< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الأصول

37/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: انحلال العلم الإجمالي

ذكرنا فيما سبق: أن جملة من الأعلام حاول في حل العلم الإجمالي القائم بين الملاقي وعدل الملاقى. وقد ذكروا في الحل عدة طرق. وصلنا الى:
الطريق الخامس: وهو ما ذهب إليه السيد الأستاذ «دام ظله» وقد أشرنا إليه في التنبيه السابق. ومحصل كلامه:
أن العلم الاجمالي منجز عقلي وعقلائي، فهو منجز عقلي بلحاظ الجامع، ومنجز عقلائي بلحاظ الواقع. وذلك لأن العلم الاجمالي حقيقة ودّقةً ليس انكشافا للواقع، إذ الواقع ما زال مجهولا ومردداً وإنما هو بحسب الدقة العقلية انكشاف للجامع، فإذا علم اجمالاً بوجوب احدى الفريضتين يوم الجمعة اما الظهر أو الجمعة فالذي يقطع به وانكشف إليه هو وجوب احداهما، واما الواقع أي الفريضة المعينة في لم تنكشف إليه حقيقة، ولذلك لو خلينا وحكم العقل مع غمض النظر بناء العقلاء لقلنا بتحقق الامتثال بأحد الطرفين. لأن الجامع مما يتحقق بأحدهما، بحيث لو أتى بفريضة منهما لقطع بامتثال الجامع الذي انكشف لديه حقيقة.
فإن قلت: بأن هذا الجامع لم يلحظ على نحو الموضوعية وانما لحظ على نحو المشيرية لخصوصية معينة. أي لفريضة لخصوصية، وحينئذٍ فكيف يتحقق امتثاله بالإتيان بإحدى الفريضتين؟
قلنا: بأن تلك الفريضة ذات الخصوصية لها جانبان: جانب مشرق وجانب مظلم. الجانب المشرق: أي الذي انكشف لدى اذهاننا هي كونه فريضة، وأما كونها بخصوصية الجمعة أو الظهر فهي من الجانب المظلم، إذن لو كنّا نحن وحكم العقل القائم على حرفية قبح العقاب بلا بيان فإن مقدار البيان الواصل هو البيان على الجامع لا على الخصوصية، فالخصوصية ما زالت مشكوكة شكا بدوياً. وبناءً على ذلك فالعقل لا يحكم بأكثر من لزوم امتثال الجامع لأنه المقدار الواصل والبيان الحاصل. لذا وإن حرمت المخالفة القطعية للعلم الاجمالي ولكن لا تجب موافقته القطعية بالإتيان بكلا الطرفين، لكن بناء العقلاء قام على منجزية الواقع وإن لم ينكشف الا الجامع، والسر في بناء العقلاء هو: احتمال انطباق الجامع على كل من الطرفين فاحتمال انطباق الفريضة التي احتمل وجوبها على الظهر واحتمال انطباقها على الجمعة أوجب المنجزية لديهم، فالواقع هذه المنجزية ليست للعلم الاجمالي محضا حيث إن العلم الاجمالي انكشاف للجامع، وليست للاحتمال محضا، وانما محور المنجزية الاحتمال المستند إلى العلم الاجمالي لانهم لا يبنون على منجزية كل احتمال بل الاحتمال المرتكز على العلم الاجمالي لا كل احتمال. فبما ان الوجه في منجزية العلم الاجمالي بناء العقلاء لذلك لا تشمل الأصول اطراف العلم الاجمالي، أي أدلة الأصول العملية، لأن هذه الأدلة محفوفة بهذا الارتكاز العقلائي القائم على المنجزية الاحتمال المستند للعلم الاجمالي، أو بحسب تعبيره: القائم على تسرية الشحنة من المعلوم بالاجمال إلى كل طرف من طرفيه، فبلحاظ احتفاف أدلة الأصول بالارتكاز العقلائي فهي منصرفة عن اطراف العلم الاجمالي. لكن، في فرض تأخر العلم بالملاقاة عن العلم الاجمالي بالنجاسة كما إذا علمنا اجمالا بنجاسة الماء الأبيض اوا لماء الأزرق ثم علمنا بعد ساعة بملاقاة الثوب للماء الأبيض صحيح الآن تشكل لدينا علم اجمالي جديد وهو العلم بنجاسة الثوب أو الماء الازرق، لكن حيث إن أحد طرفي هذا العلم قد تنجز بمنجز سابق حيث إن الماء الأزرق تنجز بالعلم الاجمالي السابق لم نحرز بناء العقلاء على منجزية احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على الملاقي، وهو الثوب، إذ ما دام العكّاز في المنجزية هو بناء العقلاء لا أكثر من ذلك فنحن لا نحرز بناءهم على المنجزية في الملاقي إذا تأخر العلم بالملاقاة زماناً عن العلم بالنجاسة. بحيث تنجز أحد الطرفين بمنجز سابق.
لذلك تجري اصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض.
وشبيه بهذا الكلام ما ذكره بعض الأجلّة: من أن سيرة العقلاء لم تقم على المنجزية في الملاقي بشهادة أننا لا نرى العقلاء يتجنبون عن ثيابهم إذا لاقت الأرض الرطبة أو مقدارا من أرض بيت الخلاء وان كان يعلمون إجمالا بنجاسة بقعة منه، فمع أنهم يعلمون اجمالا بنجاسة بقعة من هذه الأرض الرطبة نتيجة نزول المطر أو يعلمون بنجاسة بقعة من بيت الخلاء نتيجة مزاولة الماء فيه لكنهم لا نراهم يجتنبون ثيابهم التي لاقت طرفا من هذه الارض، وما ذلك الا لعدم بناءهم على المنجزية في الملاقي إذا كان العلم بالملاقاة متأخراً زمانا عن العلم بالنجاسة.
ويلاحظ على ما أفيد:
أولاً: عند المراجعة للوجدان العقلائي لا نجد ان العقلاء يفرقون بين تأخر العلم بالملاقاة عن العلم بالنجاسة أو تعاصر العلمين، مثلاً: إذا علم العقلاء إما بوجوب اكرام زيد أو بكر، وفي نفس الوقت علموا إما بوجوب اكرام بكر أو عمر، فهل يبنون على المنجزية في الأول وبالنسبة لعمر يجرون اصالة البراءة عن وجوب اكرامه؟
ليس الأمر كذلك، بشهادة أنه لو انكشف بعد ذلك ان عمراً كان واجب الاكرام واقعا لاحتج المولى على ذلك ولم يقبل منهم عذرهم. ولو فرضنا انه علموا أولا بوجوب اكرام زيد أو بكر بعد يوم فهل يجرون البراءة عن وجوب اكرام عمر لأن هذا العلم متأخر زماناً عن ذلك العلم؟ لا نرى بالوجدان العقلائي فرقا بين المثالين، يعني ما إذا تعاصر العلمان أو تأخر احدهما زمانا، بحيث لو انكشف ان عمرا واجب الاكرام صح الاحتجاج عليه في كلا المثالين. وأما ما ادعي في بعض الكلمات من أنّا لا نرى العقلاء يتجنبون الثوب عند ملاقاته لطرف من ارض الخلاء أو من الأرض الرطبة، فهذا لا يدل على عدم منجزية العلم الاجمالي في الملاقي إذ لعل بعض اطراف هذه الأرض خارج عن محل الابتلاء أو لا يوجد علم اجمالي وجداني، مجرد عدم اجتنابهم عن الملاقي لاحد اطراف بيت الخلاء أو الأرض الرطبة لا يدل على أن هناك علماً اجمالياً جميع اطرافه داخلة في محل الابتلاء ومع ذلك لم يجتنوا عن الملاقي هذا أول الكلام.
ثانياً: ذكر السيد الأستاذ «دام ظله»: في تعليقته على العروة: انه لا يجب الاجتناب عن الملاقي إذا تأخرت الملاقاة والعلم بها عن العلم بالنجاسة، كما إذا علم اجمالا بنجاسة الأبيض أو الأزرق ثم بعد ساعة لاقى الثوب _يعني الملاقاة ايضا متأخرة_ الإناء الابيض، فأفاد هنا بأنه لا يجب الاجتناب عن الملاقي بل تجري فيه اصالة الطهارة، لعله يرى ان العقلاء لا يرون المنجزية في ذلك.
ولكن، في «منهاج الصالحين، الطبعة السابقة»: فيما إذا لاقت الخنثى الذكر بمعنى ان الذكر وطأ الخنثى في قبلها فإنه هنا: افاد بأنه يجب على الخنثى الغسل، إذا كانت مرددةً _ليست طبيعة ثابتة_ بين الذكر والأنثى، والوجه في ذلك: انه إن كانت انثنى وجب عليها الغسل وان كانت ذكرى وجبت عليها تكاليف الذكر من حرمة نظره مثلاً لمفاتن الانثى واشابه ذلك _هذا مثال لملاقي أحد اطراف الشبهة المحصورة_ مع أنه تكاليف الذكر تنجزت عليها بعلم اجمالي سابق زماناً، فإنها قبل ملاقاة هذا الذكر كان لديها علم اجمالي منجز وهو انه اما يحرم عليها النظر لمفاتن الانثى أو يحرم عليها تمكين النفس من الذكر مع ان لديها علم اجمالي في سابق مع ذلك إذا لاقت الذكر في قبلها وجب عليها الغسل.
فالنكتة الذي ذكرها وهي: إذا كان العلم الاجمالي بالملاقاة متأخرا زمانا عن الاجمالي الأول لم يكن منجزاً بل يجري الأصل في الملاقي يسري إلى المقام حيث لديها علم اجمالي منجز في زمن سابق وهو انها اما ذكر أو انثى فإما ان يجب عليها تكاليف الذكر أو يجب عليها تكاليف الانثى فلم يحصل بالملاقاة شيء جديد، وبالتالي تجري البراءة عن وجوب الغسل بلا معارض.
فما هو الفرق بين الفتويين؟ أي فتواه بين عدم وجوب اجتناب الملاقي إذا حصلت الملاقاة والعلم بها في زمان متأخر وبين وجوب الغسل على الخنثى إذا لاقاها الذكر في قبلها؟
هذا ما يرتبط بالطريق الخامس. ويأتي الكلام في الطريق السادس وهو ما ذكره المحقق النائيني واختاره سيد المنتقى «قدس سرهما» كلامه في «فوائد الاصول، ج4، ص81» وكلام سيد المنتقى في «ج5، ص168». راجع ما ذكروه في المقام لترى هل ما ذكر وجه جديد لمجزية الاجمالي في الملاقي أم لا؟.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo