< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

36/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ما زال الكلام: في انحلال العلم الوجداني الاجمالي حقيقة بالعلم التفصيلي. ووصلنا الى ما رآه السيد الشهيد «قده» وذكرنا ان في كلامه ملاحظات.
الملاحظة الثانية: ملاحظة فنية، حيث إن في تقرير البحوث «ص240، ج5»: ذكر: أن محل الكلام ما إذا لم يكن للمعلوم بالاجمال علامة فارقة ولا خصوصية غير محرزة الانطباق على المعلوم بالتفصيل. وذلك إنما يكون عادة إذا كان سبب العلم برهانا عقلياً أو استقراءً نسبته الى كلا الطرفين على حدٍّ سواء. ومقصود بقوله: وذلك إذا كان سببه عادة. مقابل: ما إذا كان السبب نقلاً لكنه كان منصبا على الجامع، كما لو أخبر المعصوم بموت أحد رجلين من قبيلة فلان. أو كان سبب العلم حسّاً لكنه أيضاً كان منصباً على الجامع، كما إذا علم بوقوع قطرة ولكن لا يدري هل انقسمت نصفين فوقعت في الاناءين أم لم تنقسم فهي في إناء منهما؟. وظاهر كلامه: ان البحث في الانحلال وعدمه، فيما إذا كان المعلوم بالاجمال هو الجامع الخالي عن الخصوصية.
ولكنه في «ص245» أفاد: بأنه ينتهي البحث الى النقطة المركزية، وهي: هل أن للمعلوم بالاجمال حد وخصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل أم لا؟.
فإن كانت له الخصوصية لا انحلال، وإن لم تكن له الخصوصية فهنا انحلال. وذكر في «ص247»: والتحقيق أنّ سبب العلم الإجمالي تارة يكون متساوي النسبة لكل من الطرفين، وتارة لا يكون كذلك. فإن كان الاول: فهناك انحلال، وإلا فلا.
فمقتضى هذه الصياغة: هو أن ما ذكره تفصيلا ليس تفصيلاً، لأنه من الأول فرِغ عن أن محل البحث في الانحلال وعدمه ما إذا لم يكن للمعلوم خصوصية. فكيف يجعل في محل البحث تفصيل بين ذي الخصوصية وعدمه؟.
ولعل الصياغة فيها مشكلة.
الملاحظة الثالثة: وتقتضي ان نستعرض ما هو المختار في مسألة الانحلال. فهنا أمور:
الأمر الأول: لا كلام في ما إذا كان المعلوم بالتفصيل معينا للمعلوم بالاجمال للقطع بالانحلال. كما لا كلام فيما إذا المعلوم بالاجمال ذا خصوصية لا تنطبق جزما على المعلوم بالتفصيل. كما لو علم بنجاسة احد الإناءين وعلم تفصيلا بغصبية الاناء الابيض فانه لا كلام في عدم الانحلال. فمحل الكلام فيما سوى هاتين الصورتين.
الامر الثاني: إن مورد الانحلال ما إذا كان المعلوم بالتفصيل مقارنا زمنا للمعلوم بالإجمال، وإن كان العلم بالتفصيل متأخراً. فالمدار على المعلوم لا على العلم، فمثلاً: إذا علم اجمالاً بنجاسة احد الإناءين يوم السبت، وعلم يوم الخميس بنجاسة الإناء الابيض منذ يوم السبت فهذا هو مورد الانحلال، حيث ان المعلوم بالتفصيل مقابل للمعلوم بالاجمال وان كان العلم متأخراً.
اما لو علم يوم الخميس بنجاسة الإناء الابيض يوم الخميس، فهنا: لا اشكال في عدم الانحلال، إذ المفروض مغادرة ما هو المعلوم بالإجمال مع ما هو المعلوم بالتفصيل، بل يكفي في ذلك احتمال المغايرة بينهما.
الامر الثالث: أنّ المعلوم بالإجمال تارة يكون له خصوصية، وتارة لايكون له خصوصية.
فإن كانت له خصوصية: فالخصوصية التي هي محل البحث هي الخصوصية للمعلوم في رتبة سابقة على العلم، وذلك: لأنّ الخصوصية إما لاحقة رتبة وهي الخصوصية المنتزعة عن العلم الاجمالي، كون النجاسة معلومة بالاجمال، فان كون النجاسة معلومة بالاجمال خصوصية لاحقة للعلم الاجمالي.
وقد تكون الخصوصية مقارنة رتبة للعلم الاجمالي سواء كانت خصوصية وجودية أو خصوصية ماهوية. مثلاً: الخصوصية الوجودية هي العلم بأن هذا الجامع مفروغ عن واقعيته وحصوله، وهذه الخصوصية مقارنة رتبة للعلم الاجمالي لان العلم الاجمالي من سنخ العلم التصديقي وليس من سنخ العلم التصوري، إذ العلم الإجمالي اذعان بواقعية جامع، إذا فالمفروغية عن الواقعية خصوصية مقارنة، أو كانت خصوصية ماهوية: وهي أنه: متى كان سبب حدوث العلم الإجمالي غير سبب حدوث العلم التفصيلي فلا محالة يكون المعلوم بالاجمال متصفا بأن صدقه لا بشرط من حيث صدق المعلوم بالتفصيل وعدمه لاختلاف السبب. وهذه الخصوصية مقارنة للعلم الاجمالي مع اختلاف السبب. فلا اشكال في أن الخصوصية اللاحقة أو الخصوصية المقارنة لا دخل لها في الانحلال وعدمه، بلحاظ أن الخصوصية التي يكون لها دخل في الانحلال وعدمه ما كانت خصوصية بنفس المعلوم في رتبة سابقة على العلم. لأن نكتة الانحلال هي انكشاف الخصوصية، حيث إنّ الخصوصية تارة: تعلم مبهمة. وأخرى: تعلم مفصّلة. فهنا يقال: إن لم تكن خصوصية أو كانت ثم انكشفت تفصيلاً فهناك انحلال. فنكتة الانحلال هي الانكشاف، وهذا إنما يتصور في الخصوصية السابقة رتبة على العلم وإلا فالخصوصية اللاحقة أو المقارنة لا ربط لها في الانكشاف وعدمه.
الأمر الرابع: إن الخصوصية السابقة رتبة، لا محالة ناشئة عن سبب العلم الإجمالي، فمن أجل معرفة أن للمعلوم خصوصية مانعة من الانحلال وعدمه لابد من ملاحظة سبب العلم الاجمالي، لان الخصوصية ناشئة منه. فإن كان سبب العلم الإجمالي متساوي النسبة لكلا الطرفين، فلا محالة لم ينتج إلا العلم بالمفروغية عن وجود الجامع من حيث هو جامع. بحيث يكون المشار اليه بالعلم الإجمالي وجود الجامع لا اكثر، وإن كان سبب العلم الإجمالي منحازاً لأحد الطرفين، كان مانعا من الانحلال إذا كانت الإشارة المتولدة عنه إشارة الى الفرد لا إلى الجامع. فالفاصل بين الانحلال وعدمه ليس ما يظهر من عبارة تقرير البحوث من انه: ان لم تكن خصوصية وقع الانحلال وان كانت خصوصية لم يقع، بل أن الفارق بين الانحلال وعدمه: أن الاشارة المتولدة عن سبب العلم الإجمالي هل هي إشارة لجامع فرغ عن وجوده أو اشارة لفرد فرغ عن وجوده؟.
وأما لو كان سبب العلم الإجمالي مولدا لخصوصية لكنها لم تتضمن الاشارة الى فرد، فلا يجدي ذلك في منع الانحلال، فالمدار على الاشارة المقترنة بالعلم الإجمالي.
الأمر الخامس: إنّ الخصوصية الثابتة للمعلوم في رتبة سابقة: تارة: تكون قابلة لخطاب شرعي مستقل، وتارة: لا تكون كذلك. وبيان هذا المطلب، بأني يقال:
تارة: لا تكون الخصوصية ذات اثر شرعي البته، كما إذا علم بنجاسة إناء زيد، ولكن لا يعرف ما هو اناء زيد، ثم علم تفصيلا بنجاسة الاناء الابيض، فالخصوصية المجهول وهي: أن النجس اناء زيد ليست موضوعة لاثر شرعي.
او كانت الخصوصية: ذات اثر شرعي لكن لا في المعلوم في الاجمال بل في مورد آخر، كما إذا علم اجمالاً بوقوع قطرة بول في أحد العصيرين، ثم علم تفصيلاً بوقوع قطرة دم في عصير الرمان، فهنا: وان كان للبول أثر شرعي في الموارد الاخرى ككيفية التطهير تختلف عن محل الدم، ولكن في محل الكلام وهو حرمة الشرب لا فرق في ذلك، فليس المعلوم بالاجمال قابلا لخطاب شرعي مستقل في مورد المعلوم بالاجمال، ففي مثل هذه الموارد يحصل انحلال حقيقي بلحاظ ما في العهدة وان لم يحصل انحلال لذات العلم الاجمالي باعتبار ان الخصوصية وان لم يكن لها اثر شرعي الا انها يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل، وبعبارتنا ان الاشارة للفرد ما زالت باقية حتى بعد العلم التفصيلي، فلأجل ذلك نقول: بما أن المهم لدى المرتكز العقلائي أو المتشرعي: الخطاب القابل للتنجز، فهو الخطاب ذو الاثر فالخطاب القابل للتنجز هو «اجتنب» سواء كان اناء زيد أو اناء بكر، سواء كانت القطرة بول أو دم. فما دخل في العهدة هو «اجتنب» وحيث إنّ «اجتنب» علم تفصيلا في هذا الاناء، فمن حيث عالم العهدة يكون وجود خطاب آخر في الطرف الثاني مشكوكاً. نعم، لو كانت الخصوصية قابلة لخطاب مستقل كما إذا علم بوجود نجاسة في أحد الإناءين ثم علم تفصيلا بغصبية الاناء الازرق، فإن هنا خطابين: خطاب اجتنب النجس وخطاب اجتنب المغصوب، ولكل منهما أثر، ففي مثل هذا الفرض لا يقع انحلال حتى بحسب عالم العهدة. إذا مسالة انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي وجدانا بحسب عالم العهدة ينبغي ذكرها في البين كتفصيل من التفصيلات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo