< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

36/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

كان البحث: في أنّ ما ذكره المحقق النائيني «قده» من دليل الانحلال وهو: أنّ العلم الاجمالي: متقومٌ بركنين:
الركن الأول: العلم بالجامع. الركن الثاني: كون الجامع المعلوم بحده الجامعي.
وذكر: أنّه بعد العلم التفصيلي بأحد الفردين ينهدم الركن الثاني للعلم الاجمالي فينحل.
وقد أورد عليه المحقق العراقي «قده»: بأن الركن الثاني وهو: احتمال انطباق الجامع على كل من الطرفين على سبيل البدل ما زال باقياً. فالانحلال منتفٍ.
وقد يُشكل على كلام المحقق العراقي:
بأن يقال: إنّ العلم الإجمالي له لازمٌ. ولازمه: أن يبقى في مقام الصدق على نحو القضية المنفصلة، ومؤداها: إن كان باء هو المعلوم بالاجمال، فليس ألف. مثلاً: إذا علم المكلف بنجاسة احد الإناءين فمرجع ذلك الى قضية منفصلة، وهي: إن كان النجس إناء باء فألف ليس هو النجس. ومن الواضح: أنه إذا زال اللازم زال الملزوم. وهذا اللازم يزول بعد العلم التفصيلي لأحد الفردين. فإذا علم المكلف تفصيلاً أنّ باء نجس: إذا فالقضية المنفصلة قد زالت، إذ لا وجه لأن يقال: إن كان ألف هو النجس فليس باء نجساً. فإن باء نجس قطعا. للعلم التفصيلي بنجاسته. فالتردد بين الطرفين قد زال.
وبالتالي: فقد انهدم الركن الثاني للعلم الإجمالي ومقتضى انهدامه: انحلاله.
ولكن، الصحيح: أنّ المحقق العراقي «قده» يقول:
ليس محل بحثنا في العلم الإجمالي بالمعنى اللغوي. كالعلم بوجود إنسان لا نستطيع تمييزه، أو العلم بوجود نجاسة، بل العلم الإجمالي بحسب المصطلح الأصولي وهو: العلم بالجامع بالإضافة الى دائرة معينة. اي العلم بالنجاسة بين هذين الإناءين لا العلم بالنجاسة.
فإذا كان محط البحث العلم الإجمالي بلحاظ دائرة معينة لا محالة يكون مساوقاً لقضية منفصلة. وهي: أن المعلوم بالإجمال هل هو الف أو باء. ومقتضى ذلك ايضاً: أن يكون المعلوم بالإجمال واحداً بحسب الواقع. قد يكون واحد بحسب الجنس أو متعددا، لكنه لابد أن يكون بحسب الوجود الخارجي واحداً. مثلاً:
إذا علم إجمالاً بأنه: إما يجب الصوم أو يحرم. فالمعلوم بالإجمال وإن لم يكن واحداً بحسب الجنس لأنه مردد بين الوجود والحرمة، لكنه بحسب عالم الوجود واحد، اي ليس هناك حكمان بل حكم واحد، وهو اما الوجوب أو الحرمة. فمقتضى كون المعلوم بالاجمال قضية منفصلة ان يكون المعلوم واحداً بحسب الوجود. لأنه لو كان المعلوم من حيث هو معلوم محتملاً للتعدد لم تكن هناك قضية منفصلة، فإذا علم بنجاسة احد الإناءين على نحو يحتمل ان يكون كلاهما نجسا، فليس هناك قضية منفصلة وهي: ان النجس اما اناء الف أو اناء باء. فمقتضى رجوع العلم الاجمالي لقضية منفصلة ان يكون المعلوم بالاجمال من حيث هو معلوم واحداً بالوجود. نعم، قد يقترن العلم باحتمال التعدد لكن لا من حيث هو معلوم، فالمعلوم نجس واحد، اما احتمال كونه اكثر أم لا؟ فهذا مقترن مع العلم، والا فما هو المعلوم واحد من حيث هو معلوم.
والكلام عن المعلوم بالاجمال من حيث هو معلوم لا من حيث الواقع، إذ قد يكو ن الواقع كلاهما نجس.
لكن ما نبحث عنه في الاصول من حيث المنجزية، ومن حيث الانحلال الحقيقي والحكمي: ما يرجع الى قضية منفصلة، وما يرجع الى قضية منفصلة لابد ان يكون واحداً بحسب الوجود. وبالتالي: فإذا علم بنجاسة احد الإناءين، ثم علم تفصيلاً: بنجاسة إناء باء، فهل أن القضية المنفصلة زالت أم لم تزل؟. فالمحقق العراقي «قده»: يرى انها لم تزل، لأن مجرد العلم التفصيلي بنجاسة باء لا يعني انها هي النجاسة المعلومة اجمالاً، فذلك النجس الواحد الذي علمنا به إجمالاً هل هو منطبق على هذه النجاسة المعلومة بالتفصيل؟ أم غيرها؟.
إذاً ما زلنا نقول: إن كان باء هو ذاك النجس المعلوم بالاجمال فليس هو الف وان كان الف معلوماً النجاسة تفصيلاً.
فالنتيجة: عدم تمامية ما ذكره المحقق النائيني «قده» من دليل الانحلال.
الدليل الثالث: لإثبات الانحلال: ما أشار اليه المحقق العراقي في «نهاية الافكار» وناقشه: ومحصّله:
أنّ المعلوم بالاجمال هو الجامع لا بشرط. حيث علمنا بنجاسة احد الإناءين، والنجاسة المعلومة لا بشرط من حيث خصوصية إناء ألف أو خصوصية إناء باء، والمعلوم بالتفصيل: النجاسة بشرط شيء - الجامع بشرط شيء - اي نجاسة اناء باء بقطرة دم مثلا، فلو لم ينطبق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل لزم اجتماع المثلين في الجامع. حيث إنّ هذا الجامع معلومٌ بالإجمال ومعلومٌ بالتفصيل. فيكون مجمعاً للعلمين، واجتمال المثلين مستحيل. إذاً فمقتضى استحالة اجتماع المثلين: انحلال العلم الاجمالي اي زوال العلم الاجمالي مع وجود العلم التفصيلي.
وهنا وجوه ثلاثة للجواب:
الوجه الاول: ما افاده المحقق العراقي «قده» بتقريب منّا:
وهو: هل أن مجمع المثلين المعلوم بالعرض اي الجامع بوجوده الخارجي أم ان مجمع المثلين المعلوم بالذات اي الجامع بما هو معلوم.؟
فإن كان المقصود هو الاول: أي أنّ الجامع الموجود خارجا اصبح معلوما بعلمين، فمن الواضح ان هذا المسلك باطل، إذ لا يعقل سراية العلم في الخارج، فإن ما هو محطّ العلم: الصور الذهنية لا الخارج على نحو ما به يُنظر، لا على نحو ما فيه ينظر، إذ ليست الصورة معلومة من حيث هي صورة، بل من حيث هل وجه ومرآة للواقع. فالمعلوم: الصورة على نحو ما به ينظر، وهذا لا يوجب سراية العلم من الصورة الى الخارج بل يقف العلم على الصورة.
إذاً: فيلس هناك في الخارج ما يكون مجمعا للعلمين كي يلزم اجتماع المثلين.
وأن كان المقصود: الجامع المعلوم بالذات: اي صورة الجامع. فقد أفيد في «الحكمة»: أنّ العلم عين المعلوم بالذات وليس شيئا اخر، فلا يوجد في الذهن صورة ومتصور، بل الصورة هي المتصور وليس شيئا اخر. فلا يوجد في أفق النفس غير الصورة، إذاً فبما أنّ العلم هو عين المعلوم بالذات فمقتضى تعدد العلم تعدد المعلوم بالذات. ولأجل ذلك: قد يكون المعلوم بالعرض محلا للضدين باعتبار تعدد الصور الذهنية. فأنا قد اقطع بوجود ابن زيد في الدار واشك في وجود بكر في الدار مع ان ابن زيد هو بكر نفسه. فهذا الموجود الخارجي بصورة مقطوع به وبصورة مشكوك فيه. وإنما أصبح مجمعا للضدين: العلم والشك، لأن محطّ العلم هو الصور لا الخارج، ولأنّ المعلوم بالذات عين العلم فتعدد الصورة يعني تعدد المعلوم بالذات، فهناك مقطوع، وهناك مشكوك.
فلأجل ذلك يقال: أنّ العلم بالجامع على نحو اللا بشرط صورة، والعلم بالجامع بشرط شيء صورة أخرى، ومقتضى تعدد الصور: أن لا يوجد مجمع للعلمين، كي يلزم اجتماع المثلين. فمحذور اجتماع المثلين أصلاً منتفٍ بانتفاء موضوعه. وهو جواب متين.
الجواب الثاني: ما ذكره السيد الشهيد «قده»، في «البحوث»: س
أنّ المعلوم بالعلم الاجمالي غير المعلوم بالعلم التفصيي بلحاظ أن المعلوم بالعلم الاجمالي الجامع بشرط لا، والمعلوم بالعلم التفصيلي الجامع بشرط شيء. ولذلك هما متغايران مع غمض النظر عن المباني الفلسفية التي ذكرناها في جواب المحقق العراقي.
لاس ان هذا الجامع بوجوده الذهني مجمع للضدين فيتصف بالكلية تارة وبالجزئية اخرى، فمن علم بوجود انسان، وهذا الجامع وهو الانسان لم تنضم اليه إشارة لموجود معين بل علم بوجود الانسان، فالمعلوم هو: ألجامع المتصف بالكلية لانه قابل للصدق على كثيرين. بينما: إذا كان المعلوم بالجامع بضميمة اشارة، اي إشارة الى تحقق هذا الجامع ضمن فرد معين، فنفس هذه الجامع ببركة ضميمة الاشارة يتصف بالجزئية لانه لا يقبل الصدق على كثيرين، فالجامع المعلوم تارة: يتصف بالكلية، واخرى: بالجزئية، وهذا شاهد على ان المعلوم: تارة: الجامع بشرط لا عن الخصوصية. لذلك اتصف بالكلية. والجامع بشرط الخصوصية لذلك اتصف بالجزئية. فمع تغاير المعلومين كيف يدعى ان الجامع مجمع للمثلين؟!.
ولكن الجواب محل تأمل: فهناك فرق بين الجامع على نحو اللا بشرط وبين الجامع على نحو البشر لا. فالجامع: انما يتصف بكونه على نحو بشرط لا إذا اتصف بخصوصية مغايرة للخصوصية المعلومة تفصيلاً، كما لو علم اجمالا بنجاسة بقطرة بول وعلم تفصيلا بنجاسة بقطرة دم، فهنا إذا كان الجامع ذا خصوصية مغايرة للخصوصية في الفرد صح ان يقال: ان الجامع بشرط لا، والفرد الجامع بشرط شيء فكيف ينطبق احدهما على الاخر، ولكن هذا ليس محل البحث إذ لا كلام في عدم الانحلال في هذا الفرض من اي احد.
وأمّا الجامع في اللا بشرط: فهو نجاسة أحد الإناءين مثلاً لا بشرط من حيث الخصوصية التي علمنا بها تفصيلاً وعدهما. فهو قابل للانطباق عليها وعلى غيرها. لذلك ورد البحث في الانحلال وعدمه.
إذاً فما هو محل البحث غير ما فرضه السيد «قده». ولذلك لابد من التوسل لوجه آخر من الجواب، كما يأتي عنه إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo