< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/03/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا فيما سبق: انه لا تعارض بين صحيحة محمد ابن عبد الجبار التي قال فيها: «ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه». وبين صحيحة الحلبي التي قالت: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة فالصوف ليس فيه روح».
وبالتالي فإن صحيحة محمد ابن عبد الجبار صالحة لأن تكون مخصصا لموثق ابن بكير، فتكون النتيجة: ان الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فاسدة الا اذا كان مما لا تتم به الصلاة. فإنه تصح فيه الصلاة اذا كان ذكياً.
ولكن هذا متفرع على عدم معارضة صحيحة محمد ابن عبد الجبار برواية علي ابن مهزيار، عن احمد ابن اسحاق الابهري كتبت اليه: جعلت فداك: عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة فيها من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب: لا تجوز الصلاة فيها.
مع انها من قبيل مما لا تتم الصلاة فيه ومن وبر ما لا يؤكل لحمه، فقال: لا تجوز الصلاة فيها.
وحمل هذه الرواية على النظر لفرض عدم التذكية بان نقول: لا تجوز الصلاة فيها اي في فرض عدم التذكية حيث دلت صحيحة محمد ابن عبد الجبار على صحة الصلاة فيها ان كان ذكيا حمل بعيد، فإنم ا يتوفر عادة من الجوارب والتكك في بلاد المسلمين يكون من المذكى فيبعد ان لا يكون منه.
او يقال: مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم صحة الصلاة فيها حتى مع تذكيتها، والا لكان المناسب ان يفصل لانه في مقام بيان الوظيفة الفعلية، فعدم استفصاله محقق للاطلاق المقامي، ومقتضى الاطلاق المقامي عدم صحة الصلاة فيها وان كانت مما لا تتم الصلاة به.
فلو تمت هذه الرواية سنداً لقلنا بانها معارضة لصحيحة محمد ابن عبد الجبار وبالتالي لا تصلح صحيحة محمد ابن عبد الجبار لتخصيص الموثق. وأما اذا قلنا بسقوطها سندا لجهالة احمد ابن اسحاق الأبهري. تبقى صحيحة محمد ابن عبد الجبار سليمة عن المعارض ويتم بذلك تخصيص الموثق.
الامر الثاني: قد يقال بان هناك تعرضا بين صحيح الحلبي عن ابي عبد الله ع: لا باس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة إن الصوف ليس فيه روح. «باب 68، من أبواب النجاسات، حديث 1».
الدال على ان ميتة ما ليس فيه روح تصح الصلاة فيه سواء كان مما يؤكل او مما لا يؤكل، مع مفاد الموثق الذي يقول: فان كان مما قد نهيت عن اكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد، الدال على ان الصلاة فيما لا يؤكل فاسدة سواء كان مما فيه روح او لم يكن.
وقلنا: ان سيدنا «قده» في «ص161، ج12» دفع المعارضة، بقوله: إن مفهوم القضية الشرطية في قوله ع: وكل شيء منه جائز اذا علمت انه ذكي. مفهوم القضية جواز الصلاة في كل شيء منه إذا لم تعلم التذكية.
فالقضية السالبة في الجملة المفهومية مصوغة على سبيل سلب العموم لا عموم السلب، ويكفي في سلبه جواز الصلاة في بعض الاجزاء وان لم تحرز تذكيته، وإنما لا يكفي لو لوحظت القضية بنحو عموم السلب في جميع الأفراد فتتنافى مع صحيحة الحلبي وليس كذلك. فالمقام نظير قوله ع: إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء.
حيث ان مفهوم ان لم يبلغه الكر ينجسه شيء لا انه ينجسه كل شيء.
بداهة أن نقيض السالبة الجزئية موجبة جزئية. كما أن نقيض الكلية سالبة جزئية. وعليه فلا مانع من الصلاة فيما لا تحله الحياة وان كان من اجزاء الميتة.
فيفيد «قده»: بان موقع التعارض بين صحيحة الحلبي وبين الموثق هو في المفهوم، اي أن منطوق الموثق «الصلاة في كل شيء مما يحل أكله جائزة اذا علمت انه ذكي» مفهومها اذا لم تعلم انه ذكي فلا تصح الصلاة.
فيأتي السؤال: هل مفهومها، اذا لم تعلم انه ذكي فلا تصح الصلاة في كل جزء منه؟ او لا تصح الصلاة فيه في بعض أجزاءه في الجملة؟. فهل مفهوم الشرط عموم السلب ام سلب العموم؟.
فاذا لم تعلم انه ذكي فلا تصح الصلاة في شيء منه هذا معنى عموم السلب. واما اذا قلنا بان مفهوم الشرط اذا لم تعلم انه ذكي فلا تصح الصلاة في الجملة فيكون مفادها سلب العموم.
فيقول السيد: المقام من قبيل قوله ع: «اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء». فإن المنطوق سالبة كلية «لم ينجسه شيء» فلا محالة سوف يكون المفهوم موجبة جزئية لا موجبة كلية لان نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية، فمفهوم الرواية: إذا لم يبلغ كراً ينجسه شيء في الجملة لا انه ينجسه كل شيء.
كذلك في محل الكلام، المنطوق موجبة كلية فالمفهوم سالبة جزئية لا سالبة كلية، المنطوق: الصلاة جائزة في كل شيء _اي في كل جزء_ مما يؤكل لحمه إذا علمت انه ذكي. فاذا لم تعلم انه ذكي فلا تصح الصلاة في كل جزء او في الجملة، يقول: أن نقيض الموجبة في المنطوق سالبة جزئية في المفهوم.
فاذا دل مفهوم الشرط في موثق ابن بكير على عدم صحة الصلاة في الجملة اذا لم يكن مذكى لم يكن معارضا لصريح صحيح الحلبي الذي يقول: «الصلاة فيما لا تحله الحياة من اجزاء الميتة» صحيحة، لا تعارض بينهما، لأن ذاك ليس لديه سالبة كلية كي يكون معارضاً له، وانما سالبة جزئية، فلعل منظوره الى الاجزاء التي تحلها الحياة.
افاد «قده» في دفع المعارضة. ولكن مضافاً الى ان كلامه «قده» انما هو في محلل الاكل لا في محرم الاكل الذي نحن فيه. اي اذا كانت الميتة من محرم الاكل. ان تطبيق مسألة كون المفهوم بنحو سالبة المحمول او عموم السلب على محل الكلام غير عرفي. وبيان ذلك: ان القضية الشرطية مؤلفة من ثلاثة عناصر: موضوع، وشرط، ومتعلق الشرط. وموضوع القضية الشرطية هو المحتفظ به في المنطوق والمفهوم معاً، الموضوع لا يتغير، وإنما الذي تؤثر في المفهوم هو متعلق الشرط لا موضوع القضية الشرطية، بيان ذلك: اذا قال المولى: كل طالب إذا كان محصّلاً فاعطه الراتب. فالقضية الشرطية هنا مؤلفة من ثلاثة عناصر. الموضوع هو كل طالب، الشرط: هو اذا كان محصلا، المتعلق هو الراتب. فما هو مفهوم هذه القضية؟ فاذا اردنا صياغة المفهوم يبقى الموضوع كما هو وهو كل طالب، لان كل طالب هو موضوع يكون مع الشرط تارة ويكون مع المفهوم أخرى، لكنه يضل متحفظا عليه في المفهوم والمنطوق معاً لا يتغير، فمفهوم هذه القضية سوف يكون كل طالب، لا تتحول الى قضية جزئية تبقى قضية كلية، لان هذا موضوع، فيقال: كل طالب إن لم يكن محصّلاً فلا تعطه الراتب، فيأتي البحث: هل ان مفاد المفهوم عموم السلب او سلب العموم. فهذا البحث في ان المفهوم على نحو سلب العموم او عموم السلب مرتبط بمتعلق الشرط وليس بموضوع القضية الشرطية، بل موضوع القضية الشرطية يبقى على حاله. نظير ايضا القضية التي مثل بها وهو «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» فهنا ثلاثة عناصر: الماء وهذا هو الموضوع الذي لا يتغير في المنطوق والمفهوم. والشرط وهو بلوغ الكر. والمتعلق وهو ينجسه شيء. فحينئذٍ يكون المفهوم ان لم يبلغ كرا يبقى الماء على ما هو عليه من دون تغير في الموضوع، ينجسه شيء.
ومحل كلامنا في موثق ابن بكير من قبيل المثال الذي ذكرناه وهو الذي قال: كل جزء، من الحيوان اذا كان ذكيّاً فصلي فيه. فمهوم الشرط، كل جزء ان لم يكن ذكيا فلا تصل فيه. وليس مفهومه انه ان لم يكن ذكيا فلا تصل في بعض الاجزاء فتتحول القضية من كلية الى جزئية بلحاظ الموضوع، وانما تتحول القضية من كلية الى جزئية بلحاظ متعلق الشرط لا بلحاظ الموضوع، وكل جزء هنا هو موضوع للقضية الشرطية وليس متعلقاً لها.
فلا محالة المفهوم ان كل جزء ان لم يكن ذكيا فلا تصل فيه على نحو السالبة الكلية فيتعارض مع صحيحة الحلبي.
مضافا الى ان التعارض بين المنطوقين لان في موثق ابن بكير منطوق آخر، وهو قوله: أن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وكل شيء منه فاسد ذكاه الذابح ام لم يذكه.
فبين هذا المنطوق وبين منطوق صحيح الحلبي يوجد تعارض، لذلك قد يقال بتقديم صحيح الحلبي على عموم الموثق من باب موافقة العامة. هذا تمام الكلام في هذا البحث، ثم أفاد سيد العروة «قده» انه لا فرق في الحيوان ذا نفس او لا كالسمك الحرام أكله. فلو فرضنا ان ثوب المصلي مصنوع من جلد الحيتان، فهل تصح الصلاة فيه ام لا؟. افاد الحكيم «قده» في المستمسك ج5، ص311: ان العمدة في النصوص الموثق «ابن بكير» حيث قال في صدر الموثق: «ان الصلاة في كل شيء حرام أكله فاسدة» فيشمل ما ليس له نفس سائلة كالسمك، لكن قال في ذيله «ذكاه الذبح ام لم يذكه»، وما ذكر في الذيل يصلح قرينة على اختصاص الصدر بما فله نفس سائلة.
فان الذي يتصور فيه الذبح وعدمه ماله نفس سائله واما ما ليس له نفس سائلة فلا يتصور فيه الذبح وعدمه. إذ المراد بالتذكية هنا التذكية بالذبح لا مطلق الذبح بقرينة المقابلة مع قوله بعد ذلك: وإذا علمت انه ذكي قد ذكّاه الذبح. فإذاً بما ان في الذيل هذه الجملة وهي قوله: «ذكاه الذبح ام لم يذكه» فكانت صالحة للقرينية على ما في الصدر ومقتضاه: ان الصدر من الكلام المحتف بما يصلح للقرينية عليه، والكلام المحفوف بما يصلح للقرينية عليه لا إطلاق له، فلا اطلاق للصدر على الجلد المأخوذ من حيوان ليست له نفس سائلة.
السيد الخوئي قال: ص175: ويناقش وربما يندفع: بأن الصدر رواية مستقلة حكاها الصادق عن النبي .
فهنا كلامان: الكلام الاول: فاخرج كتاباً زعم انه املاء رسول الله وفيه أن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وروثه وبوله والبانه وكل شيء منه فاسد لا تقبل منه تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما قد احل الله اكله _ «انتهى كلام الرسول الذي نقله الصادق» _ ثم قال الصادق: فاحفظ ذلك يا زرارة، إن الصلاة في كل شيء حلال أكله جائزة اذا علمت انه ذكي قد ذكاه الذابح وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله فالصلاة في كل شيء منه فاسدة ذكّاه الذابح ام لم يذكّه. فهذا التفصيل ورد في كلام الصادق ولم يرد في كلام النبي وهما كلامان فكيف يقال: ان كلام النبي محتف بما يصلح للقرينية على الخلاف فلا إطلاق له. ولكن يلاحظ على كلام سيدنا «قده»: ان تفريع الصادق في مقام التفسير ولم يكن تفريعا في مقام ذكر أثر من آثار الكبرى التي ذكرها النبي وإنما كان تفريعا على نحو التفسير والشرح. فإذا كان تفريعا على نحو التفسير والشرح بذكر قيود وحدود فلا اشكال عرفا انه يعد استمرارا للكلام الاول فيقال عرفا: ان الكلام الاول محفوف بما يصلح للقرينية على تقييده فلا اطلاق له. فالحق مع السيد الحكيم «قده» ان المانعية لا تشمل جلد ما ليست له نفس سائلة. ثم يصل الكلام الى مسالة 15. لا باس بفضلات الإنسان كعرقه ووسخه وشعره وريقه....»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo