< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا فيما سبق: ان السيد الاستاذ «دام ظله» افاد بان عنوان «حرام اكله» المذكور في موثق ابن بكير لا يحرز شموله لكل ما نهي عنه بل القدر المتيقن منه السباع، والوجه في ذلك: ان عنوان الحرام في النصوص ليس ظاهراً في المنهي عنه، وانما هو ظاهر في حرّمه الله، واستدل على ذلك بمجموعة من النصوص سبق عرضها.
وللملاحظة على كلامه نتعرض اولا للروايات الشريفة الواردة في هذا الباب:
فنقول بان الروايات الشريفة على اربع طوائف:
الطائفة الاولى: ما كان ظاهرا في حصر الكتاب فيما حُرِّم في الكتاب.
ومن هذه الطائفة: صحيحة زرارة: عن أبي جعفر قال: ما حرّم الله في القرآن من دابة إلا الخنزير». «ج24، الوسائل، باب 1، من ابواب الاطعمة المحرمة».
ومنها: صحيحة محمد ابن مسلم وزرارة عن أبي جعفر : «انهما سألاه عن أكل لحم الحمر الأهلية، فقال: نهى رسول الله عن أكلها يوم خيبر وإنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت لأنها كانت حمولة الناس وإنما الحرام ما حرّم الله في القرآن». «باب4، حديث1».
ومنها: صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي جعفر قال: نهى رسول الله عن اكل لحوم الحمير وإنما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها وليست الحمير بحرام، ثم قرأ هذه الآية: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه﴾ُ. «باب 4، حديث6».
ومنها: معتبرة ابي الحسن الليثي عن جعفر ابن محمد قال: سئل ابي عن لحوم الحمر الأهلية، فقال: نهى رسول الله عن أكلها لأنها كانت حمولة الناس يؤمئذ، وإنما الحرام ما حرّم الله في القرآن وإلا فلا». «باب5، حديث3»
ومنها: «حديث 6، باب5»: معتبرة محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر : أنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمر والبغال والخيلن فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه وقد نهى رسول الله يوم خيبر عنها _البغال والحمير_ وإنما نهاهم من أجل ظهورها ان يفنوها، وليست الحمر بحرام، ثم قرأ الآية: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾».
ومنها: صحيحة زرارة: قال: سألت ابا عبد الله عن الجرّيث، قال وما الجرّيث؟ فعّته له، فقال: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾. ثم قال: لم يحرّم الله شيئاً من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه. ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق وليس بحرام إنما هو مكروه». «باب 9، حديث 19».
هذه هي الطائفة الاولى الدالة على حصر الحرام بما حرّم في الكتاب.
الطائفة الثانية: ما عبرّت بالحرمة لغير ما حرم في الكتاب.
منها: معتبرة سماعة ان مهران عن ابي عبد الله «ع «قال: «وحرّم الله ورسوله المسوخ جميعاً». «باب2، حديث 3».
ومنها: صحيح الحلبي عن ابي عبد الله : «قال إن رسول الله قال: كل ذي ناب من السباع او مخلب من الطير حرام». «باب 2، حديث 3».
ومنها: معتبرة سماعة ابن مهران قال سالت ابا عبد الله عن المأكول من الطير والوحش، فقال: حرّم رسول الله كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من الوحش، فقلت: إن الناس يقولون من السبع؟ فقال لي: يا سماعة السبع كله حرام وإن كان سبعاً لا ناب له وإنما قال هذا رسول الله تفصيلا. _الى ان قال_: وكل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام». «باب
ومعتبرة حسين بن خالد: قال قلت لأبي عبد الله أيحل أكل لحم الفيل؟ فقال: لا، فقلت لم؟ قال: لانه مثله، وقد حرم الله لحوم الامساخ ولحم ما مُثّل به من صورها». يعني الفيل من صور من مسخ.
فتلاحظون انه في هذه الرواية نسب التحريم الى الله، فقال: «وقد حرّم الله لحوم الامساخ ولحم ما مثّل به في وصورها».
وكذا: وعن محمد ابن سنان بناء على وثاقته «كما هو الصحيح» عن الرضا فيما كتب اليه من جواب مسائله «في العلل»: «وحرّم الارنب لأنها بمنزلة السنور ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباح الوحش فجرت مجراها مع قدرها في نفسها وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ». «باب 2، حديث 11».
ومعتبرة داوود ابن فرقد: عن أبي عبد الله : «كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فهو حرام».
وايضا ما جاء في حديث شرايع الدين: قال: والشراب كلما اسكر كثيره فقليله حرام، وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام، والطحال حرام لانه دم والجرّي والمار ماهي والطافي والزمّير حرام وكل سمك لا يكون له فلوس فأكله حرام ويؤكل من البيض «يقصد بيض الطير» ما اختلف طرفاه ولا يؤكل ما استوى طرفاه».
وصحيح محمد ابن مسلم، قال سالت ابا عبد الله عن الجرّيث فقال: ما رايته قط ولكن وجدناه في كتاب علي .».
فظاهر هذه الطائفة الثانية ان الحرام لا ينحصر بما في الكتاب حيث اطلقت الحرمة على ما لا يطلق في الكتاب.
الطائفة الثالثة: ما دلَّ على تفاوت درجات الحرمة.
منها: معتبرة ابي بصير عن أبي عبد الله : «قال: كان يكره أن يؤكل لحم الضب والارنب وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وقد نهى رسول الله عن لحوم الحمر الاهلية وليس بالوحشية بأس». هذه الطائفة دالة على ان الجميع حرام ولكن هناك تفاوت في درجات الحرمة.
الطائفة الرابعة: ما دلَّ على كراهة بعض الحيوانات وان النهي عنه والكراهة عنها ليس لأنها محرمة بل لأجل التقزز ونفور الطبع. فلاحظوا: صحيحة زرارة وصحيحة محمد ابن مسلم:
صحيحة زرارة: عن أحدهما : «قال: ان اكل الغراب ليس بحرام إنما الحرام ما حرّم الله في كتابه ولكن الانفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززاً».
فظاهرها: ان ما نهي عن كل الغراب لا لكونه محرّماً بل لكونه مما ينفر منه طباع البشر ويتقززون منه.
وكذا صحيحة: محمد ابن مسلم قال سألت ابا عبد الله : عن الجرّي والمار ماهي والزمير وما ليس له قشر من السمك أحرام هو؟ فقال لي يا محمد اقرأ هذه التي في الانعام: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه﴾. قال فقراتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ولكنهم «الناس» كانوا يعافون اشياء فنحن نعافها».
وكذلك معتبرة حمّاد ابن عثمان الواردة في الأرنب: قال: قول ابي عبد الله : كان رسول الله عزوف النفس وكان يكره الشيء ولا يحرّمه فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها». إذاً هذه طوائف اربعة، ووقع الخلاف في الجمع بين هذه الطوائف.
طائفة تقول: الحرام ما حرم في الكتاب. وطائفة: لا ينحصر الحرام بما حرم في الكتاب. وطائفة تقول: درجات الحرمة متفاوتة. وطائفة تقول: بعض ما نهي عنه اصلا ليس بحرام وإنما من باب التقزز. فهنا وجوه ثلاثة للجمع:
الوجه الأول: ما ذهب اليه اغلب الاعلام: من ان ما دل على حصر الحرام في الحرام القرآني عام والعام قابل للتخصيص، وما جاء مما دلّ على حرمة السباع أو ذي مخلب من الطيور او المسوخ إنما هو تخصيص له وليس معارضاً. هل هذا جمع عرفي؟.
ولكن الجمع غير عرفي، فان ظاهر استشهاد الروايات بالآية، عندما يقول الامام هذا ليس حرام لأن الله قال. ان الامام فهم من الحصر الحصر الحقيقي، والا لو كان الحصر الاضافي لما استشهد به على نفي الحرمة، فيقول بان اكل الحمير ليس بحرام لانه الله قال: «قل لا اجد فيما اوحي الي». فلاحظوا صحيحة زرارة: قال: لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن الا الخنزير بعينه ويكره كل شيء من البعض ليس له فلس».
ولاحظوا صحيحه الآخر: قال: «إن اكل الغراب ليس بحرام، إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ولكن الانفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززاً».
فظاهره: انه ينفي الحرمة للغراب استشهادا بالآية، وهذا يعني ان الآية مدلوها الحصر الحقيقي، فاذا كان مدلولها الحصر الحقيقي كانت معارضة لما دل على تحريم اشياء اخرى.
الوجه الثاني: ما ذكره صاحب الوسائل عند تعليقه على باب 9 من ابواب الاطعمة المحرمة: قال: درجات الحرمة تختلف ولا تعارض بين الروايات، ولكن عندما قالت: إنما الحرام ما حرم الله في كتابه يقصد الحرام الأشد غلظة وهذا لا ينافي حرمة غيره بحرمة أخف، وربما يستدل له بصحيح ابي بصير السابق الذي اعتبرناه طائفة ثالثة: حيث قال: «كان يكره ان يأكل من الدواب لحم الارنب والضب والخيل والبغال وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير» ولذلك علّق صاحب الوسائل قال: هذا محمول على ان الارنب والضب محرمان ولكن تحريمهما دون تحريم الميتة في الغلظة وقد قال به الشيخ. «يعني الشيخ الطوسي ذهب الى هذا المذهب».
وهذا الجمع يرد عليه: ما ورد في السابق من انه ظاهر بعض الروايات ليس بحرام وانه هو منهي عنه تقززا لا انه حرام بحرمة اخف.
الوجه الثالث: ما ذكره السيد الاستاذ «دام ظله» وقد سبق ذكره في الدرس السابق:
ان هناك مصطلحين: احدهما: الحرام، بمعنى ما فرض الله حرمته. إما مثل ذكره في الكتاب او ورد على لسان النبي تفصيلاً للكتاب.
المصطلح الثاني: المنهي عنه، هو ما حرّمه المعصوم بمقتضى ولايته على التشريع، فهناك ما محرّم من قبل الله ولو على لسان النبي، وهناك ما حرّمه المعصوم بمقتضى ولاية التشريع، فالثاني يعبر عنه بالمنهي او المكروه.
وثمرة ذلك: أنه اذا تزاحم ما حرمه الله وما حرمه النبي بمعنى ان المكلف مضطر اما لتناول هذا او لتناول هذا او اكره على احدهما، قدم ما حرمه الله على ما حرمه المعصوم، ولو من باب «لا تنقض السنة الفريضة» بأن يستفاد مما ورد في ذيل صحيحة زرارة «لا تنقض السنة الفريضة» أن السنة لا تزاحم الفريضة، سواء كان وجوبهما وجوباص استقلاليا تكليفياً او كان وجوبهما وجوباً ضمنياً. بل ورد في بعض الروايات: إذا اجتمعت السنة والفريضة قدّم الفرض.
ولكن يلاحظ على ما افيد:
اولا: ما افيد مناف للتعليل في عدة نصوص: منها: «انهما سألاه عن اكل لحوم الحمر الأهلية، فقال: نهى رسول الله عن اكلها يوم خيبر وإنما نهى عن اكلها في ذلك الوقت لأنها حمولة الناس، وإنما الحرام ما حرّم الله في القرآن».
فمقتضى ظاهر التعليل انها في نفسها حلال، لا انها محرمة بحرمة معصومية بل هي حلال لأنه اما امضي عنه لاجل ان لا تفنى ظهورها. فبمقتضى المقابلة بينه وبين قوله: «وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن» أن المراد بما حرم الله في القرآن: الحرمة الاصطلاحية مقابل الحلية لا الحرمة بمعنى ما كان محرما على سبيل الفريضة مقابل ما كان محرما على سبيل السنة. فظاهر المقابلة في هذه الرواية هو المقابلة بين الحرمة والحلية لا المقابلة بين حرمتين، حرمة على نحو الفريض وحرمة على نحو السنة.
وفي رواية ابي الحسن الليثي عن جعفر ابن محمد قال: سئل ابي عن لحوم الحمر الأهلية فقال: نهى رسول الله عن أكلها لأنها كانت حمولة الناس يومئذ وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن وإلا فلا». يعني فلا حرمة له مقابل انه حلال. يعني فليس محرما على سبيل الفريضة.
ثانياً: هذا يتنافى مع قوله : «وحرّم الله ورسوله المسوخ جميعاً» مع ان المسوخ لم ترد في القران. ولا وردت في رواية عن النبي تفصيلاً بما في الكتاب، مع ذلك نسب تحريمها الى الله، قال: «وحرم الله ورسوله المسوخ جميعاً». فإذاً هذا ظاهر في أن المراد ب «المحرم» عندما يطلق ما قابل الحلية لا على ما كان على سبيل الفريضة.
وثالثاً: بالنسبة الى ما ذكره السيد «قده» بالنسبة الى الكراهة _حيث قال: بان الكراهة في النصوص ظاهرة في المبغوضية لا في الكراهة الاصطلاحية_ قد يقال: بان النصوص التي اسخدمت لفظ الكراهة بالكراهة بمعنى الحزازة لا بمعنى المبغوضية كثيرة جداً ومع هذه الكثرة لا يبقى ظهور للفظ الكراهة في المبغوضية فلا يرفع اليد عنها إلا بقرينة فلا حرمة له.
ورد عن ابي عبد الله : ان عليّاً كره الصور في البيوت. «باب3، من أبواب احكام المساكن، حديث 3».
عن أبي جعفر الباقر كان عليٌ يكره ادمان اللحم.
وعنه: ان عليا كره المسك ان يتطيب به الصائم.
وعنه: عن علي أنه كره أن يبيت الرجل في بيت ليس له باب ولا ستر.
ومن الروايات ايضا: رواية استشهد بها في باب التعارض وهي رواية الهيثمي: قلت: «يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول الله مما ليس في الكتاب وهو في السنة ثم يرد خلافه، فقال : كذلك قد نهى رسول الله ص عن اشياء نهي حرام فوافقه في ذلك نهي الله وامر بأشياء فصار ذلك الامر واجبا لازما كعدل فرائض الله فوافق امره امر الله ما جاء في النهي عن رسول الله نهي حرام ثم جاء خلافه «يعني جاء خلافه عنّا» لم يسعكم استعمال ذلك، «يعني لا تعملوا به» وكذلك فيما امر به _يعني امر به أمر لزوم_ لأنا لا نرخّص فيما لم يرخّص به رسول الله ولا نأمر بخلاف ما امر رسول الله الا لعلة خوف او ضرورة. فأما ان نستحل ما حرّم رسول الله أو نحرّم م استحل رسول الله فلا يكون ذلك ابداً لأنا تابعون لرسول الله وإن نهى رسول الله عن اشياء ليس نهي حرام بل اعافة وكراهة وامر باشياء ليس بامر فرض ولا واجب بل امر فضل ورجحان في الدين، ثم رخص في ذلك للمعلوم وغير المعلوم فما كان عن رسول الله نهي اعافة او نهي فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخص فيه وما كان في السنة نهي اعافة او كراهة ثم جاء الخبر على خلافة فذلك رخصة فيما عافه رسول الله وكره ولم يحرّمه فذلك الذي يسع الاخذ بهما جميعاً».
ومقتضى مثل هذا الحديث:
انه لو عبّر ب «كره رسول الله» او كره علي، فإنه لا ظهور له في المبغوضية. بحيث لا يرفع اليد عنه الا بقرينة خاصة.
فتلخص من ذلك: ان الجموع «الوجوه للجمع» التي ذكرت غير تامة، وبالتالي فالتعارض بين الطائفة الاولى والثانية مستقر. ويأتي علاج التعارض في اليوم التالي ان شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo