكشف عن ان الريب ليس بمطلق الشك بل الشك المؤدي إلى الحيرة وقلق النفس هو قوله عز وجل: ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾. يعني شك موجب للحيرة والوجل.
وفي قوله تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿مُعْتَدٍ مُرِيبٍ﴾. فإن المقصود بقوله: ﴿مُعْتَدٍ مُرِيبٍ﴾ شكّاك موجب للحيرة في امره.
وأما ما ذكر في «لسان العرب» أو «ابن الاثير» من أن الريب هو: «الشك والظن والتهمة» فهو من باب تحديد موارد الاستعمال وليس في مقام تحديد المعنى الحقيقي للفظ حتى نبني عليه.
ثانياً: ما هو المرجح بنظره «دام ظله»؟ هل المرجح هو المزية التي تنفي الريب الحقيقي عن ذيها بحيث يحصل الوثوق به؟
ام ان المرجح تنفي الريب الإضافي النسبي اي الريب بالاضافة إلى الاخر؟. كما ذهب اليه الشيخ الاعظم في «الرسائل».
فإذا كان المرّجح _بغمض النظر عن الريب بأي معنى_ هو المزية التي تنفي الريب عنها حقيقة، _بحيث لا يبقى معها ريب سواء فسرنا الريب بمعنى الشك أو الريب بمعنى سوء الظن_ فما ذكره من ان بناء العقلاء على ذلك صحيح، فإن بناء العقلاء قائم انه إذا تعارضت اماراتان وكانت احداهما واجدة لميزة تنفي عنها الريب مطلقاً، بحيث يحصل الوثوق بها بلا اشكال قدم على غيرها، هذا مما لا كلام فيه قام عليه بناء العقلاء، وهو مورد اختلاف الاعلم مع غيره، فإنه إذا كانت اعلمية أحد الطرفين على الاخر بحد فاحش بحد فاصل بحيث توجب انتفاء الريب الحقيقي بلحاظه فحينئذ نعم يقدم عند العقلاء على غيره.
فاذا كان المرجح بنظره الميزة التي تنفي الريب حقيقة فهذا مطابق للمرتكز العقلائي. ولكن يترتب على ذلك امران:
الامر الاول: ان لا موضوعية لصرف سوء الظن، فإذن انصراف سوء الظن صار امراً لا دخل له في الموضوع بل المدار على انتفاء الريب حقيقة. فإن الميزة إن صرفت سوء الظن لكنها لم تنف الريب مطلقا، فلا موجب لتقديمها. وان صرفت الريب حقيقة فاذاً ليست المدخلية لصرف سوء الظن، فصرف سوء الظن من أحد الطرفين إلى الآخر مما لا دخل له في التقديم عند العقلاء. فإما إن ينتفي الريب حقيقة وهو، وإلا فمجرد انصراف سوء الظن إلى الطرف الآخر مما لا قيمة له عند العقلاء.
ثانيا: بناء على هذا المبنى وان المرجح ما ينفي الريب حقيقة لا ينطبق على الفقرة الاخيرة من المقبولة فإنه في الفقرة الاخيرة. رجح بالأميلية: «فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟
فقال: ينظر إلى ما هم اليه اميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر». فإن مجرد الأميلية لا توجب انتفاء الريب عنه حقيقة عما هم عنه اميل دون الآخر.
وأما إذا كان المرجح بنظره الميزة التي تنفي الريب بالنسبة: يعني هذا في نفسه ذو ريب ولكنه بالنسبة إلى الاخر لا ريب فيه، كما فسّر الشيخ الاعظم عبارة «فإن المجمع عليه مما لا ريب فيه».
إذا كان هذا مراده فمن الواضح عدم بناء العقلاء عليه. لا يوجد بناء عقلائي على انه متى ما كانت هناك ميزة توجب نفي الريب لا حقيقة ولكن بالنسبة أوجبت تقدم ذو الميزة على غيره سائر الإمارات المتعارضة. هذا ليس عليه بناء عقلائي، كي يقال بأن مفاد المقبولة إرشاد كبرى العقلائية.
ثالثاً: بأنه بناء على كلامه: إن مفاد هذه الفقرة: «فإن المجمع عليه لا ريب فيه» بمعنى لا سوء ظن فيه، إن المجمع عليه لا تهمة فيه، بناءً على ذلك: هل يلتزم ان كل خبر لا تهمة فيه فهو حجة؟ لان هذه العبارة مطلقة وتقرر حقيقة مطقة، «المجمع عليه لا ريب فيه» أي المجمع عليه يؤخذ به لأنه مما لا ريب فيه، فإذا فسّرنا الريب بمعنى التهمة: فلازم ذلك ان كل خبر لا تهمة فيه فهو حجة وان كان خبر فاسق مثلاً. ولم يكن له معارض.
هذا تمام الكلام فيما ذكره السيد الاستاذ «دام ظله».
فتبين بذلك: ترجيح صحيحة «سعد» على غيرها لشهرتها العملية.
المطلب الأخير الذي تعرض له سيدنا الخوئي «قده»: «الموسوعة، ج12، ص198»: قال: مع الغض عن ذلك _تقديم صحيحة سعد على صحيحة الحلبي_ وتسليم عدم الترجيح، واستقرار المعارضة، فيرجع بعد التساقط إلى العمومات_يعني لا إلى البراءة عن الشرطية_ المانعة من الصلاة فيما لا يؤكل مثل موثقة «ابن بكير»، حيث إن موثقة ابن بكير قالت: «فالصلاة في كل شيء حرام أكله فاسد» إذا نرجع إلى عموم ما دل على مانعية ما لا يؤكل بعد تساقط سعد مع صحيحة صحيحة الحلبي_، للزوم الرجوع اليها بعد ابتلاء المخصص _وهو صحيحة سعد_ بالمعارض وهو _صحيحة الحلبي_.
فالنتيجة واحدة: وهو: المدار عل ما لا يحل أكله سواء ثبت الترجيح أم لا؟. فما في المتن «متن العروة» من عدم جواز الصلاة في السمور، هو الصحيح. لأنه مما لا يؤكل.
ولكن يلاحظ على ما افاده «قده»:
انه حتى لو سلمنا استقرار المعارضة بين «صحيحة سعد وصحيح الحلبي» فإن موثق ابن بكير داخل ضمن المعارضة وليس عامّاً فوقانياً، لان النسبة بين موثقة ابن بكير وصحيح ابن سعد العموم من وجه، كالنسبة بين الموثق وبين راوية هاشم الحنّاط. فإن النسبة بينهما عموم من وجه. وبيان ذلك: ان مفاد الموثقة ان ما لا يؤكل لحمه لا تصح الصلاة فيه، سواء كان ممن يصيد أو مما لا يصيد.
وأما مفاد صحيحة سعد حيث قال: «قلت هو الاسود، قال: يصيد؟ قلت: نعم، يأخذ الدجاج والحمام، قال: لا». فإن مفاده ان ما يصيد لا يصح الصلاة في جلده كان مما يحرم اكله أو مما يحل اكله.
فان ظاهر سؤال الامام: «يصيد؟» السؤال عن المناط، وليس البحث عن الوصف، وإلا لو قال «هو الذي يصيد» اي في اشارة إلى المصداق، لكن الإمام ما قال «هو ال ي يصيد»، بل قال: «يصيد؟». فإن ظاهر السؤال ب «يصيد؟» سؤال عن المناط وليس سؤالاً عن المصداق.
إذاً فمقتضى مفهوم التعليل: هو كون النسبة بين الطرفين عموم من وجه، حيث ان مقتضى منطوق «موثق ابن بكير» أن المناط على ما لا يحل، ومقتضى مفهوم التعليل في «صحيحة سعد»: أن المناط على ما يصيد وما لا يصيد.
ومقتضى منطوق «صحيحة هاشم الحنّاط»: ان المناط على ما يأكل الميتة وما لا يأكل. فالنسبة بينهما عموم من وجه. لأجل ذلك فالتعارض ثابت بين الموثق وبين الصحاح، إلا أن يقدم الموثق على هذه الصحاح الشهرة العملية. بناءً على جريان المرجحات في المتخالفين على نحو العموم من وجه، حيث ذهب المحقق العراقي إلى أنّ المرجحات انما تأتي في المتخالفين على نحو التباين، وأما المتخالفان على نحو العموم من وجه فهو خارج عن المرجحات موضوعاً إذ لا يصدق عليهما حديثان مختلفان. فإن عنوان حديثين مختلفين: الظاهر انهما مختلفان في تمام مدلولهما. لا انه مختلفان في مورد الاجتماع فقد وإلا فهما متفقان.
إذاً عنوان الحديثين المختلفين، ظاهر في المختلفين في كل جهة، لا المختلفين من جهة دون أخرى ومن حيثية دون أخرى.
نعم، إذا قلنا بأن هذا الاستظهار في غير محله إذا اختلفا الحديثان يحتمل ما إذا اختلفا في جهة أو في تمام المدلول.
فان المرجحات كما تشمل المتباينين تشمل ما بين كان بين العامين من وجه. انتهى هذا البحث.
نرجع إلى ما ذكره سيد العروة «قده» من انه: لا فرق في المنع بين ان يكون ملبوساً أو محمولاً أو مخلوطاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo