< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ما زال الكلام في عرض كلمات سيدنا «قده» في «مصباح الاصول» وقد ذكرنا انه افاد للعلم الاجمالي من حيث الملاقاة عدة صور:
الصورة الاولى: ان تكون الملاقاة والعلم بها متأخرة زمانا عن العلم بالنجاسة وقد اختار في هذه الصورة عدم منجزية العلم الاجمالي في الملاقي.
الصورة الثانية: ان تكون الملاقاة متحدة زمانا مع العلم بالنجاسة، وقد اختار في هذه الصورة المنجزية وسبق الكلام في ذلك.
الصورة الثالثة «ص385» بعنوان الصورة الثانية: أن يكون زمان النجاسة سابقا على زمان الملاقاة وإن كان العلم بالملاقاة والعلم بالنجاسة متعاصرين. مثلا نحن في يوم الاثنين علمنا بهذا اليوم بنجاسة الماء الابيض او الماء الازرق منذ يوم السبت، فزمان النجاسة هو يوم السبت، وعلمنا بملاقاة الثوب للماء الابيض منذ يوم الاحد، فمن حيث المعلوم زمان النجاسة متقدم على زمان الملاقاة، ولكن من حيث العلم هما متعاصران حيث علمنا اليوم بنجاسة الابيض او الازرق يوم السبت وعلمنا اليوم بملاقاة الثوب للماء الابيض يوم الاحد.
يقول: وقد ذكرنا في الدورة السابقة «الدراسات»: أنه لا يجب الاجتناب عن الملاقي في هذا الفرض، بخلاف الفرض السابق وهو ما اذا اتحدت الملاقاة مع العلم بالنجاسة زماناً، والسر في ذلك: انه في الصورة السابقة وهي ما اذا رأينا الثوب في الماء ثم علمنا إما بنجاسة هذا الماء الذي فيه الثوب او نجاسة غيره فهنا في هذه الصورة حيث لم يتخلل زمان بين الملاقاة وبين العلم بالنجاسة يعني اما بنجاسة الماء الذي فيه الثوب او بنجاسة الماء الاخر، حيث لم يتخلل زمان بينهما قلنا بان هناك علما واحدا في الحقيقة وهو العلم بنجاسة الماء الاخر او نجاسة هذا الماء وملاقيه، فكان ذلك العلم الواحد منجزا، واما في هذه الصورة التي ذكرنا انه في يوم الاثنين علمنا بنجاسة الابيض او الازرق منذ يوم السبت وملاقاة الثوب للماء الابيض منذ يوم الاحد فهناك زمان بين يوم السبت وبين يوم الاحد تخلل بين واقع النجاسة وبين واقع الملاقاة فلاجل ذلك نقول: لا يتنجز العلم الاجمالي في الملاقي، لأن العلم الاجمالي بنجاسة الابيض او الازرق منذ يوم السبت تنجز وتعارضت الاصول في الطرفين فبعد ان تنجز احد الطرفين وهو الماء الازرق مثلا بهذا العلم لم يتنجز بالعلم الاخر وهو العلم اما بنجاسة الثوب ان كان النجس هو الابيض او نجاسة الازرق، فتجري اصالة الطهارة في الثوب بلا معارض. يقول هذا ما ذكرناه في الدراسات. ثم قال في «ج47، الموسوعة، ص486»: ولكن الظاهر عدم الفرق بين الصورتين «يعني في المنجزية انه يجب الاجتناب عن الملاقي في كلتا الصورتين» لان المدار في المنجزية ليس على الوجود الواقعي للمعلوم، بل المدار في المنجزية على العلم، فإن المنجزية من آثار العلم، فاذا كان المنجزية من اثار العلم فالمدار على نفس العلم لا على الوجود الواقعي للمعلوم، فلنفترض ان الوجود الواقعي للنجاسة سابق زمانا عن الوجود الواقعي للملاقاة، الا ان العلم بهما قد تعاصرا، لان نحن علمنا الآن بنجاسة الابيض او الازرق منذ يوم السبت، وعلمنا الآن بملاقاة الثوب لأحدهما، فحيث إنه ليس بين العلمين تفاوت زماني وان كان بين المعلومين تفاوت زماني لاجل ذلك نقول يوجد عندنا اليوم علم واحد وهو اما نجاسة الازرق او نجاسة الابيض وملاقيه.
ثم قال: وبعبارة اخرى: لا بد من جريان الاصل من الشك الفعلي، فان موضوع الاصل الشك الفعلي، فاذا لم يكن شك فعلي ولكن كان اصل تقديري فالاصل لا يجري. كما انه لابد في المنجزية من العلم الفعلي فما لم يكن علم فعلي فلا منجزية وان كان هناك علم شأني تقديري، وبناء على ذلك صحيح حدثت النجاسة يوم السبت صحيح حدثت الملاقاة يوم الاحد فهناك علم شأني منذ يوم السبت وهناك شك شأني منذ يوم الاحد ولكن كل هذا لا عبره له فلا مجال لجريان الاصول ولا لتساقطها قبل حصول العلم الاجمالي لانه قبل حصول العلم الاجمالي حصل غفلة وانما حصل الشك اليوم لحصول العلم الاجمالي فقبل العلم الاجمالي لا شك وبما انه لا شك اذن موضوع الاصول غير موجود وبعد حصول العلم الاجمالي تعارضت الاصول في زمان واحد، فالنتيجة هي: ان الملاقي متنجز بهذا العلم ولا يجري الاصل فيه بلا معارض.
الصورة الرابعة: «ص487» وعبر عنها بالمسالة الثالثة: ما اذا كان العلم بعد الملاقاة قبل العلم بها، فاذا نظرنا الى العلم بالملاقاة نرى ان العلم بالملاقاة بعد العلم الاجمالي بالنجاسة، ولكن اذا نظرنا الى ذات الملاقاة فإن ذات الملاقاة قبل العلم الاجمالي بالنجاسة، مثلاً: علمنا الآن إما بنجاسة الابيض او الازرق، ثم علمنا بعد ساعة بأنه الثوب لاقى الإناء الابيض منذ امس، فالعلم الاجمالي بنجاسة الابيض او الازرق بعد الملاقاة واقعا لكن العلم بالملاقاة متاخر عن العلم الاجمالي بالنجاسة، لذلك قال سيدنا «قده» اذا ركزنا على العلم مع غمض النظر عن الوجود الواقعي للمعلوم سوف يكون العلم بالملاقاة متاخرا زمانا عن العلم بالنجاسة وهذا يقتضي ادراجة في الصورة الاولى التي قلنا فيها بعدم المنجزية. واما اذا ركزنا على الوجود الواقعي للمعلوم حيث ان الوجود الواقعي للملاقاة سابق زمانا على الوجود الواقعي عن العلم بالنجاسة، اذن بناء على ذلك سندرجها في الصورة الثانية التي حكمنا فيها بالمنجزية. فبأي منهما نلحق هذه الصورة؟ قال «ص487»: وقد التزما في الدورة السابقة «الدراسات»: بوجوب الاجتناب عن الملاقي الحاقا له بتلك المسألة وهي ما اذا اتحدت الملاقاة زمانا مع النجاسة، _هنا ايضا الملاقاة سابقة زمانا يعني بقيت الى ان حصل العلم بالنجاسة فلا فرق بين الصورتين_، لان العلم الاجمالي بحدوثه متاخر عن الملاقاة، الآن علمنا اما بنجاسة الابيض او الازرق ولكنه بحسب الواقع حصلت الملاقاة للاناء الابيض قبل علمنا، يقول: الا انه بعد العلم بالملاقاة ينقلب الى العلم بنجاسة الملاقى او الملاقي من جهة او نجاسة الطرف الاخر من جهة اخرى. فيقرر هذا المطلب «قده»:
المدار في المنجزية على العلم الفعلي لا على العلم الحادث، وبيان ذلك: اذا علمنا اما بنجاسة الاناء الكبير او انجاسة الاناء الصغير فمقتضى ذلك تنجز العلم الاجمالي فيهما لتعارض الاصول، ثم تبدل هذا العلم الى اما نجاسة الاناء الكبير او نجاسة احد الاناءين الصغيرين، فهل يمكن القول هنا بانه في الاناء الصغير الثاني الذي لم يكن معلوماً سابقا لم يكن طرفا سابقا لا منجزية له وتجري اصالة الطهارة فيه بلا معارض، انما نقول بانه المدار على العلم الفعلي، فبلحاظ العلم الفعلي نحن نعلم اما بنجاسة الكبير او نجاسة احد الصغيرين، هذا هو العلم الفعلي واما العلم السابق وهو العلم بنجاسة الكبير او الصغير المعين فقد زال وتبدل الى العلم الفعلي فالمدار في المنجزية على العلم الفعلي، لذلك نقول لا تجري اصالة الطهارة في احد الاناءين الصغيرين لان مجموعهما طرف للعلم الفعلي. كذلك في المقام: لاننا علمنا بنجاسة الابيض او الازرق ثم بعد ساعة علمنا بملاقاة الثوب للابيض من يومين، بعد ان حصل عندنا علم بالملاقاة صار عندنا علم جديد وهو العلم بنجاسة الازرق او نجاسة الملاقي او الملاقي والمدار على العلم الفعلي وليس المدار على العلم الحادث. لا عبرة بذلك العلم الحادث.
ثم قال: ولكن الظاهر عدم تنجز العلم الاجمالي في الملاقي، وان ما ذكرناه في الدراسات غير تام، والسر في ذلك: ما ذكرناه قبل قليل من المدار على التنجز على العلم لا على الوجود الواقعي للمعلوم، فلا يهمنا ان الملاقاة كانت سابقة زماناً على النجاسة. يهمنا العلم نفسه وبما ان المهم هو العلم فالمفروض ان العلم بالملاقاة متاخر زمانا عن العلم بالنجاسة وان كانت ذات الملاقاة متقدمة، فبما ان المدار على العلم لا على الوجود الواقعي للمعلوم وزمان العلم بالملاقاة متأخر عن زمان العلم بالنجاسة، اذن هذه الصورة مثلا الصورة الاولى، بان نقول علمنا اجمالا بنجاسة الابيض او الازرق وتنجز، ثم علمنا بملاقاة الثوب للاناء الابيض فحصل علم جديد اما بنجاسة الثوب او نجاسة الازرق، لكن حيث ان الازرق تنجز بعلم اجمالي قبل ساعة فلا يتنجز بهذا العلم الثاني فتجري اصالة الطهارة في الثوب بلا معارض، المدار على العلم وان كان ذات المعلوم وهو الملاقاة سابق زمانا فان هذا لا اثر له.
واما المثال الذي مثلنا به وهو: اناء كبير واناء صغير ثم اناء كبير واحد الاناءين الصغيرين. الغريب هنا ذكر جوابين متعاكسين تماما: قال: هذا المثال لا يصح الاستشهاد به، فذكر: اولاً: فرق بين محل كلامنا وبين المثال، فان المثال من باب التبدل ومحل كلامنا من باب الانضمام. يقول في المثال: علمنا بنجاسة الكبير او الصغير ثم تبدد وتبخر هذا العلم الى علم اجمالي بنجاسة الكبير او احد الصغيرين، اذن المدار على العلم الثاني، هذا واضح، لكن في محل كلامنا ليس من باب التبدل بل من باب الانضمام، يعني علمنا اجمالاً بنجاسة الابيض او الازرق وبقي هذا العلم الى ان علمنا بالملاقاة للثوب للماء الابيض فالعلم الثاني صار معاصر للعلم الاول لان العلم الاول بقي الى زمان العلم الثاني ولم يتبخر فلا موجب لقياسه بالمثال.
ثم قال ثانيا: بل في المثال لا يتنجز العلم الاجمالي الثاني، لأنه اذا علمنا اجمالاً بنجاسة الكبير او الصغير ثم توفي هذا العلم وعلمنا اجمالا اما بنجاسة الكبير او احد الصغيرين فذاك الصغير الذي كان طرفا لعلم اجمالي سابق قد تنجز بمنجز سابق فلا يتنجز بالعلم الاجمالي الجديد، اذن تجري اصالة الطهارة في الاناء الصغير الثاني بلا معارض وهذا كيف يجتمع مع تحليله «قده»؟.
والجواب انه: اما العلم الاول باقي او ليس بباقي، ان كان العلم الاول باقي اذن لا يجري الاصل في الاناء الصغير للمعارضة لانه يوجد علم بنجاسة الاناء الكبير او نجاسة الانائين الصغيرين غاية ما في الباب انه في احد الاناءين الصغيرين يوجد علم سابق لا اكثر، او تقولون ليس بباقي اذن المدار على العلم الفعلي وبما ان المدار على العلم الفعلي اذن فمقتضاه المنجزية لان طرفيه اما الكبير او احد الصغريين. فلا معنى للقول بان احد الاناءين الصغيرين قد تنجز بعلم اجمالي سابق ليكون نظير محل كلامنا الا اذا افترضنا ان العلم الاجمالي السابق باقي والا فمع فرض التبدل لا معنى لهذا التصوير.
ثم تعرض الى كلام الكفاية وقال: بان صاحب الكفاية في «ص489» صاحب الكفاية ثلث الاقسام فقال في الكفاية: تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي، وهي الصورة التي الاولى التي تعرض لها السيد الخوئي يعني علمنا اجمالا ابتداء بنجاسة الابيض او الازرق بعد ساعة علمنا بنجاسة الثوب او الازرق لملاقاة الثوب للابيض، هنا يجب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي، لان العلم الثاني ليس علما بتكليف فعلي على كل تقدير.
المورد الثاني: انه يجب الاجتناب عن الملاقى والملاقي معا، وذلك اذا تعاصرا العلمان. علمنا اجمالا بنجاسة الابيض او الازرق وفي نفس الوقت علمنا بملاقاة الثوب للابيض فهناك علم اجمالي ثاني معاصر للاول وهو نجاسة الثوب او الازرق.
المورد الثالث: وقد يجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى، وذكر لذلك «صاحب الكفاية» موردين:
المورد الاول: ما اذا علمنا اما بنجاسة ماء الجار او ماء البيت وعلمنا بملاقاة الثوب لماء الجار، ففي هذا الفرض ايهما المنجز؟
المنجز هو العلم الاجمالي بنجاسة الثوب او ماء البيت، لان ماء الجار خارج عن محل الابتلاء فلا يجري فيه الاصل اصلا ولا يكون طرفا لعلم اجمالي منجز، اذن هنا وجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى.
فلو رمى الجار الماء في بيتنا ودخل في بيتنا قهرنا، يقول «ص490»: فاذا رجع الملاقى بعد ذلك الى محل الابتلاء لم يكن مانع من الرجوع الى الاصل فيه، لعدم ابتلائه بالمعارض. الإناء الذي رماه علينا الجار نجري فيه اصالة الطهارة بلا معارض. أن قلت ان اصالة الطهارة في ماء البيت تعارضه قلنا: اصالة الطهارة في ماء البيت قد سقطت باصالة الطهارة في الثوب، فلا تنهض مرة اخرى لمعارضة اصالة الطهارة في ماء الجار، اذن ماء الجار خارج عن العلم الاجمالي المنجز قبل دخوله في محل الابتلاء وبعد دخوله في محل الابتلاء.
هذا والتحقيق «يرد على صاحب الكفاية»: عدم تمامية ما افاده، لانه متى يقال هذا الطرف خارج عن محل الابتلاء او ليس بخارج لا بلحاظ ذاته بل بلحاظ اثره، اذا له اثر في محل الابتلاء فهو داخل في محل الابتلاء وليس بخارج، واناء الجار وان كان بلحاظ ذاته خارج عن محل الابتلاء لكن بلحاظ ملاقيه وهو الثوب الذي في البيت يعتبر داخل في محل الابتلاء، فلا معنى لجعل المسألة كون احد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء.
بل نقول: اصالة الطهارة في البيت معارضة لأصالة الطهارة في ماء الجار وان كان موجودا في بيت الجار.
فان قلت: ما فائدة اصالة الطهارة في ماء الجار وهو خارج عن محل الابتلاء؟ قلنا: بلحاظ اثرها وهو الثوب الملاقي، فتتعارض اصالة الطهارة في ماء الجار مع اصالة الطهارة في ماء البيت من الاول ويكون العلم الاجمالي فيهما منجز. وهذا الملاقي هل يكون منجزا ام لا؟ يعني بعد هذا التقرير صار العلم الاجمالي بنجاسة ماء الجار او ماء البيت منجز، لكن الملاقي وهو الثوب هل يكون العلم الاجمالي فيه منجزا ام لا؟
قال: والمقام من هذا القبيل فان الملاقى وان كان خارجا من محل الابتلاء الا انه لا مانع من جريان اصالة الطهارة فيه في نفسه لترتيب الحكم بطهارة ملاقيه، الا ان العلم الاجمالي بنجاسته او نجاسة الطرف الاخر وهو ماء البيت يمنع من الرجوع الى الاصل الى كل منهما.
واما الملاقي «ص491» الشاهد فيه: وأما الملاقي فحكمه من حيث جريان الاصل فيه وعدمه على التفصيل الذي تقدم في المسائل الثلاث، وملخصه:
أنه اذا كان العلم بالملاقاة بعد العلم بالنجاسة التي هي الصورة الاولى فلا مانع من جريان الاصل في الملاقي بلا معارض كما في المسالة الاولى. وان كان العلم بالملاقاة قبل العلم الاجمالي بالنجاسة فالعلم الاجمالي مانع عن جريان الاصل فيه، فبالنتيجة: انه نمشي في هذه الصورة على الصورة الثانية.
المورد الثاني يأتي غداً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo