< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: حكم الدخول من الدبر في الإحرام

  قد بحثنا حكم مواقعة النساء للمحرم حال الإحرام ولكن هل هناك فرق بين المواقعة من القبل و الدبر في هذا الحكم أم لا؟

  قد أسلفنا أن المسألة عامّة البلوى في كافة أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات، و قد ذكرنا في البحث السابق موارد يأتي السؤال عنها، و الآن نضيف ثمانية موارد أخرى كما يلي:

في الإعتكاف: فإنّ المواقعة تؤدّي إلى بطلان الإعتكاف، فهل أنّ الإعتكاف يبطل بكلا الفعلين أم بالفعل الأوّل أعني المواقعة من القبل فقط؟ في حق الحبس: يحق للزوجة أن تمتنع عن تمكين زوجها من نفسها إلّا أن تستلم المهر و ذلك فيما لو شرط المهر آجلا أو جُعل الأجل وقت المطالبة و لكن الحكم نافذ ما لم يتحقّق الدخول فلو مكنته من الدخول و لو مرّة واحدة يسقط عنها حق الحبس فلم يكن لها أن تمنعه نفسها بعد ذلك و إن حق لها المطالبة بالمهر، و السؤال هو: ما يسقط به حق الحبس هل هو الدخول بالنحو الأوّل أم بالنحو الثاني أيضا يسقط هذا الحق؟ في الظهار: الظهار صيغة كانت تستعمل في الجاهلية بدلا عن الطلاق للمفارقة فكان الرجل يخاطب زوجته: "أنت علي كظهر أمّي" فيشبّه تحريمها على نفسه بتحريم ظهر أمّه عليه، و قد أقَرّ الإسلام الظهار بشروط خاصة منها الدخول، فهل أنّ شرط الدخول في تحقق الظهار هو الدخول بالنحو الأول أم بالنحو الثاني؟ في حد القذف: إنّ للقذف في الشريعة الإسلامية حد يقام على القاذف فهل أنّ إقامة الحد يتوقف على نسبة الزنا بالنحو الأوّل أم النسبة بالنحو الثاني أيضا توجب الحد؟ فلو قيل أن القذف لا يتحقق إلا بالنسبة على النحو الأول، فعلى النحو الثاني لا تستوجب إلا عقوبة التعزير. في حد القيادة: القيادة هي الواسطة في الفجور، فلو كان الشخص واسطة بالنحو الثاني هل يُقام عليه حد القيادة أم لا فيُقتصر بشأنه على عقوبة التعزير؟ في حرمة العقد على المعتدة: لو كانت المرأة معتدة مهما كانت العدة فعقد عليها رجل، يقع العقد باطلا دونما كلام و لكن في صورتين يؤدّي إلى حرمة أبدية:

الأولى: أن يكون عالما بالحرمة.

الثانية: أن يكون جاهلا و لكن أدخل بعد العقد.

و السؤال: أن هذا الدخول الذي تترتب عليه الحرمة الأبدية هل أنه الدخول بالنحو الأول أم بالنحو الثاني.

في الطلاق: من شروط صحة الطلاق هو أن يقع في غير طهر المواقعة بمعنى أنْ تطرأ عليها العادة فتطهر من دون أن يواقعها زوجها في هذا الطهر؛ و السؤال: لو واقعها بالنحو الثاني أي من الدبر فهل يختل الشرط المفروض أم لا؟ في العدّة في الطلاق: تجب العدة بالطلاق إذا كانت المرأة مدخولا بها، و إلّا فلا تجب؛ و السؤال: هل يتحقق الدخول المفروض بالنحو الثاني أم لا؟

  لم تقتصر الموارد على هذا العدد و لعل هناك موارد أخرى، و المهم هو أن نعالج المشكلة في أنّ الدخول المفترض في مختلف أبواب الفقة هل هو الدخول بالنحو الأول أم الأعمّ منه و من الثاني؟ سبق و أن قلنا أن مفتاح الحل يكمُن في أنْ ندرس العناوين الحاكية عن الدخول في الآيات و الروايات بأنها عامة تشمل كلا النحوين أم خاصة لا تتعدّى النحو الأول.

  سبق و أن ذكرنا في الدرس الماضي نموذجا من التوظيف القرآني للمفردات الحاكية عن الممارسة الجنسية، و الآن نزيد آيات أخرى:

مفردة المباشرة: "وَ لَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنتُمْ عَاكِفُونَ فىِ الْمَسَاجِد" البقرة: 187. مفردة الدخول: "ْوَ رَبَئبُكُمُ الَّتىِ فىِ حُجُورِكُم مِّن نِّسَائكُمُ الَّتىِ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُم" النساء: 23. مفردة حفظ الفروج: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ يحَفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَالِكَ أَزْكىَ‌ لهَمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا يَصْنَعُون" النور: 30.

 "وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون" [1]

حصيلة البحث:

لهذه العناوين في الآيات و الروايات ثلاث حالات:

الأولى: العناوين الظاهرة في القُبل مثل الروايات التي كانت تشير إلى إلتقاء الختانين حيث يوجب الغسل و المهر و الرجم، لعل البعض يرى أن عنوان الزنا أيضا يختص بالقبل دون غيره.

الثانية: العناوين المطلقة، يبدو أنها عامة تشمل كلا النحوين مثل: الدخول، المسّ، اللمس، الوطي، المواقعة؛ هل نستطيع أن نأخذ بعموم هذه الألفاظ أم أنها منصرفة إلى النحو الأول؟ و الإنصراف لو كان هل أنه بدوي أم مستقر و حقيقي؟ لابد من تحديد ذلك.

الثالثة: العناوين التي تختلف بإختلاف المقامات مثل إلغاء الخصوصية، و قياس الأولوية، و تناسب الحكم و الموضوع فمثلاً عقوبة الإغتصاب الزنا إستكراها هو القتل فلو كان بالنحو الثاني من الدبر و إن لم يطلق عليه عنوان الزنا و لكنه أكثر شناعة و قبحا من النحو الأول فالعرف هنا يلغي الخصوصية و لعله يلجأ إلى الأولوية.

  و كذلك، قد يقتضي تناسب الحكم و الموضوع أن يكون الثاني كالأول مثل آية حرمة مباشرة النساء أيام الإعتكاف،فإنّ العرف يقضي على أنّ الآية تريد أن لا يباشر المعتكف النساء فلا فرق، سواء أكان على النحو الأول أو الثاني.

  و هكذا في الحج لأن الشريعة تريد أن يمتنع الحاج من هذا النوع من الملذات حتى إنْ كان بقدر إنشاء العقد أو النظر بشهوة أو لمس بحرام وفقا لقاعدة تناسب الحكم و الموضوع، و لذلك نقول أنّ "الرفث" يعم كلا النحوين.

  و هناك رواية أو أكثر صريحة في كلا النحوين، فرواية تقول: "أحد المأتيين" [2] و في أخرى و هي صحيحة السؤال عن خصوص النحو الثاني فيقول الإمام علیه السلام عن الآثار المترتبة عليه : "وجب المهر و العدة و الغسل". [3]

  و بذا ننتهي عن الأمر الثاني من المسألة الأولى.

الأمر الثالث: في كفارة المواقعة هل أنه تخيير بين البدنة و البقرة و الشاة، أم أنّ فيها تفصيل بين الغني و الفقير، أم أنّ الحكم يختلف بحسب حال المكلف فإذا كان غنيا فبدنة و إذا كان متوسط الحال فبقرة و إذا كان فقيرا فشاة؟ سيأتي البحث فيها إن شاء الله.

[1] المؤمنون: 5.

[2] الوسائل/ مجلد 20 (ط الحديثة). ص 148.

[3] المصدر/ مجلد 21. ص 320.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo