< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

وصل الكلام الى المطلب الرابع: وهو انه بناء على شمول المانعية لما حرم اكله حرمة عرضية كالموطوء والمرتضع من لبن الخنزيرة، فهل يشمل الحرمة العرضية المؤقتة القابلة للزوال نظير حرمة الحيوان الجلال فإن حرمته قابلة للزوال اذا استبرأ الحيوان من الجلل ام تختص المانعية بالحرمة الثابتة كحرمة الموطوء والمرتضع من لبن الخنزيرة فإنه حرمة ثابتة لا تزول بعد حصولها. وقد ذهب المحقق النائيني في رسالته في «اللباس المشكوك، ص96»: الى اختصاص المانعية بالحرمة الثابتة. سواء كانت حرمة ذاتية كحرمة السبع لكونه سبع، او حرمة عرضية كرحمة الحيوان الموطوء الا انهما من قبيل الحرمة الثابتة، ولا تشمل المانعية الحرمة القابلة للزوال كحرمة الحيوان الجلال.
وقال سيدنا «ص231، ج12 من الموسوعة» ولا نعرف له وجها «كلام المحقق النائيني» وان الضرر بفرض الضرر والاضطرار، فقال المحقق النائيني لو أن المكلف سيحرم عليه لحم الشاة لضرره باعتبار ان لحم الشاة مضر به، فهل نلتزم هنا بالمانعية أي ان الصلاة في.
الصحيح هو عدم الالتزام: لان حرمة الاكل حرمة قابلة للزوال فاذا ارتفع الضرر حل اكل لحم الشاة، فما دام حرمة قابلة للزوال لأنها تدور مدار الضرر اذن تصح الصلاة في جلد الشاة وان حرم اكلها في بعض الفروض، فهذه الحرمة ليست مانعة من صحة الصلاة. كما ان الحلية الموقتة ليست رافعة للمانعية، فمثلاً: الصلاة في جلد الثعلب فاسدة، فلو فرضنا انه حل اكل الثعلب لاجل الاضطرار لاكله، فهل الاضطرار لاجل الاضطرار الى اكله، فهل الاضطرار لاجل اكله يوما ما يوجب رفع المانعية فتصح الصلاة في جلده؟ طبعا لا تصح، لان هذه الحلية حلية قابلة للزوال، فالمدار في المانعية على الحرمة الثابتة والمدار في عدم المانعية على الحلية الثابتة فلا تثبت المانعية بحرمة قابلة للزوال ولا ترتفع المانعية بحلية قابلة للزوال، فلاجل ذلك النائيني يقول:
في محل كلامنا هذا الحيوان كالشاة مثلا اذا اصبح جلّالاً فحرك اكله لكونه جلالا يأكل عذرة الانسان. فان حرمة اكله لانها حرمة قابلة للزوال لا تكون مناطا للمانعية بل تصح الصلاة في جلد الشاة وان كانت جلالا.
السيد الخوئي يشكل عليه باشكالين:
الاشكال الاول: بانه اما ان تقول بان المانعية خاصة بالحرمة الذاتية ولا تشمل الحرمة العرضية من الاصل أي تختص المانعية بما حرم اكله لعنوان ذاتي ككونه سبعا مسوخاً، او تقول بان المانعية تشمل الحرمة العرضية.
فان قلت: باختصاص المانعية بالحرمة الناشئة عن عنوان ذاتي اذن لا تشمل المانعية جميع انواع الحرمة العرضية ثابتة او قابلة للزوال. وإما أن تقول: المانعية كما تشمل ما حرم لعنوان ذاتي تشمل ما حرم لعنوان عرضي، فلا فرق في العنوان العرضي بين ان يكون عنوانا ثابتا كالموطوئية او عنوانا قابلا للزوال كالجلال فأي فرق بينهما؟ لا نفهم وجها للفرق بينهما. اذ ما دامت الحرمة ناشئة عن وصف في الحيوان، فمقتضى ذلك عدم صحة الصلاة فيه سواء كان هذا الوصف ثابتا او قابلا للزوال.
الاشكال الثاني: ومن الغريب قياسه المسالة يعن الصلاة في الجلال بمسالة الضرر والاضطرار، فانت خبير بما بينهما من الفرق الواضح: ضرورة ان الضرر «يعني لوكان لحم الشاة مضرا» موجب للحرمة ليس في حق كل مكلف بل بخصوص من كان متضرراً، كما انه اذا حل لحم الثعلب لمن اضطر اليه فان هذه الحلية ليست عامة لكل مكلف بل خاصة بالمضطر، لذلك قلنا ان حرمة اكل لحم الشاة لأجل الضرر استثناء وحلية لحم الثعلب لاجل الاضرار استثناء، بينما حرمة الحيوان الجلال تثبت في حق جميع المكلفين فليس استثناء بل قاعدة، متى «ما كان الحيون جلالاً حرم اكله على الجميع»، فكيف يصح هذا المثال بهذا المثال؟!.
فلا يصح قياس حرمة اكل الشاة لاجل الضرر بحرمة اكل الشاة لاجل الجلالية، فان حرمة اكل الشاة حرمة اكل الشاة لأجل الضرر حرمة استثنائية ولذلك لا تعم كل المكلفين بينما حرمة اكل لحم الشاة لكونه جلالاً حكم كلي لانه عام لجميع المكلفين فكيف يقاس هذا بهذا.
لذلك قال: بان هذا الطالب لا يقتضي تبدلا الواقعي بالنسبة الى عامة المكلفين، بخلال الجلال، فان ذات لحم الجلال حرام على كل مكلف كلحم الاسد تماما، ويصدق عليه حقيقة «لحم الجلال» أنه مما حرم اكله في الشريعة المقدسة على عامة المكلفين كما حرم لحم السبع على عامة المكلفين، فالسبع والجلال كلاهما مما لا يؤكل لحمه في الشريعة المقدسة، وان اشتركا في أن هذه الحرمة قابلة للزوال وتلك غير قابلة للزوال. فقياس احدهما بالأخرى قياس مع الفارق كما هو ظاهر.
النقض «ص232» يقول: وببالي أنه «قده» «أي المحقق النائيني» حكم بنجاسة بول الجلال، اخذاً باطلاق قوله في موثقة عبد الله بن سنان «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه». اعتبر الجلال مصداق لما لا يؤكل لحمه، فاذا كان الجلال من حيث النجاسة مصداق لما لا يؤكل لحمه فبوله نجس، لكن من حيث عدم صحة الصلاة ليس مصداق لما لا يؤكل لحمه فان العنوان هو العنوان، فإن العنوان الوارد في روايات النجاسة هو عنوان ما لا يؤكل لحمه ليس عندنا رواية خاصة في الجلال «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» والعنوان الوارد في صحة الصلاة وفسادها هو نفس العنوان: «ان الصلاة في كل شيء حرام اكله فالصلاة في شعره ووبره..... الخ، ثم قال: فإن كان مما لا يؤكل لحمه فالصلاة فيه فاسدة، وان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة فيه صحيحة اذا ذكاه الذابح». إذن العنوان الموضوع للمانعية هو عنوان ما لا يؤكل لحمه فاما ان يشمل الجلال ففي كلا الموردين، وأما لا يشمل ففي كلا الموردين، فما معنى الحكم بنجاسة بول الجلال لكن تصح الصلاة فيه.
ولم اجد مخالفا «بحسب مراجعة العروة وتعليقاتها» جميع المعلقين على العروة التزموا بنجاسة بول الجلال لانه من مصاديق ما لا يؤكل لحمه حتى السيد الاستاذ «دام ظله» الذي بصحة الصلاة في جلد الجلال
يقول بنجاسة بول الجلال.
ولكن اذا رجعنا لكلام المحقق النائيني «قده» لا في رسالته في اللباس المشكوك بل في تقرير «كتاب الصلاة، ج1، ص154» للآملي، نجد ان المحقق النائيني استدل المحقق النائيني بوجهين لعدم شمول المانعية لجلد الجلال يعني لما يحرم اكله حرمة قابلة للزوال، استدل على ذلك بوجهين:
الوجه الاول: «ص154» يبتني على مقدمتين كبروية وصغروية:
المقدمة الكبروية: مقتضى المقابلة بين ما يؤكل وما لا يؤكل ظهور عنوان ما لا يؤكل في الحرمة المؤبدة.
يعني هذا ما لا يؤكل مؤبداً، هذا معنى مقتضى الاطلاق، فكما ان مقتضى الاطلاق فيما يؤكل انه مما يؤكل مؤبداً فكذلك مقتضى الاطلاق في مقابله عندما يقال هذا مما لا يؤكل يعني مما لا يؤكل مؤبداً، فمقتضى قرينة المقابلة بعد المفروغية عن الاطلاق هو ان موضوع المانعية الحرمة المؤبدة التي لا تقبل الزوال.
المقدمة الصغروية: فمن الواضح ان ما لا يؤكل ينطبق على الموطوء لا حرمته مؤبدة والشاهد على ان حرمته مؤبدة سريانه لنسله فلو كان الموطوء انثى وولدت كما حرمت الأم حرمت بنتها مع ان الموطوء ليست البنت وانما الموطوء امها مما يكشف عن ان الحرمة في الموطوء مؤبدة ومستمرة، بخلاف الجلال فان حرمتها لا تسري الى اولاده. فعنوان «ما لا يؤكل» ينطبق على الموطوء والمرتضع من لبن الخنزيرة ولا ينطبق على مثل الجلال.
النائيني يقول: انا استظهر «ما لا يؤكل» يعني المؤبد، فلا نعرف له وجها، اما ان تقول باختصاص المانعية بالحرمة الذاتية او تقول بشمول المانعية للحرمة العرضية، اذا قلت بشمول المانعية للحرمة العرضية شملت ما كان مؤبد وما ليس مؤبد.
مثلا: ﴿ُ أحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أن الحلية حلية مستمرة، وعندما قال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ ظاهر الاطلاق الحرمة المستمرة. أيضاً عندما يقول في موثق ابن بكير «لا تصلي فيما لا يؤكل» يعني ما لا يؤكل لحمه حرمة مستمرة فلا يشمل ما لا يؤكل لحرمة مؤقتة.
فتمسك السيد الخوئي بالاطلاق لإثبات الشمول للحرمة القابلة للزوال غير فني، لان الرواية ليست في مقام البيان. فستصبح النتيجة مع المحقق النائيني لانه يقول القدر المتيقن نقتصر عليه والباقي ننفيه بأصالة البراءة عن المانعية. واما ان يتدعى الى العرضي لعدم قصور الاطلاق كما هو الصحيح ومقتضاه ان لا فرق بين ما لم يقبل الزوال وما قبله، يتمسك بالاطلاق السيد الخوئي.
«فاذا انقلاب الحيوان الذي يحل اكله وصار محرما الى الابد تكون اجزائه مانعة كما هو شأن الموطوءة وشارب لبن الخنزيرة حيث انهما ينقلبان بالوطء وشرب اللبن عما كانا عليه من الحلية ويدخلان فيما يحرم اكله بعدما كانا محللين وبهذا تسري حرمة الاكل الى نسيهما الى الابد ولهذا...».
في بحث الاصول قالوا: بانه اذا اطلق لفظ الوجوب هل يطلق على جميع انواع الوجوب او انه يشمل الوجوب العيني التعييني النفسي؟ ينصرف مع انه طلاق. فاذا قال: غسل الجنابة واجب، يقال واجب ينصرف الى الوجوب النفسي العيني التعييني، مع انه فرد، صحيح انه اطلاق لكن حيث ان الافراد الاخرى تحتاج الى مؤونة بينما هذا الفرد هو مقتضى طبع الوجوب، مقتضى طبع الوجوب ان يجب لنفسهن مقتضى طبع الوجوب ان لا يسقط بعمل الغير، مقتضى طبع الوجوب ان لا يكون له عدل، فبما ان هذا الفرد وهو الوجوب النفسي العيني التعييني فلا يحتاج بيانه الى مؤونة بينهما الافراد الاخرى يحتاج بيناها الى مؤونة كان مقتضى اطلاق الوجوب الفرد المعين، هنا المحقق النائيني يقول عندي اطلاق «ما لا يؤكل لحمه» إذا اريد به الحرمة المؤبدة لا احتاج الى مؤونة لان طبع الحرمة تستمر، اما لو كنت اريد فردا اخر وهو الحرمة القابلة للزوال لاحتجت الى مؤونة.
فمتى ما كان للمطلق فردان فرد يحتاج بيانه الى مؤنة لانه خلاف الطبع وفرد لا يحتاج بيانه الى مؤنة لانه وفق الطبع انصرف المطلق الى الفرد الذي لا يحتاج بيانه الى مؤنة كما قلنا بانصراف الوجوب عند اطلاقه الى الوجوب النفسي العيني التعييني فكذا في المقام ينصرف «ما لا يؤكل» الى ما لا يؤكل لحمه مؤبدا.
الوجه الثاني: قال: لو اغمضنا النظر عن كل هذا الكلام، عندنا وجه يختص بالجلال، وهو مؤلف من مقدمتين:
المقدمة الاولى: ظاهر سياق الموثق «ابن بكير» ان مناط المانعية ما حرم اكله لوصف عارض على الحيوان لما هو حيوان لذلك قلنا لا تشمل صحة الصلاة الصلاة في الموطوء لان الموطوئية وصف للحيوان بما هو حيوان لا يقال للنبات موطوء. واما لو حرم الحيوان لا لوصف في الحيوان بما هو حيوان كما لو حرم الحيوان لانه مغصوب، او حرم الحيوان لانه مضر، فان هذا لا يدخل تحت المانعية المذكورة في الموثق، لان الحرمة هنا الثابتة للحيوان لا لوصف في حيوانيته بل وصف عام ككونه مغصوبا او مضرا.
الصغرى: ظاهر روايات حرمة اكل الجلال بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع لقذارته، يعني حيث ان الشارع حرم لحم الجلال لقذارته حيث يتغذى على عذرة الإنسان، فاذا كان مناط حرمته قذارته والقذارة ليست وصفا للحيوان بما هو حيوان بل حتى النبات القذر حتى الحبوب القذر مما يأباه الانسان فكذلك الجلال، إذن بالنتيجة: ما دام ظاهر سياق ادلة تحريم الجلال بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع ان المناط في حرمة الجلال قذارته والقذارة ليست وصفا للحيوان بما هو حيوان لم تشمله الموثقة لان ظاهر سياقها ان المانع من صحة الصلاة ما كان حراما لحرمة ناشئة عن وصف للحيوان بما هو حيوان.
ثم تعرض لتنبيهين: ومقتضى ما ذكرناه في تقريب كلام المحقق النائيني «قده» عدم احراز شمول المانعية في الموثقة للحرمة القابلة للزوال على فرض شمولها للحرمة العرضية.
التنبيه الاول: هل الاوصاف الموجودة على ظهر الموطوءة قبل صيرورتها موطوءة ملحقة بالاجزاء الحادثة؟ صوف موجود على الموطوء من قبل ان يكون موطوء والان صار موطوء هل تجوز الصلاة في هذا الصوف ام لا؟.
قال: وجهان، الظاهر من المحقق القمي في بعض اجوبته هو الثاني، «يعني تصح الصلاة فيه» ولكن الأقوى هو الاول «لا تصح الصلاة فيه» لصدق كون هذا الصوف من اجزاء ما يحرم اكله وان كان من الاول موجود، ولكن الان فعلا يصد عليه انه من اجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا يوجب عدم حلول الحياة فيه عدم صدق الاسم عليه بعد كونه من اجزائه عرفا، «عرفا يقال هذا من اجزاء ما لا يؤكل لحمه».
التنبيه الثاني: ما كان محرما بالنذر او بالحلف، لو حلف ان لا يؤكل لحم الشاة او نذر ان لا يؤكل لحم الشاة الا ان ينهي اربعين يوما في «مسجد السهلة». فلو نذر ترك لحم الشاة او حلف على الترك فهل لا يصح له الصلاة؟ لان لحم الشاة مما يحرم اكله بالنذر او الحلف ام لا؟.
قال: ان مقتضى القاعدة عدم مانعية ما كان محرما اكله لكونه محلوفاً على تركه او منذوراً، لظهور الرواية في ان المناط في المنع ما حرمه الشارع لا ما حرمه المكلف على نفسه بنذر او حلف، هذا هو ظاهر عنوان «حرام أكله» حرام اكله من قبل الشارع ابتداء لا حرام اكله بمعنى ما حرمه المكلف على نفسه.
ندخل غدا في الصلاة في الثوب المشكوك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo